كتاب عربي 21

خلاف الحكومة والمصرف المركزي في ليبيا والتداعيات

السنوسي بسيكري
خارطة طريق البعثة الأممية تواجه أزمة وليس من المتوقع أن تنتج حلا يفضي إلى استقرار ولم شمل، والعائق أمامها هو نهج الغلبة والتمترس حول المصالح.. الأناضول
خارطة طريق البعثة الأممية تواجه أزمة وليس من المتوقع أن تنتج حلا يفضي إلى استقرار ولم شمل، والعائق أمامها هو نهج الغلبة والتمترس حول المصالح.. الأناضول
في ندوة حوار علمية حول المصارف الليبية، ظهر ما يبدو أنه خلاف بين رئس حكومة الوحدة الوطنية ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، فقد انتقد رئيس الحكومة أداء المصارف، في إشارة غير مباشرة إلى تحملها جزء من الأزمة المالية والنقدية التي تواجهها البلاد، ومعلوم ان المصرف المركزي هو مصرف المصارف، وبالتالي فهو مسؤول عن الاداء المتدني للمصارف.

الدبيبة الذي صرح بان الدين العام بلغ نحو 300 مليار دينار ليبي، تساءل عن المسؤولية في مراكمة هذا العجز الحكومي الكبير، في إشارة إلى الحكومة الموازية في الشرق، وبالقطع قصد المصرف المركزي باعتباره خزنة الدولة وهو من يسيل الأموال للأجهزة التنفيذية.

فيما دافع المحافظ عن المصرف المركزي محملا المسؤولية للسلطة التنفيذية والانقسام في مؤسسات الدولة الذي يستحيل معه تصحيح الأوضاع الاقتصادية، ووإلى المعادلة المالية المخلتة، حيث تبلغ المصروفات الشهرية نحو 3 مليار دولار، ولا يصل المصرف المركزي إلى نصف هذا المبلغ كإيراد، حسب كلام المحافظ.

الحوار الذي قيل أنه يجري بين القوى النافذة في الغرب والشرق يدور حول فكرة تقاسم السلطة والنفوذ وتكرسيهما، كل في مناطقه التي يسيطر عليها، والفارق الجوهري هو أن سلطة الغرب تبحث عن سبيل للبقاء والمحافظة على الاعتراف الدولي، فيما عين جبهة الشرق على الاستحواذ على كافة السلطات والسيطرة على كل ربوع البلاد.
وتعليقا على هذا التراشق، فإن الوضع العام لا يمكن إلا أن يصل بالاقتصاد إلى هذا المأزق المعقد، فحتى مع تحول التدافع من ميدان القتال إلى ساحة البناء والتشييد، فإن الانقسام ماضي في التجذر وتبعاته تزداد سوءا، ذلك أن المنافسة ليست اقتصادية بحثة، بل هي في الجوهر توظيف للمقدرات المالية لتحقيق التفوق السياسي، وهنا يكمن الخلل الأكبر في مسألة البناء والتشييد. وينطبق الوضع على الاقتصاد الذي تهيكل بشكل يعظم من النفقات ولا يفتح طريقا لتعظيم الإيرادات وتنويعها.

الدبيبة تنصل من الإشكاليات المالية والنقدية على مستوى البلاد، فالإشارة إلى الأداء المتدني للمصارف وارتفاع الدين العام وما ينجم عنهما من اختلالات كبيرة هو تصدير للأزمة إلى أطراف أخرى، إذ يفهم من كلام الدبيبة أن من يتحمل هذه الانحرافات الخطيرة هما المصرف المركزي والحكومة الموازية.

قد يكون في كلام الدبيبة شيئ من المنطق، خصوصا نقطة الفساد الذي تتحمل جزء غير قليل منه المصارف، إلا إن أن موقفه يشوبه وهن كونه بشكل أو آخر يعترف بسلطة جبهة الشرق بل ويتعامل معها، كما أن الحجة في تعامل المركزي مع الحكومة الموازية جاهزة، وهو تابع لمجلس النواب، وربما قد يكون قد تلقى ضوء أخضر من قوى دولية فاعلة تمنحه قدرا من الشرعية والنفوذ.

المشكل السياسي شديد التعقيد يلقي بظلاله على الوضع المالي والنقدي، وإزاء الوضع الاقتصادي شديد الاختلال، فإن النتيجة تكون الانزلاق إلى مزيد من التأزيم الذي لا سبيل للفكاك منه، وبالنظر إلى الميزاينة العامة وقيم المصروفات والإيرادات (بالعملة الصعبة) خلال الأعوام الأربع الماضية، حسب تقارير المصرف المركزي، تتجلى الأزمة الاقتصادية بوضوح.



الأزمة الاقتصادية المستحكمة تتغذى على هذين الخللين الكبيرين، الانقسام السياسي والازدواج الحكومي وما يترتب عليه من تضخم مستمر في فاتورة المصروفات، في مقابل إيردات لم تشهد زيادة، بل هي تواجه تراجع لأسباب محلية وخارجية.

وأما هذا المنعطف الحاد لا تظهر في الأفق بوادر احتواء لأسباب التأزيم، والمؤشرات عسكية الاتجاه، بمعنى أن الاختلالات قائمة وقابلة للتجذر، وما يزيد الطين بلة هو أن الحلول المقترحة لا تغادر ساحة التأزيم، بمعنى أن الحلول المنوط بالإشراف على وضعها المنتظم الدولي غير مجدية، والإفكار التي تدور ضمن المنتظم المحلي لا تخرج عن الانقسام بل تنسج على منواله وتعمقه.

خارطة طريق البعثة الأممية تواجه أزمة وليس من المتوقع أن تنتج حلا يفضي إلى استقرار ولم شمل، والعائق أمامها هو نهج الغلبة والتمترس حول المصالح، والحوار الذي قيل أنه يجري بين القوى النافذة في الغرب والشرق يدور حول فكرة تقاسم السلطة والنفوذ وتكرسيهما، كل في مناطقه التي يسيطر عليها، والفارق الجوهري هو أن سلطة الغرب تبحث عن سبيل للبقاء والمحافظة على الاعتراف الدولي، فيما عين جبهة الشرق على الاستحواذ على كافة السلطات والسيطرة على كل ربوع البلاد.

طرحت في الندوة بعض الأفكار كحل للوضع المالي والنقدي المأزوم، ودار جدل هو الأفكار المطروحة، إلا إن الحقيقة أن كل ما يمكن أن يطرح لن يكون حلا جذريا ومستداما في ظل الوضع السياسي البائس القابل للتطور بشكل قد يكون أكثر بؤسا.
التعليقات (0)

خبر عاجل