أفكَار

حين يشتدّ البلاء تتبيّن المعادن.. الجزائر في مواجهة الحرب على هويتها الجامعة

إذا كان الإنسان عبدا مجبرًا على الخروج إلى الحياة في زمان ومكان ميلاده، فإنه يظل حرا سيدا مسؤولًا على نفسه أمام ربه ضمن سربه وأصله وفصله في اختيار دينه المانع ولسانه الجامع وطريقة كفاحه ونضاله ومكان استشهاده..
إذا كان الإنسان عبدا مجبرًا على الخروج إلى الحياة في زمان ومكان ميلاده، فإنه يظل حرا سيدا مسؤولًا على نفسه أمام ربه ضمن سربه وأصله وفصله في اختيار دينه المانع ولسانه الجامع وطريقة كفاحه ونضاله ومكان استشهاده..
يأتي هذا المقال في سياق سلسلة المقالات الخاصة التي تنشرها عربي21 للكاتب والباحث الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان، تحت العنوان العام: "معادن الشعوب العظيمة... تُفتن في الشدائد الأليمة"، وهي سلسلة فكرية ووطنية تسعى إلى استنهاض الوعي الجمعي العربي والإسلامي في مواجهة أخطر التحديات الداخلية والخارجية التي تستهدف وحدة الأمة وثوابتها، وتعيد قراءة الواقع السياسي والثقافي العربي بمنظار التجربة الجزائرية العميقة، التي جسّدت معنى التحرّر والوحدة في أنقى صورها.

وفي هذا الإطار، يواصل الدكتور بن نعمان في هذه الحلقة الجديدة تأملاته الفكرية والسياسية حول أبعاد الفتنة الممنهجة التي تُحاك ضد هوية الجزائر ووحدتها الترابية والوجدانية، واضعًا تلك التطورات في سياقها التاريخي الممتد من تجربة الجهاد التحرّري إلى رهانات الحاضر الوطني، ومن التحصين الثقافي إلى الوعي بالذات كشرط للسيادة والاستمرار.


معادن الشعوب َالعظيمة.. تُفتن في الشدائد الأليمة..!!

بقلب يعتصره الألم وأنا أراقب عن كثب وأتفاعل بما يدور في بلدي وما يدبر له من مكائد وجودية تتعلق بوحدته (الترابية والشعبية) وذلك رغم بعدي عنه جسديًا (وظرفيا) احيانا، غير أنني في جميع الأحوال والظروف أنا أشد قربا منه نفسيًا وعاطفيا في آخر أيامي المخضرمة التي عشتها بين سنوات الاحتلال المباشر الذي جابهته بكل تواضع بالسلاح المتاح مع الوالد والعم والخال الشهداء رحمهم الله وذلك في صفوف جبهة وجيش التحرير الوطني في الناحية الثانية من المنطقة الرابعة للولاية الثالثة التاريخية (بلاد القبائل) التي تضم اليوم سبع ولايات إدارية (تبدأ من سطيف والبرج وجيجل شرقا والمسيلة والبويرة   جنوبًا إلى بومرداس والمدية غربا...). وكم من شهيد سقط في كل مناطق هذه الولاية دون أن نعرف مكان مولده من التراب الوطني المفدى جماعيًا بلا حدود والموحد أرضا وشعبا بالجهاد المشهود!؟.

ومن حكمة القدر أن قريتي الصغيرة (الخروبة) تقع ضمن مجموعة قرى متجاورة في المكان يتحدث أهلها بالقبائلية والعربية في الوقت ذاته حسب الحاجة اليومية وبكيفية تلقائية دون أية عقدة دونية أو فوقية.!؟ والقرية تتبع إداريا لبلدية تاورقة حاليا بعد أن كانت تابعة لبلدية بغلية التي كانت تابعة لولاية القبائل الكبرى  (حسب التقسيم الإداري الفرنسي والتسمية الفرنسية ذاتها طوال أيام الاحتلال وما يزال !؟.)

وقد شهدت بلديتي أحداث انطلاق الثورة المباركة في ليلة الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1954 بمجموعة من المناضلين في حزب الشعب الجزائري (وليس حزب الشعوب الجزائرية!؟) والمنظمة الخاصة السرية، يبلغ عددهم بالضبط 47 مجاهدًا تجمعوا كلهم من القرى المجاورة بإعداد متقاربة (كما ونوعا) نذكر من تلك القرى شرابة، واد هلال، بن حمزة، أولاد حميدة، شراردة، سيدي داود والقضية  (بضم القاف وتسكين الضاد) وكطوس وسيدي نعمان.

من حكمة القدر أن قريتي الصغيرة (الخروبة) تقع ضمن مجموعة قرى متجاورة في المكان يتحدث أهلها بالقبائلية والعربية في الوقت ذاته حسب الحاجة اليومية وبكيفية تلقائية دون أية عقدة دونية أو فوقية.!؟ والقرية تتبع إداريا لبلدية تاورقة حاليا بعد أن كانت تابعة لبلدية بغلية التي كانت تابعة لولاية القبائل الكبرى (حسب التقسيم الإداري الفرنسي والتسمية الفرنسية ذاتها طوال أيام الاحتلال وما يزال !؟.)
ومعظم هؤلاء الثوار يتكلمون بالعربية فقط فيما بينهم رغم معرفة بعضهم للقبائلية بحكم الجوار والمعاملة مع سكان القرى الأخرى الذين يتحدثون بالقبائلية والعربية معا مثل تاورقة وبومهالة وبني عطار وبودشيشة  أو بالقبائلية فقط مثل قرية إيمخلاف وتادميْت والناصرية وسيدي علي بوناب.. ومن بعض هذه القرى  ينحدر  كل الثوار المتجمعين في مدينة بغلية ليلة الفاتح من نوفمبر كما قلنا.

والذي يجدر ذكره هنا هو أن قائد تلك المجموعة المجاهدة كان العقيد الشهيد محمد زعموم  (المعروف بسي صالح) وهو مناضل حزب الشعب الجزائري وعضو المنضمة الخاصة سابقا (وقائد الولاية الرابعة لاحقا بعد استشهاد قائدها العقيد محمد بوقرة سنة 1958) وهو من مواليد ناحية بوغني بسفح جرجرة وليس من بغلية الواقعة بالقرب من الساحل والتي لا يتحدث أهلها إلا بالعربية وهو لم يكن يخاطبهم إلا بها كذلك.. واعرف العشرات منهم كضباط في جيش التحرير الوطني كان آخرهم الضابط أكلي قصري من سيدي نعمان توفي رحمه الله قبل أربع سنوات عن عمر يناهز المئة عام !؟! مع العلم أن كل المتحدثين بالقبائلية في قراهم النائية يعرفون العربية العامية (بمن فيهم كل قادة الثورة) وليس كل المتحدثين بالعربية يعرفون القبائلية بطبيعة الحال، وهذه قاعدة علمية سويولوجية (وليست خرافة أيديولوجية).

وإذا قسمنا السكان حسب تحدثهم بالعربية أو بالقبائلية كما يريد أعداء وحدة الوطن والآمة أن يفتروا علينا ويزوروا التاريخ أمام أعيننا  الآن!! فأين نضع الحدود بين هؤلاء السكان المندمجين (من متعلمين وأميين) عبر مئات السنين من ولايتي تيزي وزو وبجاية وبومرداس والبويرة والبرج وسطيف والمسيلة، حيث استشهد على أرضها العقيدان عميروش والحواس في يوم واحد من شهر الشهداء (مارس) سنة 1959!؟!!

وبالمناسبة نتحدى هنا وللتاريخ من يثبت لنا أنه سمع الشهيدين القائدين (للولايتين: الثالثة والسادسة) يتحدثان بينهما بغير العربية الجامعة لكل الجزائريين فضلا عن القادة الكبار مثلهما من المجاهدين والشهداء والثوار  الأوفياء؟! وإذا اصطنعنا اليوم الحدود الجهوية والعنصرية بين المواطنين من فئات الشعب الواحد (بكل تعسف على أساس جهوي أو لغوي مصطنع في مخابر الطابور رغم الدستور!؟) فهل نستطيع وضع الحدود بين رفات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا في خندق واحد برصاص واحد وجمعوا في مقابر واحدة للشهداء ما تزال تزين مداخل كل بلديات الولاية التاريخية حتى الآن!! وقد ظل الوضع اللغوي كذلك طوال سنوات الثورة في المنطقة كلها وكانت اللغة العربية تدرس (تحت القنابل الفرنسية) بإشراف جيش التحرير الوطني في القرى والمداشر وينظم تعليمها حتى في السجون والمعتقلات للمناضلين تعبيرا عن التمسك بمقومات الشخصية الوطنية وتحضيرا لإقامة دولة الاستقلال كما هو منصوص عليها في بيان الثورةبكل وضوح!؟

وظل الوضع كذلك إلى السنة الثانية التي تلت الاستقلال، حيث بدأت المخططات الشيطانية تظهر مع أول محاولة للتمرد العسكري والانفصال (الجهوى) الذي وقع في الناحية العسكرية التي كنت جنديًا في إحدى ثكناتها بمدينة دلس سنة (1963) فوضعت البندقية عندما حضر واجب التعلم لمواصلة الجهاد بالكلمة والقلم!؟. لأن سلاح مقاومة الاحتلال الخارجي المتواصل ضد العدو الداخلي يختلف اختلافًا نوعيًا عن السلاح المادي ضد العدو العسكري الظاهر والسافر والفاجر!؟ والدليل على ذلك أن هذا العدو قد هزمته الثورة الجهادية خلال سبع سنين ونيف بقليل وبتضحيات معروفة برقمها القياسي العالمي في عدد الشهداء الذي لم يكسر حتى الآن من أي شعب آخر يعيش معنا فوق هذا الكوكب في علمنا!؟ أما المعركة الحالية ضد مخلفات هذا الاحتلال التي لم تعرف لها نهاية بتوقيف القتال والتوقيع على "أوراق الاستقلال" واسترجاع بعض مظاهر السيادة الوطنية وانتقال الجزائر الأمة والدولة من ثلاث ولايات فرنسية تقع في ما وراء البحر المتوسط الذي كان يعبر فرنسا في الخريطة المدرسية (كما كانوا يقولون!!؟!.) إلى دولة مستقلة ذات سيادة وعضوية في المنظمات الدولية ومجلس الأمن ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية (سابقا) في الزمان قبل أن (تَتَعْبرن) بعد الطوفان!؟

فهذا الاستقلال الوطني الغالي لم يستكمل بعد كما هو مخطط له في بيان نوفمبر على حد تعبير فقيد النضال الوطني في الجهادين المرحوم عبد الحميد مهري المتوقع بحسه الوطني الأصيل ونضاله الطويل وبصيرته الفذة لما يحدث الآن من سوء الاعتناء الرسمي بصيانة ثوابت الاستقلال والوحدة الوطنية بقوله المتحقق الآن والذي لا يغم إلا على العميان بصريا وعلميًا ووطنيًا حيث قال رحمه الله: "إنهم اليوم يحاربون عروبة الجزائر بدعوى أن هناك أقليات لها خصوصيات غير عربية!؟! وغدا سيحاربون الإسلام بحجة أن هناك أقليات نصرانية ويهودية! وبعدها سيحاربون الأديان بحجة أن هناك ملحدين في الجزائر.. وهكذا دواليك إلى أن تضيع كل ثوابتنا القومية الهوياتية التي أعلن عنها بيان أول نوفمبر المجيد..!؟".

 وهكذا استفحلت الأمور بالفعل كما توقعها فقيد الوطن والأمة بالضبط ونحن نسمعها ونراها هذه الأيام بما لم يسبق له مثيل من التطاول السافر والفاجر على وحدة الشعب والوطن أكثر من أيام الاحتلال في أحلك لياليها الطوال.. وقد تطورت هذه الظاهرة الآن لتتحول من مرحلة إلى أخرى ومن مجال إلى مجال بعد توقيف القتال ومرور ستة عقود على الانفصال الظاهر عن إدارة الاحتلال السافر!؟.

غير أن "مخططات السوسة المدسوسة في الإدارة المحروسة" قد ظلت حية تحت الرماد متغذية بالتهاون أو التواطؤ ومتخفية عن أنظار العباد وحراس البلاد حتى تكشف أمرها المفزع لنا الآن ومن حسن الحظ قبل فوات الأوان لتدارك وضعها الخطير الذي لم يعرف له تاريخ الوطن منذ الفتح الإسلامي أي نظير! ؟ ومن ظواهر هذا الواقع الأليم أننا أصبحنا نسمع ونرى بأعيننا عكس ما كافح وجاهد واستشهد من أجله رجال كثيرون قبلنا تحت راية الوحدة الوطنية المكرسة والمقدسة (ترابا وشعبا) لدى كل وطني صادق فضلا عن كل مجاهد وشهيد على أي شبر من أرض الوطن بكل ولاياته التاريخية الست بصحرائها الجرداء وجبالها الشماء وهضابها الخضراء ككتلة وطنية واحدة فوق هذه الأرض المروية بأزكى الدماء المراقة بسخاء من كل أبنائها الكرماء المتصاهرين إسلاميا وجهاديا ودفاعيا والموزعين جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا على شتى المناطق المناخية والثقافات الشعبية الفرعية المتنوعة في البلاد مع تفاوت المقدرات والمواهب والثروات في تكامل وانسجام مع عطاء الله من نعم لا يحصيها سواه على هذه الأرض الأكبر مساحة في القارة الإفريقية والأمة المحمدية!!

وإن الوحدة الحقيقية التي جربناها ولم نعرف ولا نعترف بسواها ألا وهي وحدة الوجدان ووحدة اللسان المنطوق والمكتوب الموصل والموحد للأفكار بين أبناء الشعب الواحد في الشمال والجنوب دون تعصب أو ترجمان بين أصحاب (السلام عليكم) و(أزول فلاون) وطابور (منكم أمير ومنا أمير!؟ و(نحن الأصلاء وأنتم الدخلاء؟!) بعد نصف قرن من الاستفتاء على تقرير المصير كشعب واحد ضد عدو واحد والآن أصبح يوحي إلينا أصحاب هذا الطابور بأننا شعبان مختلفان واحد يوصف بأنه أصيل وجار له في الحي أو في القرية أو زميله في العمل أو رفيقه في السلاح والكفاح في الشارع أو في الجامع.. يصنّفه بأنه أجنبي أو دخيل دون أي أساس او مقياس علمي صحيح (سياسي أو اقتصادي او اجتماعي أو إنساني أو لساني ثقافي مكتسب بالارادة وليس بالولادة...) معتمد في أية دولة عصرية (خارج خرافة الشعب المختار في كيان العصابة العنصرية!!!.) وهو ما ينسف حتما تلك الوحدة الحقيقية المعهودة بين أفراد الشعب الجزائري الواحد المنصهر عبر القرون..

ذلك الشعب المتجانس إيمانا صادقا ولسانا ناطقا بالشهادة مرغوبًا فيه من كل الأبناء الأصلاء كما أثبته بالإجماع في الاستفتاء الأخير المتوج لانتصاره الساحق في حرب التحرير؟! وهو ما كان قد عبر عنه إمام الأمة ووحدة هويتها الوطنية المسلمة العربية في مقال له بمجلة "الشهاب " سنة 1938 بعنوان (كيف صارت الجزائر عربية !؟) حيث قال بلسان عربي فصيح صريح: "ما من نكير أن الأمة الجزائرية كانت مازيغية من قديم عهدها وأن أمة من الأمم التي اتصلت بها ما استطاعت أن تقلبها عن كيانها ولا تخرج بها عن مازيغيتها أو تدمجها في عنصرها بل كانت هي التي تبتلع الفاتحين فينقلبون إليها ويصبحون كسائر أبنائها.. فلما جاء العرب وفتحوا الجزائر فتحا إسلاميًا لنشر الهداية لا لبسط السيادة وإقامة ميزان العدل الحقيقي بين جميع الناس، لا فرق بين العرب الفاتحين والأمازيغ أبناء الوطن الأصليين دخل الأمازيغ من أبناء الوطن في الإسلام وتعلموا لغــة الإسلام العربية طائعين فوجدوا أبواب التقدم في الحياة كلها مفتحة في وجوههم فامتزجوا بالعرب بالمصاهرة ونافسوهم في مجالس العلم وشاطر وهم سياسة الملك وقيادة الجيوش وقاسموهم كل مرافق الحياة فأقام الجميع صرح الحضارة الإسلامية يعربون عنها وينشرون لواءها بلغة واحدة هي اللغة العربية الخالدة فاتحدوا في العقيدة والنحلة كما اتحدوا في الأدب واللغة فأصبحوا شعبا واحدًا عربيًا متحدًا غاية الاتحاد ممتزجًا غاية الامتزاج . وأي افتراق يبقى بعد أن اتحد الفؤاد واتحد اللسان..".

وإن الفرز الذي كان قائمًا بين الأفراد على أساس الوطنية الذي كان سائدًا أيام الاحتلال يجب أن يظل هو نفسه وأكثر منه في الاستقلال ضد الاستحلال (وليس العكس كما يبدو لنا من واقع بعض التقلبات في الأمزجة والأحوال!؟!)

كما يجب أن يتم هذا الفرز والتمييز على أساس الخيانة والوطنية وليس على أساس الألوان الآدمية واللغات المحلية والجهوية التي كانت من النتائج المباشرة لفترة الاحتلال التي انتشرت فيها الأمية بمنع تعليم اللغة الوطنية (العربية) لتحقيق الجزائر الفرنسية كما كان يخطط له المحتل ويعمل أساطينه لتحقيقه دون هوادة من بداية الغزو إلى آخر حاكم في إدارة الاحتلال الغاشم.. مما استوجب الثورة الشعبية المسلحة الموحدة الأهداف والمبادئ ضد الهيمنة الأجنبية كما ينص عليها بيان كل الشهداء دون استثناء.. والذي يشكك في مبادئ البيان ويدعو إلى مراجعته أو إلغاء بعض بنوده هو خائن أو جاهل يشكك في الاستقلال ذاته الذي يعتبر من نتائج تطبيقه في الميدان بكل صرامة حتى تحقيق الغاية برفع الراية الواحدة المعلمة بالنجمة والهلال رمز الهوية والوحدة والاستقلال!؟ وهو من حق شعب الشهداء وحدهم وممثليهم والحاكمين باسمهم من الأحياء الأوفياء لأن ثورة الجهاد علمتنا أن نعرف الرجال بتطبيق المبادئ دون استثناء ولا نعرف تطبيق المبادئ بأمزجة الرجال حسب الظروف وتبدل الأحوال!؟

إن الفرز الذي كان قائمًا بين الأفراد على أساس الوطنية الذي كان سائدًا أيام الاحتلال يجب أن يظل هو نفسه وأكثر منه في الاستقلال ضد الاستحلال (وليس العكس كما يبدو لنا من واقع بعض التقلبات في الأمزجة والأحوال!؟!)
ونعود إلى هذه الفتنة المستحدثة بفعل فاعل من وراء البحار وبالتعاون والتواطؤ الخياني مع بعض أهل الدار لأول مرة بهذه الحدة بين جهات وفئات من الوطن المشترك حول مفهوم الهوية الوطنية لدى بعض الفئات المتعلمة فضلا عن الأمية مما استوجب علينا كتابة سلسلة من المقالات التوضيحية (بالخشيبات والقريصات) لكل المعنيين بأمر الهوية الوطنية التي هي أساس بقاء الشعب الواحد والوطن الموحد (قولا وفعلا) كما كان معروفًا في الوجود عبر الحدود الممهورة بدماء كل الشهداء دون استثناء كما قلنا وشهدنا بما عشنا وخبرنا لعقود من عمرنا لا نتخلى بعون الله عن نهجنا وعهدنا ماحيينا في دار الفناء إلى أن نلقاه مع كل الشهداء السابقين والرفقاء اللاحقين في دار الوفاء والجزاء والبقاء!؟

وإذا كان الإنسان عبدا مجبرًا على الخروج إلى الحياة في زمان ومكان ميلاده، فإنه يظل حرا سيدا مسؤولًا على نفسه أمام ربه ضمن سربه وأصله وفصله في اختيار دينه المانع ولسانه الجامع وطريقة كفاحه ونضاله ومكان استشهاده في أي شبر من أرضه المحررة والمطهرة بدمائه الزكية دون أية خلفية (أبوية أو أفضلية فوقية عنصرية أو جهوية!؟) لفئة على فئة تدعي الأفضلية بكثرة العقداء أو القادة الشهداء!؟ علما أن عدد الشهداء في علمنا ظل يتناسب طرديا مع عدد الخونة والعملاء كذلك ماضيًا وحاضرا!! وهذا مجرب صحيح ويخضع للقياس لدى كل العقلاء من الناس العاديين فضلا عن النجباء والعقلاء غير المتعصبين؟!

أما التعصب أو الجهل المركب مع الكبر والغرور فهو من الآفات الاجتماعية التي تقف على طرفي نقيض من الأخلاق الثورية الجهادية "النوفمبرية" التي عرفناها وعشناها (بكل تواضع) جهادًا واستشهادًا والتي يحول غيابها أو تغييبها والإخلال بقواعدها الأخلاقية (الدينية والاجتماعية) يحول دون تحقيق الوحدة الجامعة المانعة المفقودة للأمة الحية المعهودة والمنشودة التي تتطلب شروطا ثابتة لا تقبل التناقض والتعارض والانفصام لضمان استمرار الاستقلال دون تهديده من أعداء الوطن والأمة والوحدة بالتشتت والتفتت والانفصال المؤدي (لا قدر الله) إلى التفكك الحتمي والزوال الذي لا يخدم إلا أهداف الاحتلال والاستحلال!!

وتظل كل الأمور نسبية في ترتيب الأولويات الحيوية في هذه الحياة الإنسانية (الفردية والجماعية) فوق الكرة الأرضية وتبقى القاعدة الذهبية تتمثل في تحكيم الصندوق الشفاف الذي يفرز الأغلبية الحاكمة غير الظالمة والهاضمة لحقوق الأقلية في حدود الشرعية التي لا تضر بحقوق الأغلبية الوطنية النسبية بكل احترام ونظام وتعايش دون صراع وصدام وتفتت وبئس المصير الذي ظل يخطط له العدو الغائب باسمه والحاضر بظله وفعله مثلما يثبت لنا واقع الحال المستوجب لمثل هذا الموقف الصريح والمقال الفصيح دون لف أو دوران وذلك إثر تغير وسيلة الجهاد والدفاع بالتي هي أحسن بعد أن كانت مجابهة العدو بالتي هي أخشن في الميدان أيام الشباب الذي تخلى عنا واستبدل بنا غيرنا منذ زمان؟!
التعليقات (0)