تطوي حركة
فتح ستة عقود من عمرها، تزحف نحو عامٍ جديد
بلا أذرع وأرجل، كسيحة حركة التحرر الوطني
الفلسطيني بعد 61 عام على "الرصاصة
الأولى"، فقد بات العمود الفقري للنضال الفلسطيني متسلحا بالشلل والعجز،
ومصدرا رئيسا لعطب الجسد الفلسطيني كله، فكيف يصح إحياء الذكرى؟ وأي من الآثار
المتبقية لحركة التحرر الوطني يَصلُح للبناء عليه أو استعادته ليكون حالة استقطاب
وطني بالمعنى الكفاحي النضالي ضد احتلال استعماري استيطاني؟
تعكس الإجابات الكثيرة، التي قدمها الفلسطينيون في
معالجة مشاكل وأزمات حركة فتح، من خلال عرض الأفكار ومناقشتها وتحليل الظروف التي
مرت بها القضية الفلسطينية في الماضي والحاضر، أن الاكتفاء الفتحاوي المنجز بعد أوسلو
1993، يمثل ثمرة إنجاز كبير لحركة تحرر وطني فلسطيني، ومن جهة أخرى، يعكس عجزا
مفضوحا لتبني خيار مبتذل عن "
السلام" المنشود الذي انصهرت في بوتقته
حركة "فتح" مع السلطة الفلسطينية، وتقديم خلط مقصود بينها وبين السلطة
بتفريغ معان وثوابت وحقائق لم تعد معنية بها "فتح" لا في الشكل ولا
المضمون، ولعل في خير الأمثلة على ذلك قرارات السلطة الفلسطينية الأخيرة عن قطع أو
"إصلاح" رواتب الشهداء والأسرى، التي تشمل كوادر الحركة نفسها. والمثال
واحد من سلسلة إجراءات تلتزم بها السلطة الفلسطينية لشروط إسرائيل والولايات
المتحدة لفرض تغيير داخلي على المجتمع الفلسطيني.
الاكتفاء الفتحاوي المنجز بعد أوسلو 1993، يمثل ثمرة إنجاز كبير لحركة تحرر وطني فلسطيني، ومن جهة أخرى، يعكس عجزا مفضوحا لتبني خيار مبتذل عن "السلام" المنشود
في حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" منظّرون
كثر لأداء السلطة الفلسطينية، مقدسون لزعيمها ولمسيرتها وإنجازاتها، ويقولون
للشارع الفلسطيني: اقبلوا تصفية كل
مقاومة لديكم، لا تحاربوا إنجازات قيادتكم، ولا
تقدموا التضحيات في سبيل الدفاع عن أرضكم ضد المستعمرين، فالقيادة تتولى ذلك نيابة
عنكم. فتسخيف وإنهاء فكرة "تثوير" الشارع الفلسطيني أو الاعتماد عليه
والرجوع إليه، هي من المهام البديلة والأساسية لعمل حركة "فتح" أو
السلطة الفلسطينية في تعطيل وشلل دور المجتمع الفلسطيني وزعزعة ثقته بنفسه، من
خلال ترسيخ سياسة التخاذل الرسمي والفوضوية والعجز لمواجهة العدوان الإسرائيلي
اليومي غير المنقطع رغم كل ما تبديه حركة تحرر من تغيير لذاتها وجوهرها، أمام ثبات
وغطرسة استعمارية تزداد تغول وفاشية ضد كل الوجود الفلسطيني.
معركة التصفية الجسدية والسياسية والأيديولوجية التي
تواجهها القضية الفلسطينية، من خلال السحق اليومي للشعب الفلسطيني وحرب الإبادة
الجماعية عليه، وتوسيع الاستيطان وإعلاء مطالب التهجير الجماعي وضم الأرض، وغيرها
من السياسات الاستعمارية، تتم بموازاة إغراق مقاومة الشعب الفلسطيني بكم هائل من
الأباطيل والأضاليل والإشاعات المتناقضة من أجل شل إرادة الشعب الفلسطيني وبلبلة
أفكاره عنها، لذلك نجد اليوم وبعد فشل متكرر وعلى مدار عقود طويلة من تجربة أوهام
التعويل على تغيير حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" لثوابتها
وقناعاتها، بالانصراف عن العمل السياسي والنضالي الأساسي المطلوب، لذلك تبرز من
وسط هذه التصفية الجسدية والسياسية أصوات فلسطينية وعربية نكراء، تدعو للاستسلام،
وتطالب بالتطبيع مع المؤسسة الصهيونية.
كان تأثير انحسار دور حركة "فتح" وأفول نجمها
بعد ستة عقود واضحا وملموسا على مجمل حركة التحرر الوطني الفلسطيني، بتقليص فاعلية
الحركة وحصرها بدور سلطة مناط بها تنفيذ الشروط الإسرائيلية الأمريكية الغربية،
وبتردي أوضاع الشعب الفلسطيني وتدهور حالته الأمنية والسياسية لمستويات غير مسبوقة
في التاريخ المعاصر، وقد كان من نتيجة مجمل الأوضاع المتردية أن غدا التنسيق
الأمني لحركة تحرر وطني مع محتلها أمرا مقدسا يفوق مقدساتها وثوابتها باعتراف
زعيمها، وتلك من أبرز ظواهر الانحطاط التي منيت بها حركة فتح بنزع التحرر والوطني
الذي يلي تسميتها.
لن نجد غير السراب الذي يتكرر كل بداية عام أن حركة "فتح"، موجودة دون السؤال لأجل من هذه الاستمرارية؟ وماذا بقي من إعلان انطلاقة فتح في 1965، كممثل صادق للشعب الفلسطيني؟ وماذا عن قناعتها بإمكانية تحقيق التسوية (السلام) وحل كل القضايا الخلافية مع مستعمر حقائقه وثوابته يفترض أنها مدوية ومفجرة لقناعات واهمة؟
ظاهرة الإنهاك والعجز التي تصيب حركة تحرر وطني، لم تكن
حالة فريدة عند شعبٍ يسعى للتحرر والخلاص من الاستعمار، لكن دون أن يكون سلاحها، ونهجا
التشاؤم وفرض التكيف مع العدوان الإسرائيلي على المجتمع الفلسطيني، هو الظاهرة
الواضحة والخطيرة التي تمتد إلى صدور الشعب الفلسطيني تلبية لشرط تغيير مناهج
التعليم، واعتبار من ضحّى في سبيل أرضه وحرية وطنه، من أسير أو شهيد، "إرهابيا"
وخارجا عن القانون.
الاحتفاء بذكرى انطلاقة حركة فتح لا يشبه في أيامنا هذه
أيا من أثرها قبل 61 عاما، لا في الرصاص، ولا في الصلابة والثورية والتماسك، ولا
في الانتماء للشعب ولأحلام الشارع، فلا العهد لأسرى وشهداء فلسطين باقٍ، ولا عاصفة
تلوح في الأفق، ولا هي تقود شعبا يقول بملء فيه وملء قلبه أنه مصمم على مقاومة
المستعمر رغم شعوره العظيم بالقهر. فحين تفشل حركة تحرر في إخفاء شعورها بالعار من
"الرصاصة الأولى" ومن فشلها بالإمساك بناصية السياسة وواقعيتها، وتتدهور
علاقتها مع كل منطق وقاموس النضال السلمي والشعبي، أمام الفاشية والعنصرية، وتحمل
في وجههما ما يثبت التزاما منها بتنفيذ ما يُطلب منها، فلن نجد غير السراب الذي
يتكرر كل بداية عام أن حركة "فتح"، موجودة دون السؤال لأجل من هذه
الاستمرارية؟ وماذا بقي من إعلان انطلاقة فتح في 1965، كممثل صادق للشعب الفلسطيني؟
وماذا عن قناعتها بإمكانية تحقيق التسوية (السلام) وحل كل القضايا الخلافية مع
مستعمر حقائقه وثوابته يفترض أنها مدوية ومفجرة لقناعات واهمة؟
أخيرا، يذكّر يوم تفجير الثورة بحاضر تسخيفها وشيطنتها
والبراءة منها، وما تركته من يديها من وفاء لشعب سُلبت أرضه وتتضاءل "دولته"
الموعودة على رمزية هامشية، وهي رمزية تذكر بحال حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح
التي تشبه كل شيء إلا العاصفة والرصاصة الأولى والسياسة. تأملها في ختام عقدها
السادس محزن ومخيف ومثير للشفقة، فلا هي ممسكة برشدها ولا متعقلة أمام هذه الجنون
الصهيوني، فقد غابت العاصفة عن حواري وشوارع مدن وقرى فلسطين كما عرفوها هناك، أما
وقد شغلت فتح المخافر ومراكز المخابرات والحواجز والوزارات وغيرها فتلك هي
الانطلاقة الباقية.
x.com/nizar_sahli