نشر موقع "
دويتشه فيله" مقالًا يسلط الضوء
على تصاعد التوتر بين
السعودية والإمارات في عدة ملفات إقليمية، واستعرض آراء عدد
من الخبراء حول مستقبل العلاقة بين البلدين في ظل الرؤى المتباينة على أكثر من
صعيد.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته
"
عربي21"، إن مصادر نقلت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلب من
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن الضغط على أبوظبي
بشأن دعمها لقوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان.
وأوضح الموقع أن السعودية دعمت القوات المسلحة
السودانية عندما اندلعت الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، قبل أن تتحول
لاحقًا إلى دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
وبدلاً من تصعيد الموقف، امتنع رئيس
الإمارات الشيخ
محمد بن زايد آل نهيان عن التعليق علنًا على طلب السعوديين المساعدة من ترامب،
مؤكّدًا أن الإمارات غير متورطة في الحرب الدائرة في السودان.
وقال كريستيان ألكساندر، الباحث بمركز ربدان للأمن
والدفاع في أبوظبي، لـ"دويتشه فيله": "ما يحدث هو تطور طبيعي
لشراكة وثيقة جدًا بين قوتين إقليميتين تزدادان ثقة بنفسيهما".
وأضاف ألكساندر أن كلا البلدين يسعيان لتحقيق برامج طموحة للتحول محليا ويمارسان مزيدًا من الاستقلالية الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن "هذا يؤدي أحيانًا إلى ظهور اختلافات واضحة في السياسات".
اظهار أخبار متعلقة
وقال الموقع إنه عندما أصبح محمد بن سلمان وزيرا
للدفاع عام 2015 وهو في التاسعة والعشرين من عمره، كانت الإمارات فعليا تحت قيادة
محمد بن زايد آل نهيان البالغ من العمر 54 عامًا.
وقالت سينزيا بيانكو، الباحثة المتخصصة في الشؤون
الخليجية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ"دويتشه فيله":
"رأى محمد بن زايد آل نهيان في محمد بن سلمان فرصة لصياغة تحالف استراتيجي
جديد بين السعودية والإمارات".
وأوضحت بيانكو أن محمد بن زايد آل نهيان لم يكن
يشترك في العديد من وجهات النظر مع الملك السعودي الراحل عبد الله، الذي توفي عام
2015، وأضافت: "دعم محمد بن زايد آل نهيان محمد بن سلمان في طريقه ليصبح ولي
العهد والقائد الفعلي للسعودية في 2018، وعندما تُبنى علاقة قوية وقريبة كهذه، فمن
الطبيعي أن تبدو حتى أصغر الاختلافات كبيرة".
ولاحظت بيانكو عدة حالات بلغت فيها التباينات ذروتها
منذ 2018، لكنها أوضحت: "كلما اقترب الوضع من الانفجار، عمل الطرفان جاهدين
على احتوائه وعدم الوصول إلى
أزمة كاملة".
مواقف متباينة
على سبيل المثال، عندما تعرض ولي العهد السعودي محمد
بن سلمان لعزلة دولية في 2018 بعد مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي في القنصلية
السعودية بإسطنبول، توقع الأمير الدعم الكامل من الإمارات، كما تقول بيانكو.
وأضافت: "لكن الإماراتيين ترددوا في دعم محمد
بن سلمان في ذلك الموقف خوفًا من أن يلحق بهم الضرر".
وأشار الموقع إلى أن مثالًا آخر على المواقف
المتعارضة بين البلدين تجلّى في الملف اليمني. فبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام
2014، قادت السعودية تحالفًا عسكريًا عام 2015 شاركت فيه الإمارات، بهدف إعادة
الحكومة المعترف بها دوليًا.
اظهار أخبار متعلقة
مع ذلك، لم تتبع الإمارات النهج السعودي بشكل كامل،
بل سعت لتحقيق أجندتها الخاصة، والتي تضمنت دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي،
بينما تفضل السعودية وحدة اليمن، وأظهرت مؤخرًا انفتاحًا نسبيًا تجاه التعامل مع
الحوثيين.
وأضاف الموقع أن خلافًا آخر ظهر عام 2021، عندما
عارضت الإمارات، الساعية لزيادة إنتاجها النفطي، دعوة السعودية لخفض الإمدادات ضمن
منظمة "أوبك"، إلا أن هذا الخلاف كان محدودًا وتمت إدارته عبر الحوار في
إطار التنسيق المستمر لإدارة السوق.
ويقول كريستيان ألكسندر: "كان الخلاف وجيزًا،
وتمت إدارته بالحوار، وتم حله في نهاية المطاف في إطار الإدارة المشتركة المستمرة
للسوق".
ومنذ ذلك الحين، تعاون البلدان مرارًا وتكرارًا على
خفض كبير في الإنتاج لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية، مما يؤكد أن
التعاون لا يزال يفوق التنافس في سياسات الطاقة، كما يوضح ألكسندر.
استراتيجيات وطنية
يضيف الموقع أن الرياض وأبوظبي اعتمدا أجندات
استراتيجية لتهيئة بلديهما للمستقبل وتنويع مصادر دخلهما بعيدًا عن النفط من خلال
الاستثمار في التكنولوجيا والتحول إلى مراكز للذكاء الاصطناعي.
أعلنت المملكة العربية السعودية عن أجندتها للإصلاح
الاقتصادي والاجتماعي "رؤية 2030" في نيسان/ أبريل 2016، بينما طرحت
الإمارات "رؤية الإمارات 2031" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
اظهار أخبار متعلقة
وقال مايكل ستيفنز، كبير مستشاري أمن الشرق الأوسط
في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، لـ "دويتشه فيله": "رغم
حدة المنافسة الاقتصادية، إلا أن أيًا من هذه التوترات لن يدفع البلدين إلى
المواجهة، فكلاهما يدرك أن المنطقة غير مستقرة وأن ذلك لا يجب أن يحدث، وهما بحاجة
إلى رؤية الأمور من وجهة نظر واحدة".
العلاقة مع إسرائيل
تتفق بيانكو مع هذا الرأي، وتقول: "من وجهة نظر
جيوسياسية، من غير المنطقي على الإطلاق أن يحوّلا خلافاتهما إلى أزمة، لأنهما في
الواقع بحاجة إلى التوحد ومواجهة أطراف أخرى، مثل إيران، وبشكل متزايد إسرائيل".
وفي حين وقّعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية
تطبيع مع إسرائيل بوساطة أمريكية عام 2020، أوقفت المملكة العربية السعودية هذه
المفاوضات بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تلاه من
حرب استمرت عامين في غزة.
وقال ستيفنز: "لا ترغب الإمارات العربية
المتحدة في الانسحاب من اتفاقية التطبيع، بل تُفضّل أن تعود الأمور إلى طبيعتها".
وأوضح ستيفنز أنه رغم الضغوط الأمريكية لدفع الرياض
إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن المملكة العربية السعودية لا تسعى للعودة إلى
طاولة المفاوضات ما لم يكن هناك مسار لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويبقى أن نرى -وفقا للموقع- ما إذا كانت قضية
العلاقات مع إسرائيل ستؤثر بدورها على العلاقات بين السعودية والإمارات.