مقالات مختارة

لماذا العجز أمام مأساة السودان؟!

محمد سليم قلالة
الأناضول
الأناضول
يعيش السودان الشقيق مأساة حقيقية منذ أكثر من سنتين وكأن يدًا خفية تريد القضاء عليه كدور وموقع وركيزة ثقافية وحضارية للأمة في القارة الإفريقية، فلماذا تعجز هذه الأمة عن الأخذ بيده للخروج من هذه المأساة؟ لماذا تبقى أدوار بعضها محدودة وأدوار البعض الآخر مشبوهة؟ لقد عجزت الدول العربية على إدخال الدواء والماء والغذاء لإخواننا في غزة وكان تبرير ذلك أن الصراع في فلسطين هو مع محتلٍّ صهيوني مدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ولا قِبَل للعرب بمواجهته، ذلك أن أيَّ تدخل من شأنه أن يصل إلى درجة الحرب، وأي حرب من شأنها أن تهدد كيانات الدول، وأي تهديد لكيانات الدول من شأنه أن يتسبب في تعميم المأساة الفلسطينية على باقي الشعوب العربية! وقبلنا بمثل هذا المنطق المتخاذل المُغلَّف بغلاف “العقلانية” وحسابات الربح والخسارة، وصَمَد الفلسطينيون لوحدهم، بما بقي لديهم من حدٍّ أدنى ودفعوا الثمن غاليا، وحققوا بأنفسهم ما استطاعوا من أهداف عسكرية وسياسية وإعلامية عالمية، ومازالوا إلى اليوم دون حتى تطبيق ما اتُّفق عليه بضمانة من وسطاء عرب وأمريكيين وأتراك…

لِنفترض أن هذه حربٌ غير عادية بين متناحرين متناقضين إلى أبعد الحدود، ولِننطلق من كون المتصارعين في السودان يمتلكان أدوات صراع وارتباطات دولية محدودة، وإن هي وجدت فليست ذات طبيعة استراتيجية بالقدر التي هي عليه “إسرائيل” مع الولايات المتحدة.. لماذا إذن لا يتم تكثيف التدخلات الإنسانية أولا والسياسية ثانيا والأمنية ثالثا لحسم المعركة بين المتخاصمين بالطرق الودية أو السياسية؟ هل السودان ليس من الأهمية التي ينبغي معها الإسراع بحل أزمته بكافة الطرق المشروعة؟ هل غاب إدراك السياسيين العرب لأهمية السودان الجيواستراتيجية في المنطقة وللدور الذي قام ويمكن أن يقوم به الشعب السوداني في النهضة العربية والإفريقية؟

ألا تعلم الدول العربية أنه بتفكُّك السودان أكثر مما هو مفكَّك، وبإبقائه ضمن حالة الحرب الأهلية التي هو عليها الآن، إنما تغلق على نفسها باب التعاون مع القارة الإفريقية وباب الامتداد للثقافتين العربية والإسلامية في عمق القارة بعد أن حاصرها وحاربها الاستعمارُ طيلة قرون؟ أين الوعي الاستراتيجي بالانعكاسات التي ستترتَّب عن تقسيم السودان للمرة الثانية إلى شرقيٍّ وغربيٍّ بعد الانتهاء من تقسيمه إلى شماليٍّ وجنوبيّ؟ ألن تكون هذه سابقة لإعادة تقسيم بلدان أخرى في المنطقة ضمن منطق -تقسيم المقسَّم- جوهر فكرة الشرق الأوسط الجديد الصهيونية الأمريكية؟
أبعد من هذا: أليس بالإمكان فقط الكفّ عن تشجيع الانفصاليين عن الانفصال من قبل البعض، والكف عن تسليحهم والدخول معهم في مفاوضات للحصول على مزايا اقتصادية أو عسكرية، وأحيانا حتى تشجيعهم علنا على الانفصال وبناء دولة أو حتى أكثر في الإقليم السوداني الواسع؟
أليست هذه هي الحقيقة التي ينبغي الوقوف عندها مليًّا؟

إن العجز أمام تقديم الدعم اللوجستي والمادي للفلسطينيين ثم العجز عن تقديمه للسودانيين والوقوف إلى جانب الأكثر شرعية موقفا واحدا، يدل على وجود خلل هيكلي في دول الجامعة العربية ينبغي أن يُفصَح عنه، وليس فقط خللا مرحليا نتيجة التوازنات الدولية والخوف من الدخول في صراع دولي، وعليه، فإن المطلوب من الحكومات العربية هو اتخاذ موقف واضح من الشرعية الوطنية السودانية ومن وحدة الجيش السوداني مهما كانت مبررات بعض المعارضين للبقاء ضمن منطق التمرد على السلطة المركزية… 

أما المطلوب من الرأي العامّ، وهذا هو الحد الأدنى من نصرة السودان، أن يُعلن وينفذ تضامنه الشعبي بكافة الوسائل، إلى حين يتمكن السودانيون من تجاوز هذه المحنة التي طالت، ويتعزّز لديهم الشعور بالانتماء إلى أمة طالما وقفوا إلى جانبها في الحرب والسلم، ويتجاوزوا عن كونها نَستهم طوال هذه المدة، وقد يتجاوزون حتى عن كون بعض مكوِّنات هذه الأمة أجَّجوا الصراع الداخلي بين الأشقاء وبعضهم مازال إلى اليوم… فالشعبُ السوداني الطيب والحليم سيكون بكل تأكيد مستعدًّا لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخه بشرط واحد: ساعدوه وكفوا أيديكم عنه.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)