بورتريه

محمد بكري يرحل فلسطينيا ولم يساوم (بورتريه)

توفي بكري عن عمر ناهز 72 عاما بعد معاناة مع أمراض القلب- عربي21
توفي بكري عن عمر ناهز 72 عاما بعد معاناة مع أمراض القلب- عربي21
شارك الخبر
وصل إلى العالمية بعد مشوار فني حافل ومثير كان فيه، ممثلا، ومخرجا، ومؤلفا، ومنتجا، في أكثر من 43 عملا فنيا في فلسطين المحتلة، وهولندا، وبلجيكيا، وفرنسا، وكندا.

كان يؤمن أن الفن والتمثيل والمسرح والسينما قادرة على تحرير الإنسان، ورغم ذلك واجه بعض الرفض من المجتمع الفلسطيني بسبب عمله في أعمال فنية إسرائيلية.

يعد واحدا من أبرز الوجوه الفنية الفلسطينية، تحدى "مطاردة الساحرات" في المحاكم الإسرائيلية بعد أن نقل خلال مسيرته الطويلة معاناة شعبه إلى مختلف أنحاء العالم.

ولد محمد بكري في عام 1953 في قرية البعنة في الجليل ضمن أراضي فلسطين عام 1948، وتلقى تعليمه الثانوي في مدينة عكا، وبرغبة كبيرة ونظرا لعشقه التمثيل درس الأدب العربي والتمثيل والمسرح في جامعة تل أبيب في عام 1973.

واجه صعوبة بتمويل أعماله وأفلامه، ومولت زوجته ليلى أفلامه من خلال قروض بنكية. وأنجب 6 أولاد من بينهم الممثل صالح بكري والممثل زياد بكري.

بدأ مشواره الفني بالمشاركة في العديد من الأعمال المسرحية المحلية، في مسارح " هابيما" في "تل أبيب"، و"حيفا"، و"القصبة"  في رام الله، و"الخان"، و"الميدان"، ثم لاحقا  إلى مسارح باريس وهولندا حاملا فلسطين معه.

اظهار أخبار متعلقة


بداياته المسرحية كانت عبر مسرحية "المتشائل" عام 1986 للكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، حيث ركز عمله المنفرد الأكثر شهرة على تعقيدات ومشاعر الشخص الذي يحمل الهويتين الإسرائيلية والفلسطينية معا.

ثم عرض مسرحية آرثر ميلر "مشهد من الجسر"، وعلى المستوى التلفزيوني، ظهر بكري في عدة مسلسلات دولية من بينها "هوملاند" و"ليلة الحدث"، مؤكدا على تنوع تجاربه الفنية بين السينما والمسرح والتلفزيون.

كانت ولادته الفنية في المسرح قبل أن يتجه إلى السينما، حيث شارك في عدد كبير من الأعمال العربية والإسرائيلية والدولية، فيما كانت أول بطولة سينمائية له في فيلم "هانا ك" في عام 1983 للمخرج الشهير كوستا غافراس. قبل أن يلفت الأنظار مجددا في الفيلم الرومانسي "رامي وجوليا " في عام 1988 للمخرج الدنماركي إريك كلسون، والذي قدم كمعالجة فلسطينية حديثة لـ"روميو وجولييت".

ارتبط اسمه بالسينما الفلسطينية الحديثة، وشارك في أعمال أصبحت علامات فارقة، من بينها "حكاية الجواهر الثلاثة" عام 1994 للمخرج ميشيل خليفي، وأفلام "حيفا" و"عيد ميلاد ليلى" للمخرج رشيد مشهراوي، و"ياسمين تغني" للمخرجة نجوى نجار، و"واجب" للمخرجة آن ماري جاسر. ثم أفلام "الغصن الأبرص"، و"برايفيت" و"تحت أقدام النساء"، وظهر في عدد من الأفلام الإسرائيلية الشهيرة في الثمانينيات والتسعينيات، ورشح فيلمه "وراء القضبان" لجائزة الأوسكار.

مسرحياته وأفلامه كانت تثير حنق وغضب المؤسسة الرسمية والشعبية الإسرائيلية كما حدث في فيلم "جنين، جنين" الذي قدمه في عام 2002 إذ وثق آثار الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين، وجسد من خلاله معاناة الشعب الفلسطيني وروح المقاومة الفلسطينية، وحاز الفيلم جوائز دولية رغم التحديات القانونية التي واجهها.

وأدخل بكري، مرغما، في دوامة طويلة من الملاحقات القضائية والاستدعاءات إلى المحاكم، وفرض عليه غرامات كبيرة، فضلا عن التضييق والمنع، وذلك بعد أن قام خمسة جنود إسرائيليين برفع دعوى عليه بتهمة التشهير بعد إخراجه فيلم "جنين، جنين" لكن المحكمة ردت الدعوى، واستأنف الجنود الحكم، وفي عام 2021 حظرت المحكمة الإسرائيلية المركزية في اللد عرض الفيلم وقررت حذف روابطه في الإنترنت ومصادرة جميع نسخه.

ومع ذلك، لم يتراجع عن قناعته التي ركزت على الخطر الحقيقي الذي تتعرض له فلسطين وهو طمس السردية الفلسطينية.

وسبق أن قال في معرض تعقيبه على قرار المحكمة بمنع عرض فيلمه، إنه "غير نادم على شيء، ولو عاد الزمان إلى الوراء لكنت سأعيد تصوير الفيلم لفضح الجرائم غير الإنسانية التي ارتكبها جيش الاحتلال في اجتياحه لمخيم جنين البطل".

اظهار أخبار متعلقة


ونفذ وعده، حيث عاد بكري إلى المخيم نفسه بفيلمه "جنين 2023"، موثقا مجزرة إسرائيلية جديدة. وإلى جانب هذين العملين، أنجز بكري فيلم "1948" الذي تناول النكبة من خلال الشهادات الحية، وظهر فيه والده شاهدا على تلك المرحلة، وفيلم "من يوم ما رحت" الذي استحضر فيه الروائي الراحل إميل حبيبي بوصفه أبا رمزيا ومرآة لتجربة فلسطينيي الداخل.

وكان آخر أفلام بكري مع المخرجة شيرين دعيبس فيلم "اللي باقي منك" وهو دراما عن عائلة فلسطينية على مدى أكثر من 76 عاما، إلى جانب ابنيه آدم وصالح بكري، وقد أدرج الفيلم في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي طويل.

 تميز بكري بأدواره التي جسدت الهوية الفلسطينية وقضاياها الإنسانية والسياسية، وقدم أعمالا حظيت باعتراف دولي. حصل فيها على عدة جوائز كبرى.

توفي الأربعاء الماضي عن عمر ناهز 72 عاما، في مستشفى نهاريا، بعد معاناة مع أمراض القلب، وفق ما أفادت أسرته، وذلك بعد أن تدهور وضعه الصحي خلال الأيام الأخيرة، ووري الثرى في المقبرة القديمة ببلدة البعنة في منطقة الشاغور في الجليل الأعلى.

رحل بعد أن لاحقته السلطات الإسرائيلية لسنوات أُجبر خلالها على خوض محاكمات عديدة تتعلق بعمله الفني، وأكد بكري مرارا وتكرارا، مواصلة مسيرته الفنية، وأنه عازم على نقل الاضطهاد الذي يواجهه الشعب الفلسطيني، ونقل معاناته إلى كل العالم، غير آبه بمحاولات الاحتلال طمس الرواية الفلسطينية.

وبعد موته بقي بكري مثار جدل  بعد أن أثار مذيع في إذاعة الجيش الإسرائيلي غضبا سياسيا بعد نعيه بكري، واصفا إياه بالمحبوب والمدهش، وهو ما دفع أعضاء الكنيست لاعتبار ذلك مبررا آخر لإغلاق الإذاعة، التي قد يتوقف بثها في مطلع  آذار/مارس المقبل بقرار من حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو لعدم رضاها عن توجهاتها.
رحل الفنان الفلسطيني وهو يردد دون توقف جملته الشهيرة :"أنا فلسطيني، وهذا لا يناقش".
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل