يتزايد الجدال حول التسريبات الأمنية بشأن الضربة الأمريكية للمنشآت النووية
الإيرانية، وحط حالة من الغموض حول إمكانية نقل إيران ما لديها من مخرزون اليورانيوم المخصب قبل الضربة.
وجاء في تقرير صحيفة "
وول ستريت جورنال" أن مزاعم الرئيس دونالد ترامب بشأن شل المشروع النووي الإيراني وتدميره بالكامل، تتناقض مع التسريبات الإستخباراتية المسربة التي اقترحت أن المشروع أُرجع للوراء لأشهر وليس لسنوات أو للأبد.
وأضاف التقرير أن الإستخبارات المركزية الأمريكية، سي آي إيه عادت وقالت إن البرنامج النووي الإيراني تضرر بشكل كبير، والمشكلة هي تقييم حجم الضرر ومعرفة أثر الضربات، وهذه مهمة المفتشين الدوليين.
وكان ترامب قد ضاعف يوم الأربعاء من هجماته على التسريبات الأمنية وزعم أن الجيش الأمريكي شل من قدرات طهران على متابعة طموحاتها النووية، بينما رفض التقارير الإستخباراتية التي قالت إن البرنامج أرجع للوراء لأشهر قليلة.
وعلق التقرير على أن الخلاف حول مدى الضرر يؤشر إلى مشكلة كبيرة ستلاحق المحللين الأمنيين والخبراء ولعدة أشهر مقبلة، حيث سيحاولون تحديد الضرر الكامل الذي تعرضت له المنشآت الإيرانية التي استهدفها القصف الأمريكي.
ورغم وجود أدلة كثيرة حول تعرض البرنامج الإيراني لضرر كبير نتيجة القنابل الخارقة للتحصينات والقتها طائرات الشبح، بي 2 على منشآتي نطنز وفوردو نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن وضع البرنامج النووي لن يتم تحديده إلا عند السماح للمفتشين الدوليين زيارة المواقع التي دمرت.
وقال تشارلس دولفير، الذي أشرف على عمليات التفتيش للأمم المتحدة في العراق وأصبح مديرا لدائرة التقييم في سي آي إيه بعد عام 2003 "تقييم أضرار معركة عن بعد دائما صعب، لهذا السبب يفضل الناس وجود المفتشين على الأرض".
وفي كلمته أمام قمة الناتو في هيج، تمسك ترامب بتصريحه الأول وهو أن البرنامج النووي "محي من أصوله"، وقال إن النتائج الأولية لوكالة الإستخبارات الأمريكية "غير قاطعة".
وسيتم بحث الموضوع في مؤتمر صحافي نادر اليوم الخميس للبنتاغون والذي أعلن عنه ترامب على منصات التواصل الإجتماعي. وقال ترامب "لقد دمرنا النووي".
وأصدر مدير سي آي إيه، جون راتكليف بيانا دعم فيه تصريحات ترامب بدون تقديم مزيد من التفاصيل. وقال راتكليف: "تؤكد سي آي إيه أن هناك مجموعة من المعلومات الإستخبارات الأمنية الموثوقة تشير إلى تدمير كبير جراء الضربات الموجهة الأخيرة".
وأضاف: "يتضمن ذلك معلومات استخباراتية جديدة من مصدر موثوق ودقيق تاريخيا، تفيد بأن العديد من المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية قد دمرت، وأن إعادة بنائها سيحتاج سنوات".
ولم يتطرق البيت الأبيض ولا وكالة المخابرات المركزية لما حدث لمخزون اليورانيوم عالي التخصيب الذي يعرف أن إيران تمتلكه، وما إذا كان من الممكن نقله قبل الهجوم الأمريكي.
والأحد، ألمح نائب الرئيس، جيه دي فانس، في مقابلة تلفزيونية إلى أن إيران لا تزال تمتلك كميات من اليورانيوم المخصب خبأتها. وقال فانس لشبكة إي بي سي نيوز: " سنعمل في الأسابيع المقبلة لضمان استخدام هذا الوقود بكفاءة، وهذا أحد المواضيع التي سنناقشها مع الإيرانيين".
وقبل الهجوم الإسرائيلي والأمريكي، كان يعتقد أن إيران تمتلك ما يكفي من المواد شبه الصالحة للاستخدام في صنع الأسلحة النووية لصنع حوالي 10 أسلحة نووية. لكن فانس جادل أيضًا بأن اليورانيوم لن يكون مفيدا لإيران لأن منشآت التخصيب الرئيسية المعروفة لديها قد دمرت.
ونقل التقرير عن شخص مطلع على تقرير وكالة الإستخبارات الدفاعية، المسرب هذا الأسبوع أن الوثيقة نفسها تنص في فقرتها الأولى على أنها تقييم أولي يستند إلى تقارير متاحة بعد 24 ساعة فقط من الضربة، وأنه لم يتم تنسيقه مع وكالات أخرى داخل مجتمع الاستخبارات.
كما تنص على أن التقييم الكامل للأضرار سيستغرق أياما إلى أسابيع لجمع البيانات اللازمة للتوصل إلى رأي صحيح.
وقال مسؤول في الوكالة إن التقرير لتقييم الأضرار بأنه: "أولي وتقييم لا يحمل ثقة عالية وليس نتيجة نهائية".
ويرى خبراء ومسؤولون سابقون أن من أهم التحديات لتقييم الأضرار الناجمة عن الهجمات، تتعلق ببقاء قدرات إيرانية نووية تساعدها على مواصلة تطوير أسلحة نووية.
وأوضح التقرير "هناك سؤال يتعلق بحجم الضرر لمنشآت التخصيب لليورانيوم والتي استهدفت في المنشأة المحصنة في فوردو. وهناك سؤال حاسم آخر يتعلق فيما إن تم نقف مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قبل الضربة الأمريكية أو استعيد بعدها. ويبقى هناك شك آخر يتعلق بما إذا كانت إيران تمتلك مخزونا سريا من أجهزة الطرد المركزي أو المعدات النووية في مواقع لم تُستهدف".
وأضاف أنه "إذا نجا جزء من برنامج إيران، فقد تكون طهران أكثر تصميما من أي وقت مضى على محاولة إنتاج سلاح نووي، وفقًا لمسؤولين سابقين".
وبحسب روبرت إينهورن، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية الذي عمل على قضايا انتشار الأسلحة خلال إدارة أوباما: "من المرجح أن يكون التأثير المدمر للهجمات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية قد زاد من اهتمام إيران بامتلاك أسلحة نووية وزاد من نفوذ المتشددين الإيرانيين المؤيدين للتسلح النووي".
ومن بين الأسئلة التي لم تجب عليها، كما قال أينهورن، ما إذا كانت
الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية واثقتين من عدم نقل أي من اليورانيوم المخصب الذي أنتجته إيران إلى مواقع سرية.
وقد خلص التقرير الأولي السري لوكالة الاستخبارات الدفاعية إلى أن ضربات الجيش الأمريكي لم تؤخر طموحات طهران النووية إلا لبضعة أشهر، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وصرح وزير الدفاع بيت هيغسيث يوم الأربعاء بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في تسريب الوثيقة إلى وسائل الإعلام. وتعلق الصحيفة أن هذا الخلاف هو أحدث مثال على معارضة ترامب لآراء بعض وكالات استخباراته. ففي الماضي، رفض ترامب قرارات توافقية من مجتمع الاستخبارات، مثل استنتاجاته بأن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016 في محاولة لدعم حملته.
وفي هذه المرة يتعلق الخلاف بتدني ثقته بالتقييم الأولى لوكالة استخبارات لهجوم أمر به. وهو ما يقول المسؤولون الإستخباراتيون والخبراء أن هناك صعوبة للحكم عليه بدون المزيد من المعلومات.
وعادة ما تقوم وكالات الإستخبارات بجمع ما يتوفر لديها من معلومات بثقة متدنية توزع على المجتمع الإستخباراتي، حيث يقوم المحللون بالنظر فيها والتثبت من صحتها. مثلا، تقوم وكالة الإستخبارات الوطنية باعتراض الإتصالات الخاصة للأهداف الأجنبية.
ومن أجل تقوية المعلومات، يقوم المحللون في وكالة الإستخبارات الدفاعية بنخل وتصفية بيانات الرقابة بحثا عن إمكانية مناقشة المسؤولين الإيرانيين حجم الضرر الذي أصاب المنشآت النووية. وعادة ما تتسم عمليات جمع المعلومات ورسم صورة كاملة عن حجم الأضرار التي أحدثها الهجوم الأمريكي بالصعوبة والبطء. وفي الوقت الحالي يطالب المشرعون في الكونغرس بإحاطات من الإستخبارات حول الغارات الأمريكية والإسرائيلية. مع أن البيت الأبيض يدرس طرقا للحد من مشاركة المعلومات الإستخباراتية مع الكونغرس ردا على تسريب، تقرير وكالة الإستخبارات الدفاعية.