ملفات وتقارير

هل يثير السيسي مخاوف أوروبا بهدف تمويل مشروع "منخفض القطارة"؟

يضم منخفض القطارة ثاني أدنى نقطة في أفريقيا بعمق 133 مترًا تحت مستوى سطح البحر - الأناضول
يضم منخفض القطارة ثاني أدنى نقطة في أفريقيا بعمق 133 مترًا تحت مستوى سطح البحر - الأناضول
شارك الخبر
عاد الحديث مجددًا عن مشروع ربط البحر المتوسط بـ"منخفض القطارة" بصحراء مصر الغربية الذي يثير جدلا علميًا واقتصاديًا وسياسيًا، بعد إعلان رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قبل أسبوع  أن "العام القادم سيشهد ضم 4.5 مليون فدان لمساحة مصر المزروعة والبالغة 9 ملايين فدان".

وإثر حديث السيسي، عن زراعة هذه المساحة الكبيرة، دعا كتاب موالون إلى استعادة الزخم حول مشروع "القطارة" بمحافظة مطروح (شمال غرب)، واستغلال محطة "الضبعة النووية"-تبنيها روسيا غرب مدينة العلمين- في تحلية مياه البحر المتدفقة عبر منحدر نحو المنخفض الشديد، لزراعة تلك المساحة من الأراضي.

فرصة لمصر وإنقاذ لأوروبا
والأحد الماضي، دعا الكاتب محمد سلامة عبر موقع "الوطن"، إلى استغلال فرصة مخاوف دول حوض البحر المتوسط من غرق شواطئها، وخاصة (إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، وتركيا)، للحصول على دعم وتمويل للمشروع الذي يخفض منسوب المياه بالبحر المتوسط، بينما تشير التوقعات لغرق 20 بالمئة من شواطئ إيطاليا عام 2050.

اظهار أخبار متعلقة


ولفت سلامة إلى أن "هناك خبراء يرون بالمشروع الحل السحري لتوفير مياه الري التي تغطى طموحات الرئيس"، وزراعة 4.5 مليون فدان، والاكتفاء الذاتي، مشيرًا إلى أن "المشروع من الممكن ألا يكلف مصر جنيها واحدًا مع الترويج له عالميًا، خاصة لدى دول البحر المتوسط التي في طريقها لغرق مدنها الساحلية"، داعيا لإنشاء شركة مصرية لإقامة، الخدمات، والمرافق، وميناء بحرى، ومطار دولي، واستصلاح الأراضي، وزراعتها، تدشين مدن، وقرى جديدة.

فائدة عالمية
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تحدث موقع "Big think"، الأمريكي، عن الفائدة العالمية لمشروع القطارة، مؤكدًا أن "المنخفض سيحتوي على كمية كبيرة من المياه (1200 كم مكعب)، وملئه يخفض مستوى المحيطات العالمية بمقدار 3 ملليمترات، وتبخره المستمر يبطئ ارتفاع مستوى المحيطات بنسبة 6 بالمئة"، ونشر خريطة لمشروع منخفض القطارة، توضح الطرق المقترحة والمدن والارتفاعات وحقول النفط وحقول الألغام والمتنزهات الوطنية والآبار الحرارية.

Image1_12202557170421156138.jpg

وتساءل الموقع الأمريكي: لماذا لم تقم الحكومة المصرية بإغراق منخفض القطارة؟، موضحًا أن الجبال الواقعة بين البحر المتوسط والمنخفض تحتاج إلى حفر في تحد هندسي هائل لدرجة أن الباحثين بعد الحرب العالمية الثانية اقترحوا استخدام القنابل النووية، ملمحًا إلى أن دراسة أجريت عام 2012، قدرت التكلفة بملياري دولار، ولفت إلى أن شركة "بورينغ" التابعة لـ"إيلون ماسك "تستهدف خفض تكلفة نفق النقل الدائري أقل من 8 ملايين دولار للميل"، موضحًا أن "مسافة نفق القطارة 80 ميلا، ما يعني إمكانية حفره مقابل 400 مليون دولار فقط".

وفي السياق، أكد الخبير المصري في المياه والسدود الدكتور محمد حافظ، الثلاثاء، نقلا عن مصادر خاصة به أن "الجيش المصري قام بإخلاء مسافة على البحر المتوسط بطول نحو 10 كيلومترا لبدء مشروع القطارة"، المنخفض الذي تقع غربه واحات "سيوة" المصرية، وجغبوب الليبية على بُعد 20 كم.



بداية الفكرة وطرق تنفيذها
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه الحكومة المصرية عن قرار رسمي، بتنفيذ المشروع، الذي يهدف لتوليد "الطاقة الكهرومائية" يظل تطوير أكبر المنخفضات الصحراوية بالعالم وتحويل المنخفض لبحيرة صناعية محط خلاف خبراء بين مروج لفوائده ورافض له بسبب تكلفته ومخاطره البيئية.

وتعود الفكرة إلى عام 1916، عندما اقترحها الجغرافي الألماني ألبرخت بينك، فيما جرت دراسات للمشروع خلال عشرينات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بينها للمهندس الألماني هانز غونتر هورنيغ، دون الوصول لنتائج مقنعة لحكومات القاهرة.

ويضم منخفض القطارة ثاني أدنى نقطة في أفريقيا، بعمق 133 مترا تحت مستوى سطح البحر، بعد أدنى نقطة قارية "بحيرة عسل" في جيبوتي، فيما يغطي المنخفض مساحة تبلغ حوالي 19.605 كم، ما يُضاهي بحيرة أونتاريو بكندا، وضعف مساحة لبنان.

الفكرة الأساسية تقوم على الاستفادة من تدرج الارتفاع بين سطح البحر المتوسط ومنخفض القطارة، وحفر بينهما، قناة أو نفق (غرب مدينتي العلمين ورأس الحكمة) لمسافة 55 إلى 80 كيلومترا، وتقوم الفكرة على تدفق الماء بقوة من البحر عبر توربينات كهرومائية (شلالات اصطناعية) مثبتة عند حافة المنخفض تولد الكهرباء، كما يؤدي التدفق المستمر لإنشاء بحيرة مالحة ضخمة بالمنخفض، ليتوقف التدفق عندما يتعادل معدل التبخر الهائل من البحيرة مع معدل تدفق مياه البحر إليها.

خطوات مصر
قامت مصر بإجراء دراسات جدوى مع خبراء وشركات هندسية ألمانية، فيما أسس الرئيس أنور السادات، "هيئة مشروع منخفض القطارة" عام 1975، قبل تجميد الفكرة لما أظهرته الدراسات من عقبات اقتصادية وفنية، في وقت ظهرت فيه بدائل للطاقة أكثر جدوى اقتصاديا (كالغاز وطاقة الشمس والرياح).

وفي 17 آذار/ مارس 2025، لفتت مجلة "la brujula verde"، الفرنسية، إلى محاولات أمريكية في ستينيات القرن الماضي لإقناع الرئيس جمال عبدالناصر بالمشروع بحفر قناة 100 كم، على تتبنى المشروع مقابل ابتعاد القاهرة عن الاتحاد السوفيتي.

ولأغراض التنقيب، اقترحت أمريكا استخدام 213 قنبلة نووية، وزن كل منها 1.5 ميغا طن، كجزء من برنامجها "الذرة من أجل السلام"، والقضاء على آلاف الألغام الأرضية بمدينة العلمين –يمر الأنبوب غربها- منذ الحرب العالمية الثانية، لكن تحسبت مصر لوجود آلاف السكان، وحدوث زلزال.

وفي نيسان/ أبريل 2023، أعلنت شركة "إليت كابيتال" الإنجليزية عن اتفاق مع شركة "إيجيت كونسلتينج" –منفذة الدراسة-، لإجراء دراسة جدوى جديدة بمشاركة شركتي "DynaFin" البلجيكية و"CBF" الأمريكية، حول منخفض القطارة ترتكز على تجنب عقبات عقود، واستخدام أحدث المفاهيم والتكنولوجيا، ووضع خطة شاملة لتنفيذ المشروع.

الرئيس التنفيذي لـ"إليت كابيتال" جورج ماثارو، قال إن الدراسة تقوم على أكبر مشروع أخضر بالعالم، بالاعتماد على (طاقة الهيدروجين، والزراعة، والصناعة، والتعدين الحديث)، موضحًا أنها على نفقة شركتهم بالكامل دون شروط والتزامات على مصر، لكنه ومع مرور  عامين و 8 أشهر على ذلك الإعلان لم تخرج الدراسة للنور، رغم وعود الشركة الإنجليزية بإنجازها خلال شهور.

الفوائد والعوائق
ونظريًا تتمثل فوائد المشروع في توليد طاقة كهرومائية نظيفة ومستمرة، بقدرة متوقعة بين 600 إلى 1000 ميغاوات، مع تنمية المناطق المحيطة بالبحيرة العملاقة، بإنشاء مزارع سمكية، مع توقعات بأن تؤدي كتلة المياه الضخمة لهطول الأمطار وزراعة مساحات بالصحراء الغربية، واستخلاص الأملاح والمعادن من البحيرة، إلى جانب تحقيق تنمية سياحية، وصناعية.

وعمليًا تشير نقاط اعتراض البعض، إلى معوقات فنية وتكلفة هائلة لحفر كميات هائلة من الصخور والرمال بمنطقة العلمين حيث الألغام الأرضية منذ الحرب العالمية الثانية، مع مخاوف تسرب المياه المالحة ورفع منسوب المياه الجوفية، ما يهدد واحات الصحراء الغربية، ويؤثر على البيئة.

اظهار أخبار متعلقة


وبلغ التقدير الأقدم لتكلفة المشروع عبر  الدراسة الألمانية عام 1978حوالي 2 مليار دولار، لكن التكلفة المحتملة حاليا؛ تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات نظرا للجهد الهندسي الهائل لإزاحة أكثر من 600 مليون متر مكعب رمال وصخور.

وتُظهر دراسات الجدوى أن التكلفة الرأسمالية الأولية الضخمة للمشروع تفوق العوائد المتوقعة من توليد الطاقة، خاصة مع انخفاض تكلفة توليد الكهرباء من مصادر بديلة حاليا (مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) بالصحراء الغربية؛ وهو السبب المباشر لاستبعاد المشروع من أولويات التنفيذ حتى الآن، وفق خبراء.

دراسات تدعم المشروع
الكثير من التقارير الصحفية والدراسات العلمية تناولت الفكرة وبينها أفكار لمشروعات مماثلة في بلدان مجاورة لمصر، منها إمداد البحر الميت بمياه البحر الأحمر عبر أنابيب بتكلفة 10 مليارات دولار، بتعاون إسرائيلي أردني، في مشروع أوقفته عمان عام 2021، لتفكر تل أبيب بنقل مياه البحر المتوسط للبحر الميت، مرورا بأراضي الضفة الغربية، وفق تقرير لموقع "big think"، تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من بين التقارير العالمية، لفت موقع "جلف انسايدر"، لإمكانية تحول منخفض القطارة إلى بيئة صالحة للعيش في بلد أقل من 4 بالمئة من أراضيه صالحة للسكن، ويعيش عليها أكثر من 108 ملايين نسمة بالداخل.

وفي تقرير له عام 2023، وصف المشروع بالإعجاز الهندسي، وبـ"قناة السويس المصغرة"، مقدرًا التكلفة بـ1.6 مليار دولار، متوقعًا أن يؤدي تبخر مياه البحيرة لزيادة الرطوبة وهطول الأمطار وزراعة الأراضي القاحلة، وتوليد الطاقة الكهرومائية، وإنشاء مستوطنات جديدة حول البحيرة.

وأكدت دراسة قُدمت بالمؤتمر الدولي التاسع لـ "RETBE'12"، بجامعة الإسكندرية، كانون الأول/ ديسمبر 2012، أنه "نظرا للوفرة الطبيعية لطاقتي الرياح والشمس، يجب بناء وحدات تخزين واسعة النطاق، وأن تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ في منخفض القطارة أحد أفضل الخيارات".

وقالت إنه يُمكن للمشروع دمج مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، والشمسية، والكهرومائية)"، مقترحة عبر "طريقة آمنة واقتصادية استغلال تضاريس منخفض القطارة، عبر محركات تعمل بطاقة الرياح تضخ مياه البحر لخزان دير كريم الأعلى، ثم تُطلق المياه المُخزّنة بالمنخفض"، وخلصت الدراسة، إلى أنه "يُمكن استخدام الطاقة الناتجة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وتحويل البحيرة لوجهة سياحية، ونظرا لارتفاع معدل التبخر الشمسي، يُمكن استخراج الملح ومعادن أخرى، مثل البوتاس، كسماد، ما يُتيح آلاف الوظائف الجديدة".

أحلام تنقصها الدراسات
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أكد أن "الداعين لمشروع منخفض القطارة يعرضون لفكرتين: أن يُملأ بمياه البحر المتوسط أو بمياه عذبة من نهر النيل".

وفي حديثه لـ"عربي21"، استبعد تنفيذ ذلك المشروع الآن سواء بمياه البحر أو النهر؛ لأنه مكلف للغاية"، مبينا أن "دراساته لم تكتمل، وليس لدينا دراسة جدوى حقيقية، كما أن الظروف الحالية لا تسمح بالصرف على دراسة جدوى ولا على تنفيذ الفكرة".

وتساءل: "لمن يقول بضخ مياه النيل لمنخفض القطارة؛ أين مياه النيل التي تكفي لجلبها من السد العالي حتى المنخفض، بينما ليس لدينا ما يكفي زراعة الأراضي الجديدة، بل والآن التحدي الأكبر؛ كيف أوفر مياه لضخها في المنخفض ولزراعة 4.5 مليون فدان".

وتابع: "من يقولون بملأ المنخفض بمياه البحر قبل تحليتها عبر محطة مفاعل الضبعة النووية واستخدام المياه في ري 4.5 مليون فدان، الأمر صعب؛ لأن محطة توليد الكهرباء بمفاعل الضبعة قدرتها 4.5 جيجا، بما يعادل إحدى محطات سيمنز الثلاثة، ولذا ليست الساحر الذي يوفر الكهرباء لتحلية مياه البحر وضخها للقطارة".

اظهار أخبار متعلقة


ولفت إلى التكلفة العالية لتحلية مياه البحر، مبينا أن "الطاقة تشكل منها 50 بالمئة، وهناك 50 بالمئة تكاليف أخرى، كما أنه لا يمكن تحلية مياه البحر وتخزينها بمنخفض القطارة المعرضة للبخر بكميات كبيرة، وعمليا صعب استخدامها للزراعة لأنها مكلفة، وكيف نملأ منخفض بهذه المساحة؟، كلها أفكار وأحلام من غير أهل التخصص"، وخلص للقول: "ليس لدينا كميات مياه عذبة لملء منخفض القطارة سواء من النيل أو من المياه المحلاة من البحر، كما أن ضخ مياه البحر مباشرة يضر بخزان المياه الجوفية بالصحراء الغربية".

ويتخوف مصريون من مثل تلك المشروعات الكبرى، لما علق في ذاكرتهم الجمعية من إخفاقات سابقة بمشروعات مماثلة بينها مشروعات الصالحية في عهد السادات، وتوشكى بعهد حسني مبارك، ومشروع شق قناة جونجلي بجنوب السودان، لتوفير 2 مليار متر مكعب من المياه، وغيرها.
التعليقات (0)