لعلها
المرة الأولى التي يتنادى نفر من الوطنيين
المصريين؛ ليقدموا أنفسهم بديلا عن
النظام القائم، بصورة علنية.. وهذا وجه التفرد الذي يجعل منه حدثا مهما يستحق
الوقوف أمامه والتعامل معه بما يليق به من اهتمام.
لقد
تعودنا "السرية" من الحركات التي تسعى لتغيير نظم الحكم، وكثير منها لم
نسمع بها إلا بعد فشل محاولاتها تلك.. كما تعودنا من تلك الحركات كلاما عاما عن
الحرية، والديمقراطية، والقضاء على الظلم والفساد، واستعادة السيادة الوطنية، غير
مشفوع برؤية متماسكة للمستقبل، أو خارطة طريق.. أما "حركة ميدان" فقد
جاءت على النقيض من كل ذلك، وهذا ما يضيف لفرادتها وأهميتها الكثير.
عندما
نقول: تنادوا ليقدموا أنفسهم بديلا عن النظام القائم، فإننا -بالقطع - لا نعني
"التداول السلمي للسلطة" بين سلطة ومعارضة لأسباب عديدة منها:
السبب الأول: أن هذه الثلة
من الوطنيين لا ترى نفسها "معارَضة"؛ كونها لا تعترف بشرعية هذا النظام
الذي انقلب على إرادة الشعب، والرئيس المنتخب، والمسار الديمقراطي؛ بدعاوى ثبت
بطلانها جميعا. كما أثبت -بالأدلة الدامغة- أنه نظام وظيفي خائن، يعمل لصالح أعداء
مصر الذين مكّنوا له بالقوة المسلحة، بالمخالفة للدستور المستفتى عليه من الشعب.
السبب الثاني: لأن ضباط يوليو
1952 قاموا بمحو تعبير "التداول السلمي للسلطة" بنعال بياداتهم العسكرية،
باعتبار السلطة أضحت حقا مكتسبا لأصحاب البزَّات المموهة حصرا.
السبب الثالث: خُلو الساحة
السياسية من
أحزاب حقيقية يمكنها القيام بأعباء الحكم.. فالكيانات الحزبية، في مصر،
منذ تأسست في سبعينيات القرن الماضي، مجرد "عوالق" بجسم النظام الشمولي
الحاكم تعيش وتعتاش على فضلاته، مقابل إظهاره في صورة النظام الديمقراطي التي يعلم
الجميع أنها مُزيفة!
انطلقت
"حركة ميدان" في وقت خفتت فيه الأصوات المناهضة للسلطة الانقلابية، في
مصر، أو جنحت لسلم لم يجنح له نظام الانقلاب، ولا يرغب فيه، ولا يراه ممكنا.. أو هرولت
نحو سراب المصالحة مع نظام فاشي أسس "شرعيته" لدى مؤيديه ومموليه، على
البطش المفرط بالآخر واستئصاله، والإخفاء القسري، وتلفيق القضايا، والأحكام
المُسيّسة، والسجن، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون!
عرّفت
"حركة ميدان" وثيقتها السياسية بأنها "خارطة طريق نحو وطن حر"،
وهذا بعض ما جاء فيها:
قناعات
ميدان الثلاث:
- ما يجري في مصر ليس أزمة حكم، بل انهيار بلد.
-
التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم عبر الأدوات
القديمة، ولا بمنطق المناشدات والمطالبات وانتظار التدخل الخارجي.
- الشعب هو الفاعل المركزي، والمصدر الأصيل للشرعية.
"ميدان" تمثل منصة سياسية شعبية جامعة، ذات
نَفَس طويل، تطرح مشروعا للتحرر الوطني الشامل، وتعمل على بناء الكتلة الحرجة القادرة
على إنجازه، بخطاب متماسك، وتنظيم مرن، وتحالفات واقعية. وبالتالي، فإن
"ميدان" ليست حزبا سياسيا مغلقا، ولا كيانا نخبويا انعزاليا، ولا منصة
إعلامية تكتفي بالشجب والتعبئة. ميدان لا تطلب من أحد أن يتخلى عن انتمائه
التنظيمي أو الفكري، ولكن نطلب أن يعلو انتماؤه لمصر فوق كل الانحيازات الضيقة،
وأن يُقدم المصلحة الوطنية على ما سواها من مصالح.
تشخيص
"ميدان" للحظة الراهنة
"سلطة
بلا شرعية، ومعارضة بلا فاعلية، وشعب بين الألم والرجاء. لم تعد مصر دولة تحكمها
مؤسسات، بل كيان تسيطر عليه منظومة أمنية عسكرية اقتصادية مغلقة، تفرض نفسها بقوة
السلاح، لا بشرعية الإرادة العامة. نحن أمام سلطة انقلابية لم تأتٍ ببرنامج حكم،
بل بخطة استيلاء، لم تبن دولة، بل سلبت الدولة ومزّقت مؤسساتها؛ لتعيد تشكيلَها
على مقاسها الأمني والمالي، وعلى مقاس حلفائها الأجانب الذين كانوا شركاء في هذا الانقلاب،
حتى لو كانت ضد المصلحة الوطنية الحيوية".
الهوية
الوطنية
"الهوية
الوطنية المصرية ليست إقصائية ولا منغلقة، بل هي حصيلة قرون من التفاعل بين دوائر
الإسلام والعروبة والأفريقية والمتوسطية، وأن الصراع ليس بين الأصالة والمعاصرة،
بل بين الاستبداد والحرية.
المرجعية
الإسلامية تقوم على: إعلاء شأن الإنسان، تجريم الاستبداد، ترسيخ الشورى والتعددية،
الموازنة بين الحقوق الفردية والعدالة الجماعية، احترام التعدد والاختلاف باعتباره
سنة كونية ومصدر غنى لا تهديد.
ترفض
"ميدان" توظيف الدين في خدمة السلطة، كما ترفض نزع الدين من المجال
العام. فالدين ليس أداة لحشد الغوغاء، ولا لفرض الصمت، بل منظومة قيم تحررية ترفض
الظلم وتنهى عن الاستعباد وتؤسس لكرامة الإنسان".
رؤية
"ميدان" للدولة
أي
دولة تريد "حركة ميدان"؟ وعلى أي أسس تقوم؟ وما الذي يميزها عن الدولة
القائمة أو الأطروحات السابقة؟
"ليست
الدولة في تصور "حركة ميدان" مجرد سلطة تُمارس الحكم، أو مؤسسات تسيِّر
الشأن العام، بل هي كيان تعاقدي يعكس إرادة الناس، ويحقق مصالحهم، ويحفظ كرامتهم،
وينظم تنوعهم، ويوفر شروط النهضة لا أدوات القمع. لقد شوه الاستبداد مفهوم
"الدولة" في أذهان الناس، فربطها بالخوف والجباية والقهر، حتى أصبحت
الدولة مرادفا للقبضة الأمنية، لا لمظلة الأمان، ولا للعدالة الاجتماعية، ولا
للحكم الرشيد".
الدولة
التي تريدها "ميدان" تستند إلى تمكين المجتمع وتوسيع نشاطه وتحفيز
مبادراته الذاتية، وتتخفف فيها السلطة من أعباء كثيرة يمكن أن يقوم بها المجتمع من
تلقاء نفسه، الأمر الذي يقلل من تغول السلطة وقدرتها على الطغيان، ويزيد من تماسك
المجتمع وتلاحمه ويعزز قدرته على مقاومة الاستبداد.
إن
توسيع المجالات أمام البلديات والمجالس المحلية وأشكال حل النزاعات الأهلية
والعرفية وقيام المجتمع بدوره الطبيعي دون تحجيم وتقييد من السلطة يسهم في إنشاء
توازن قوي بين سلطة محترفة تتولى الملفات الكبرى الجماعية، وبين مجتمع فعال يمنح
الفرصة لطاقاته المتنوعة وإبداعاته المتعددة، وبأوسع مدى ممكن، لتحقيق تماسك
اجتماعي عظيم ونهضة مجتمعية تكون أقل تأثرا بأي خلل أو فساد أو انهيار يطرأ على السلطة.
وهذا هو النموذج الحضاري الإسلامي الذي ساد أمتنا طوال قرون ما قبل زمان الاحتلال،
وأبدع هذه النهضة الشاملة غير المسبوقة.
للاطلاع
على النص الكامل لوثيقة "ميدان" السياسية، اضغط
هنا.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com