صحافة دولية

لندن تطالب "بوسطن الاستشارية" بتوضيحات حول دورها بخطط دعم تهجير في غزة

لجنة الأعمال والتجارة بمجلس العموم طلبت من مجموعة "بوسطن الاستشارية" الأمريكية تقديم توضيحات مفصلة بشأن أنشطتها في غزة- موقع مجلس العموم
كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن لجنة الأعمال والتجارة في مجلس العموم البريطاني طلبت رسميًا من مجموعة "بوسطن الاستشارية" (BCG) الأمريكية تقديم توضيحات مفصلة بشأن أنشطتها في قطاع غزة، على خلفية تقارير عن تورّطها في مشاريع تخطيط لتهجير فلسطينيين وتأسيس مؤسسة بدعم إسرائيلي-أمريكي.

وجاء في التقرير الذي أعده الصحفيان جيم بيكارد في لندن٬ وستيفن فولي في نيويورك، أن رئيس اللجنة النائب العمالي ليام بايرن، وجّه رسالة إلى الرئيس التنفيذي للمجموعة كريستوف شفايزر، طالبا فيها ردودا واضحة وشاملة على جملة من الأسئلة المرتبطة بعمل الشركة في غزة خلال الأشهر الماضية، لا سيما تعاونها مع "مؤسسة غزة الإنسانية" المثيرة للجدل.

نموذج مالي للتهجير الجماعي
ووفقا للصحيفة، فإن مجموعة بوسطن الاستشارية قامت بإعداد نموذج مالي لإعادة إعمار قطاع غزة، تضمن تقديرات لتكاليف نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين "طوعا" من القطاع، وهو ما وصفته جهات حقوقية ودبلوماسية بأنه تخطيط مقلق لتهجير جماعي تحت غطاء إنساني.

كما تشير الوثائق إلى أن المجموعة أبرمت عقدا بملايين الدولارات للمساهمة في إطلاق مؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من حكومتي الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، والتي ارتبط اسمها بتوزيع مساعدات على قطاع غزة خلال العدوان، وسط تقارير عن مقتل مئات الفلسطينيين في مواقع توزيعها.

وقد أعلنت المجموعة لاحقا أنها أنهت علاقتها بالمؤسسة، وطردت شريكين مسؤولين عن المشروع، مشددة على أنها "لن تتقاضى أي أجر" مقابل تلك الأعمال، ومقرّة في الوقت ذاته بأن بعض الأنشطة كانت "غير مصرح بها"، بحسب وصفها.

تحقيق برلماني بريطاني
وطالب بايرن، في رسالته التي حصلت فاينانشال تايمز على نسخة منها، بجدول زمني مفصل لتورط الشركة في هذه الأنشطة، وكشف هوية العملاء أو الشركاء المرتبطين بها، وتحديد طبيعة الأعمال التي اعتبرتها الشركة لاحقًا "خارج إطار التفويض".

كما طالب بتوضيح مدى انخراط المجموعة في مشاريع مرتبطة بـ"إعادة توطين الفلسطينيين"، وأسماء الجهات – سواء أفرادًا أو مؤسسات، محلية أو دولية – التي طلبت أو موّلت تلك المشاريع. 

وطلب بايرن أيضًا معرفة ما إذا كانت أي منظمات بريطانية (حكومية أو غير حكومية أو أكاديمية) شاركت في إعداد هذه النماذج أو دعمها.

دور معهد توني بلير
وفي تطور لافت، أفادت الصحيفة بأن اثنين من موظفي معهد توني بلير للدراسات الدولية شاركا في مجموعات تواصل مرتبطة بمشروع إعادة تطوير غزة، وأن وثيقة صادرة عن المعهد تم تداولها ضمن فريق بوسطن الاستشارية. وأكد المعهد لاحقًا أنه لم يشارك في إعداد النسخة النهائية من العروض، ورفض فكرة تهجير سكان القطاع، مشددًا على أنه لا يقر بأي خطة لإعادة توطينهم.

وفي الولايات المتحدة، تزايدت الضغوط السياسية على المجموعة، حيث أرسلت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن٬ خطابا إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عبّرت فيه عن قلقها من التمويل الغامض لمؤسسة غزة الإنسانية وعلاقتها بالحكومة الإسرائيلية.

وسألت وارن تحديدًا ما إذا كانت الوزارة تلقت نسخة من التقرير الداخلي الذي أعدته مجموعة بوسطن الاستشارية بشأن تورطها في المشروع، وطالبت بالكشف عن نتائجه إن وجدت.

الشركة: نراجع الطلب وسنرد
وفي بيان رسمي، قالت مجموعة بوسطن الاستشارية: "نحن على علم بطلب لجنة الأعمال والتجارة في مجلس العموم، ونقوم حاليا بمراجعة الطلب، وملتزمون بتقديم رد رسمي في الوقت المناسب".

وكان الرئيس التنفيذي للمجموعة كريستوف شفايزر قد أقر، في رسالة داخلية وُجّهت إلى الموظفين السابقين والحاليين، بأن الشركة "لم تكن تشرف رسميًا على المشروع المتعلق بغزة"، لكنه وصف ارتباط المجموعة به بأنه "حقيقي ومقلق للغاية، وألحق ضررا بالغا بسمعة المؤسسة".

وتثير هذه التطورات، بحسب مراقبين، تساؤلات حول طبيعة دور الشركات الاستشارية الكبرى في النزاعات المسلحة، خصوصا حين تنخرط في صياغة نماذج اقتصادية لمشاريع "إعادة إعمار" قد تُستخدم لاحقًا كغطاء سياسي لفرض تغييرات ديمغرافية أو هندسة مجتمعية تخدم مصالح قوى الاحتلال.

ورغم أن الشركة تنفي أي نوايا لدعم التهجير القسري، إلا أن إدراج "النقل الطوعي" ضمن النماذج المالية لإعادة الإعمار، وسط حرب مستمرة وظروف إنسانية كارثية، يُعد – بحسب قانونيين – انخراطًا ضمنيًا في مشاريع مخالفة للقانون الدولي الإنساني.

من جهته، ختم النائب البريطاني بايرن رسالته بالقول إن "خطورة هذه القضية وحجم الاهتمام العام بها يتطلبان استجابة سريعة"، محددًا مهلة تنتهي في 22 تموز/ يوليو الجاري لتقديم الردود. وذكّر الشركة بصلاحيات اللجنة البرلمانية في استدعاء الأشخاص والوثائق لأداء مهام الرقابة البرلمانية.

وتأتي هذه التطورات بينما تتعرض الشركات المتعاونة مع الحكومة الإسرائيلية لمزيد من التدقيق، في ظل تصاعد الدعوات الدولية لمحاسبة الأطراف المتواطئة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، والتي خلّفت أكثر من 195 ألف شهيد وجريح فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفق بيانات فلسطينية وأممية.