صحافة دولية

WP: قصف ترامب حقق نتائج أقل مما حققه اتفاق أوباما النووي

تقرير مُسرّب من "سي إي أيه" قدّر أن الولايات المتحدة أجّلت البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط- جيتي،
تزداد التساؤلات حول النتائج الحقيقية لـ"حرب الـ21 يوما" بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، وسط حديث عن أن التاريخ يُظهر تأخير الغارات الجوية لعملية التخصيب النووية، لكن الدبلوماسية وحدها هي القادرة على إيقافها.

وجاء في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" للصحفي ماكس بوت، أن "الخبر السار هو أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة أظهرتا قدرتهما على قصف المنشآت النووية الإيرانية وأهداف أخرى متى شاءتا، وفي حالة عملية مطرقة منتصف الليل الأمريكية، التي أرسلت قاذفات الشبح من طراز بي 2 في رحلة حول العالم لإسقاط 14 قنبلة خارقة للتحصينات وزنها 30 ألف رطل".

وجاء في المقال أن "إيران تبدو أضعف وأكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى. لقد تحطمت هالة القوة التي كانت تستخدمها لتخويف جيرانها.. وقد يُنذر العمل العسكري الأمريكي أيضا الصين وكوريا الشمالية وروسيا وأنظمة معادية أخرى بعدم التدخل في شؤون الرئيس دونالد ترامب. إنه لا يتردد في استخدام القوة العسكرية طالما أنه يتجنب التورطات الطويلة".

واعتبر أن "الخبر السار الآخر يرتبط بالأول، وهو أن رد إيران كان ضعيفا للغاية. اقتصر هذا الرد على إطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى على إسرائيل وبعض الصواريخ قصيرة المدى على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، ولم تتكبد القوات الأمريكية، التي حذرتها طهران مسبقا، أي خسائر بشرية، بينما تكبدت إسرائيل 3000 جريح و28 قتيلا، وهذه حصيلة فادحة، لكنها أقل بكثير من أسوأ التقديرات عندما شنت إسرائيل عملية الأسد الصاعد".

وأكد أنه "إذا كان هذا هو مدى الرد الإيراني، فيمكن لإسرائيل والولايات المتحدة أن تتنفسا الصعداء. لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن الانتقام قد يستغرق وقتا في بعض الأحيان، وفي عام 1986، هنأت إدارة ريغان نفسها على نجاحها في قصف ليبيا، لمعاقبة معمر القذافي على دعمه للإرهاب، ولكن بعد عامين فجّر عملاء ليبيون طائرة بان آم الرحلة 103 فوق لوكربي، اسكتلندا، مما أسفر عن مقتل 270 شخصا. علينا أن نبقى في حالة تأهب قصوى تحسبا لأعمال إرهابية إيرانية مماثلة في المستقبل، نظرا لسجل تلك الدولة الممتد لعقود كالدولة الأولى الراعية للإرهاب".

وأضاف "يستحق ترامب الثناء لإجباره إسرائيل وإيران على إعلان وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء، مما ضمن عدم استمرار هذه الحرب إلى ما لا نهاية. لكن حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني لا يزال موضع نقاش حاد. في إعلانه ليلة السبت عن الغارات الجوية قبل وقت طويل من إجراء أي تقييم لأضرار القنبلة، قال ترامب إن "منشآت التخصيب النووي الرئيسية في إيران قد دُمرت تماما". وهو يتمسك بهذا الادعاء بشراسته المعهودة حتى مع تزايد الشك في الأدلة".

والثلاثاء، أفادت عدة وسائل إعلامية بتقرير مُسرّب من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، يُقدّر أن الولايات المتحدة قد أجّلت البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط، وأن جزءا كبيرا من مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب قد نُقل قبل الهجمات، وأن مكانه الحالي غير معروف. وخلصت التقييمات الاستخبارية الإسرائيلية الأولية إلى أن الضرر الذي لحق ببرنامج الأسلحة النووية الإيراني كان أوسع نطاقا، بما يكفي لتأخير البرنامج عدة سنوات.

زمال معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مركز أبحاث أسسه خبير الأسلحة ديفيد أولبرايت، إلى التقييم الإسرائيلي، حيث كتب أن "هجمات إسرائيل والولايات المتحدة دمرت فعليا برنامج تخصيب أجهزة الطرد المركزي الإيراني. سيستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن تقترب إيران من القدرة التي كانت لديها قبل الهجوم". 

لكن حتى تقرير أولبرايت أقرّ بأن "هناك بقايا مثل مخزونات اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة و20 بالمئة و3-5 بالمئة، بالإضافة إلى أجهزة الطرد المركزي المصنعة ولكن غير المركّبة بعد في نطنز أو فوردو. 

وتُشكّل هذه الأجزاء غير المدمرة تهديدا، إذ يُمكن استخدامها في المستقبل لإنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة، لذا لم يُدمّر البرنامج الإيراني، بل تدهور فحسب - ربما بشكل حاد، بحسب ما ذكر المقال.

وحذّر مسؤول دفاعي أمريكي سابق من أن "رد إيران على الهجمات ربما كان ضعيفا للغاية لأن الملالي قد يُفكّرون في استخدام ما تبقى من موادهم النووية وقدراتهم على الطرد المركزي لمحاولة صنع قنبلة نووية بدائية. في حين أن إنتاج رأس نووي يُثبّت على صاروخ سيكون صعبا ويستغرق وقتا طويلا بالنسبة لإيران، إلا أن تفجير قنبلة بدائية في تجربة تجذب انتباه العالم سيكون أسرع وأسهل بكثير.

هذا ما فعلته كوريا الشمالية في تجربتها النووية الأولى عام 2006. كانت القنبلة النووية التي فجّرتها كوريا الشمالية صغيرة وغير متطورة، لكن التجربة كانت ناجحة بما يكفي لاعتبار كوريا الشمالية دولة حائزة على أسلحة نووية - مما يجعل من غير المرجح أن تُخاطر الولايات المتحدة بشن هجوم وقائي على منشآتها النووية.

وذكر المقال "ولو واصلت إيران الآن برنامجها النووي تحت الأرض - حرفيا ومجازيا - لكانت هناك سابقة أخرى ذات صلة لمثل هذه الخطوة: في عام 1981، قصفت "إسرائيل" مفاعل تموز النووي العراقي. ولكن بدلا من إنهاء برنامجه النووي، سرّع صدام حسين وتيرة برنامجه - ولم يكتشفه العالم ويوقفه حتى حرب الخليج عام 1991. لو لم يغزُ صدام الكويت، لكان العراق قد امتلك سلاحا نوويا بحلول منتصف التسعينيات".

وأضاف "يُعلّمنا التاريخ أنه يكاد يكون من المستحيل القضاء على برنامج نووي بالقوة الجوية وحدها. في حال عدم اللجوء إلى غزو بري - وهو أمر لا يُفكّر فيه أحد في حالة إيران - فإن الخيار الوحيد القابل للتطبيق لضمان نزع السلاح النووي هو اتفاق دولي مُلزم. ومن المُفارقات أن الرئيس باراك أوباما كان قد تفاوض على مثل هذا الاتفاق مع إيران في عام 2015 - خطة العمل الشاملة المشتركة - لكن ترامب انسحب منه بغباء في عام 2018، مما دفع إيران إلى تسريع تخصيب اليورانيوم.

وقال "كان للاتفاق النووي الإيراني عيوبه. ولكن طالما التزمت إيران به - وكانت هناك عمليات تفتيش دولية لضمان ذلك - فقد مُنعت طهران من التحرّك نحو سلاح نووي لمدة 15 عاما على الأقل. حتى أكثر السيناريوهات تفاؤلا بشأن الضرر الذي أحدثته الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية تشير إلى أنها أخرت البرنامج الإيراني لفترة زمنية أقصر بكثير".

وختم "وعد ترامب في عام 2018 بالتفاوض على اتفاق أكثر صرامة مع إيران. لم يفعل ذلك قط، وهو الآن يدّعي أنه لم يعد ضروريا. إنه مخطئ. ففي نهاية المطاف، مهما بلغت دقة القنابل في إصابة أهدافها، لا بديل عن الدبلوماسية في التعامل مع طموحات إيران النووية".