كتب

ورقة بحثية: دمشق أمام معادلة صعبة بين الصمود والتطبيع مع إسرائيل

ورقة "رفض التطبيع" تبقى ورقة رابحة تعزز الالتفاف الشعبي حول القيادة السورية، وتمنحها حصانة داخلية تقلّص من قدرة القوى الدولية على ابتزازها.
كشف مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في ورقة سياسات جديدة أعدّها الخبير السياسي عاطف الجولاني، عن ملامح خيارات سورية معقدة في إدارة العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل ضغوط دولية وإغراءات اقتصادية متزايدة.

وأوضحت الورقة أن الإدارة السورية الجديدة تواجه معادلة صعبة؛ فمن جهة تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في الأراضي السورية، ومن جهة أخرى تشهد دمشق انفتاحاً سياسياً واقتصادياً من أطراف غربية وعربية، تَمثّل برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، وإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، إضافة إلى توقيع السعودية والإمارات اتفاقيات اقتصادية مع دمشق بقيمة 7 مليارات دولار.

وحدّدت الورقة أربعة مسارات محتملة أمام دمشق: قلب الطاولة ورفض الضغوط، التكيّف الإيجابي والممانعة المحسوبة مع تفعيل عناصر القوة دون الانجرار للتطبيع، الانفتاح المتدرّج على الاحتلال الإسرائيلي، التطبيع الواسع والالتحاق بالاتفاقيات الإبراهيمية.

ورجّحت الورقة أن تتحرك القيادة السورية خلال الفترة المقبلة بين الخيار الثاني (الممانعة المحسوبة) والخيار الثالث (الانفتاح المتدرّج)، مستبعدة خيار التطبيع الشامل باعتباره "انقلاباً على الموقف الوطني ومصادمة لثوابت الأمة"، كما قللت من احتمالات القطيعة الكاملة مع الضغوط الدولية.

وأشارت الدراسة إلى أن اللقاءات الأمنية السورية–الإسرائيلية الأخيرة، وإن كانت بعيدة عن الملفات السياسية والاقتصادية، إلا أنها تحمل خطورة بالغة لأنها تشجّع على زيادة الضغوط الإقليمية والدولية لدفع دمشق إلى خطوات أوسع.

كما حذّرت الورقة من أن الاستجابة لمطالب التطبيع قد لا تخدم النظام السوري على المدى الطويل، إذ ينظر الإسرائيليون والأمريكيون إلى القيادة الحالية كمرحلة مؤقتة، ويريدون تحميلها كلفة التطبيع أمام الشارع السوري باعتباره "محرقة شعبية".

وجدت الإدارة الجديدة نفسها أمام ضغوط قوية ومحفّزات مغرية لدفعها إلى فتح قنوات مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية وازدياد الحديث عن "تطبيع إقليمي موسّع" يشمل أطرافاً عربية مؤثرة.
وأكدت الورقة على أهمية تفعيل عناصر القوة الشعبية والسياسية في سورية لدعم صلابة الموقف الرسمي، مذكّرة بتجربة أحداث السويداء في يوليو/تموز 2025 التي نجحت فيها دمشق بفرض موقفها على الإسرائيليين والأطراف الدولية.

واختتمت بالتشديد على أن ورقة "رفض التطبيع" تبقى ورقة رابحة تعزز الالتفاف الشعبي حول القيادة السورية، وتمنحها حصانة داخلية تقلّص من قدرة القوى الدولية على ابتزازها.

وشكّل سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024 نقطة تحوّل فارقة في المشهد السوري، حيث دخلت البلاد مرحلة جديدة بإدارة مختلفة، بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب والانقسام والتدخلات الإقليمية والدولية.

طوال فترة حكم الأسد، ورغم الخطاب الرسمي الرافض للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن سورية ظلّت ساحة مفتوحة للغارات الإسرائيلية، التي استهدفت على نحو متواصل الوجود الإيراني ومواقع عسكرية سورية، دون أن ينجرّ النظام السابق إلى مواجهة واسعة. كما تمسّك الأسد بـ"شعار الممانعة" دون ترجمة عملية توازيه.

لكن مع سقوط النظام، بدأت ترتسم معادلات جديدة: الغرب رفع العقوبات تدريجياً عن سورية مطلع 2025، في إطار محاولة لإعادة دمجها في المشهد الإقليمي، إعادة التموضع العربي برز من خلال اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات وقّعتها السعودية والإمارات مع دمشق، واشنطن أزالت "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، ما شكّل مؤشراً على إعادة ترتيب أولوياتها في الملف السوري.

في هذا السياق، وجدت الإدارة الجديدة نفسها أمام ضغوط قوية ومحفّزات مغرية لدفعها إلى فتح قنوات مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية وازدياد الحديث عن "تطبيع إقليمي موسّع" يشمل أطرافاً عربية مؤثرة.