بلجيكا تستجوب جنديين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بغزة.. وملك البلاد يعلّق

في خطوة قضائية لافتة قد تمثل اختراقا في جهود ملاحقة المتورطين في جرائم الحرب، أعلنت السلطات البلجيكية، الاثنين، أنها استجوبت جنديين إسرائيليين بشأن اتهامات بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك عقب شكوى قانونية تقدمت بها كل من مؤسسة هند رجب الحقوقية وشبكة الإجراءات القانونية العالمية (GLAN)، خلال الأسبوع الجاري.

من جانبه، وصف ملك بلجيكا ‭‭ ‬‬‬الانتهاكات في غزة بأنها "عار على الإنسانية"، وهي تصريحات مباشرة غير معتادة فيما يتعلق بالشؤون الدولية.

وأوضحت الشرطة الفيدرالية البلجيكية أن عملية الاعتقال جرت مساء الأحد الماضي في مدينة بوم، وذلك أثناء مشاركة الجنديين في مهرجان “تومورولاند” للموسيقى الإلكترونية، حيث تم التعرف عليهما واعتقالهما بشكل علني، ثم اقتيادهما للتحقيق بأمر من النيابة الفيدرالية البلجيكية، قبل أن يتم الإفراج عنهما لاحقًا.

وأكد مكتب الادعاء العام البلجيكي فتح تحقيق جنائي رسمي في القضية، في خطوة تشير إلى أن بلجيكا بصدد تفعيل صلاحياتها القضائية الدولية لمحاكمة الأفراد المتهمين بانتهاك القانون الدولي الإنساني، حتى إن لم تقع الجرائم على أراضيها.


تحقيق جنائي ورسالة قانونية قوية
بحسب البيان الصادر عن مؤسسة "هند رجب"، فإن الجنديين يخدمان في لواء غفعاتي التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد رُفعت ضدهما دعوى تتهمهما بالمشاركة في جرائم حرب ارتُكبت في قطاع غزة خلال العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الشكوى تأتي في إطار حملة واسعة تقودها لتعقب وملاحقة الجنود الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة، وذلك في محاولة "لكسر دائرة الإفلات من العقاب الإسرائيلي"، مؤكدة أنها قدمت حتى الآن 30 دعوى قانونية في 15 دولة ضد جنود وضباط من جيش الاحتلال.

وكان موقع "واللا" العبري قد ذكر الأحد، أن عناصر من مؤسسة "هند رجب" تعرفوا على الجنديين أثناء رفعهما علم لواء غفعاتي خلال مشاركتهما في المهرجان، ما دفعهم إلى التحرك بشكل فوري وتقديم شكوى عاجلة للنيابة البلجيكية.

تعليق ملكي نادر 

من جانبه، وصف ملك بلجيكا في كلمة ألقاها عشية اليوم الوطني، الاثنين،‭‭‭ ‬‬‬الانتهاكات في غزة بأنها "عار على الإنسانية"، وهي تصريحات مباشرة غير معتادة فيما يتعلق بالشؤون الدولية من ملك عادة ما يتجنب الخوض في السياسة العامة.

وقال الملك فيليب في كلمة بقصره في بروكسل "أضم صوتي إلى صوت كل من يدين الانتهاكات الإنسانية الخطيرة في غزة، حيث يموت الأبرياء من الجوع ويقتلون بالقنابل بينما هم محاصرون".



وأضاف "طال أمد هذا الوضع أكثر مما ينبغي. إنه وصمة عار على جبين البشرية جمعاء. نؤيد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء هذه الأزمة المستعصية فورا".

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك فيليب علنا بهذه النبرة الحادة والوضوح عن صراع، أما الحكومة الاتحادية البلجيكية، فقد كانت أكثر تحفظا في انتقادها للصراع في غزة.

لواء غفعاتي.. سجل دموي في غزة
ويعد لواء غفعاتي من أبرز ألوية النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتبع فرقة الصلب المدرعة التابعة للقيادة الجنوبية. وقد أنشئ عام 1947 من قبل منظمة "الهاغاناه" الصهيونية، وشارك لاحقًا في عمليات تهجير وإبادة جماعية للفلسطينيين خلال نكبة 1948.

وشارك اللواء في اجتياحات قطاع غزة أعوام 2008، 2009، و2014، وكان في طليعة القوات البرية المشاركة في العدوان الإسرائيلي على غزة في 2023، حيث نفذ عمليات برية في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين تحت قيادة الفرقة 162، وهي إحدى أبرز التشكيلات العسكرية التي تولّت إدارة المعارك في مناطق مختلفة من القطاع.


"هند رجب".. تلاحق مجرمي الحرب 
تأسست مؤسسة "هند رجب" في شباط/ فبراير 2024، وتتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا رئيسيا لها، كمؤسسة حقوقية مستقلة تُعنى بملاحقة المسؤولين والعسكريين الإسرائيليين المتورطين في ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، عبر تحريك دعاوى قضائية في مختلف أنحاء العالم، مستندة إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية.

وتحمل المؤسسة اسم الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها حين استُشهدت مع أفراد من عائلتها جراء قصف إسرائيلي مباشر استهدف سيارة كانوا قد احتموا بداخلها في منطقة تل الهوى، جنوب غربي قطاع غزة المحاصر، بتاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

وكانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني قد أعلنت، في حينه، العثور على جثة الطفلة هند إلى جانب جثامين خمسة من أقاربها بعد 12 يوما من محاصرة السيارة من قبل قوات الاحتلال، في حادثة هزّت الرأي العام الفلسطيني والدولي، وأعادت تسليط الضوء على الاستهداف المنهجي للمدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال.

وتسعى مؤسسة "هند رجب" إلى تحويل المآسي الفردية إلى ملفات قانونية دولية، ومحاسبة المتورطين الإسرائيليين في الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، من خلال العمل مع شبكات قانونية دولية وخبراء في القانون الدولي، لتوثيق الجرائم وتقديمها أمام المحاكم الوطنية في الدول التي تتيح قوانينها ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية.