طرحت حرب الإبادة الإسرائيلية، التي امتدت لأكثر من سنتين وتستمر تأثيراتها حتى الوقت الحالي، العديد من المصطلحات والتسميات المختلفة لتصف العديد من المراحل المختلفة منها، وذلك بدءًا من "اليوم التالي" وصولًا إلى "
المرحلة الثانية" من اتفاق
وقف إطلاق النار الذي تخترقه "إسرائيل" بشكل متواصل.
وبعد أكثر من شهرين من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، لم ينعكس الهدوء النسبي ليصبح تقدمًا سياسيًا واضحًا نحو إنهاء الحرب، ولم يتم حسم الخطوات الأكثر تعقيدًا المفترضة للبدء في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب المؤلفة من 20 بندًا.
ويجري تداول مصطلح "المرحلة التالية" بشكل واسع سواء في الأوساط الإخبارية والسياسية، أو حتى في الأوساط الاجتماعية داخل قطاع
غزة، وذلك أملًا بثبات وقف إطلاق النار والبدء بهذه المرحلة بشكل رسمي، أو حتى بشكل ساخر تعبيرًا عن استبعاد بدئها وتكرّر الحديث عنها.
"الحل النهائي"
يؤكد محمود (37 عامًا) أن فكرة مصطلح المرحلة الثانية برأيه تشبه مصطلح "قضايا الحل النهائي" الذي ظهر بعد اتفاق أوسلو واستمر حتى اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، قائلًا: "التشابه هنا باستبعاد التطبيق أو الوصول إلى هذه المرحلة الموجودة فقط على الورق ولحظة توقيع الاتفاق".
ويضيف محمود لـ"عربي21" أن "إسرائيل" أخذت من الاتفاق ما يهمها حاليًا وهو الأسرى، وتطبيق أي بنود أخرى متعلقة بإغاثة أهالي قطاع غزة أو المساعدات والإعمار "لا يهم أحدًا.. ما كانوا يريدونه وشكّل ضغطًا عليهم أخذوه، وأخذوا صورة السلام والاتفاق، لكن الصورة الحالية في غزة لا تهم أحدًا".
ويوضح "أن المرحلة الثانية لا تهم حتى سكان غزة، لكن كل ما يهمهم هو عودة جزء بسيط من حياتهم الآدمية داخل بيوت تحميهم من البرد في الشتاء والشمس في الصيف، ووسائل معيشة ودورات مياه"، قائلًا: "سكان غزة يريدون العيش كآدميين مرة أخرى ولا يهم ماذا نسمي ذلك مرحلة أولى أو ثانية أو أي شيء آخر".
اظهار أخبار متعلقة
بدوره، يؤكد أبو العبد (68 عامًا) أن "المصطلحات السياسية يتم تكرار ترديدها الفارغ حتى تصبح هي المهمة وليس ما الذي ستحمله معها، هذا الأمر تكرر كثيرًا طوال شهور الحرب، تحدثوا عن النازحين والعودة إلى غزة لكن عودة بدون انسحاب حقيقي وإعمار هي مجرد مصطلح فارغ".
ويضيف أبو العبد لـ"عربي21" أنه طوال شهور الحرب "جرى الحديث عن الميناء الأمريكي ودوره وكيف سيعمل على توزيع المساعدات، وكله كان كلامًا فاضيًا في مصطلح فارغ انشغل به الناس والإعلام لفترة معينة ثم انتهى مع انتهاء الغرض منه".
ويوضح "نفس الشيء من فترة المرحلة الثانية، نحن ننتظر إنهاءً حقيقيًا للحرب وبدء الإعمار ودخولًا غير مشروط للمساعدات والبضائع، لكن الذي سنحصل عليه جزء بسيط من ذلك وبعدها سنقول: هل هذه فعلًا هي المرحلة الثانية؟ هم اتفقوا فعلًا على هيك؟".
ويشير إلى أنه بعد فترات طويلة من التأجيل والمماطلة يصبح الهدف هو تحقيق المرحلة والمصطلح من أجل وضعه جانبًا، وليس تنفيذ مضمونه بشكل حقيقي، قائلًا: "هذا الذي تفعله أمريكا وإسرائيل طول عمرها".
وفي 4 كانون الأول/ ديسمبر الجاري قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحركة حماس ستبدأ قريبًا جدًا، دون تحديد موعد.
ورغم الضغوط الدولية لبدء هذه المرحلة، إلا أن تل أبيب تشترط تسليم جثة آخر أسراها في قطاع غزة، حيث تواصل الفصائل الفلسطينية عمليات البحث عنه في ظل الدمار الهائل الذي خلفته الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين.
وتنصلت "إسرائيل" من التزاماتها التي نصت عليها المرحلة الأولى، ومنها فتح المعابر، والسماح بإدخال الكميات المتفق عليها من المواد الغذائية والأدوية ومواد الإيواء والبناء، ودخول الآليات الثقيلة، فضلًا عن ارتكابها انتهاكات ميدانية في القطاع.
وتتناول المرحلة الثانية عدة قضايا جوهرية، هي: "تشكيل لجنة تكنوقراط مؤقتة لإدارة القطاع، وملف الإعمار، وتشكيل مجلس السلام، وإنشاء قوة دولية، وانسحاب إضافي للجيش الإسرائيلي من القطاع، إضافة إلى نزع سلاح حماس".
"موت بطيء"
من ناحيتها، تقول عبير (57 عامًا) إنها لا تريد من المرحلة الثانية إلا تسهيل سفر زوجها لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، بعدما جرى تشخيصه بنوع من السرطان خلال شهور الإبادة الأولى، مؤكدة: "طرقنا كل الأبواب وكل الوسائل من أجل سفر زوجي وإنقاذ حياته لكن لا رد حتى الآن".
وتوضح عبير لـ"عربي21" أنها غير مهتمة كثيرًا ما تقوله الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام عن الاتفاق في غزة، قائلة: "ما يهم هو أن نعود لحياتنا أو ما تبقى منها، أن يتمكن أولادي وأحفادي من إيجاد حياة متبقية".
اظهار أخبار متعلقة
وتذكر: "خلال السنوات الماضية كنت أرى المرضى كيف يعانون من أجل تحصيل تحويلة طبية للعلاج في الضفة الغربية عندما لا يتوفر العلاج داخل غزة، وكنت أظن أن هذا هو منتهى المعاناة، لكن ما يحصل حاليًا يتجاوز ذلك، لأنني أعرف أنه إذا كانت فرصة الحصول على العلاج سابقًا 50 بالمئة، فهي الآن 0.5 بالمئة".
وتضيف: "هناك مئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمرضى، منهم الأطفال والشباب من أصحاب حالات طارئة وحرجة، وهناك أشخاص مثل زوجي يظهرون أنهم أفضل صحيًا من غيرهم، لكنهم يموتون بطريقة بطيئة، وكل يوم تعرف أنهم يضعفون أكثر، وهم ينتظرون الفرج والمرحلة الثانية التي يقال إنه سيسمح فيها بسفر المرضى".
وأكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن 1092 مريضًا كانوا ينتظرون الإجلاء الطبي من قطاع غزة فقدوا أرواحهم خلال الفترة ما بين تموز/ يوليو 2024 و28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.
وقال غيبريسوس في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا) الجمعة إن "منظمة الصحة العالمية وشركاءها قاموا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بإجلاء أكثر من 10 آلاف و600 مريض يعانون من مشاكل صحية خطيرة من غزة، بينهم أكثر من 5 آلاف و600 طفل".
وأضاف غيبريسوس: "ما يزال عدد أكبر بكثير من المرضى في غزة بانتظار الإجلاء لتلقي الرعاية الصحية المناسبة. ووفقًا لوزارة الصحة، فقد توفي ألف و92 مريضًا أثناء انتظارهم الإجلاء الطبي خلال الفترة بين تموز/ يوليو 2024 و28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، ومع ذلك، يُعتقد أن هذا الرقم أقل من العدد الحقيقي على الأرجح".