مقالات مختارة

مأساة “الفاشر” تكشف مَن يقف خلف إبادة السودانيين…

محمد سليم قلالة
جيتي
جيتي
تُلخِّص مأساة مدينة “الفاشر” اليوم بالسودان النتيجة التي يوصل إليها حتما الصراع بين الداخل والداخل وبينهما معا والخارج في إدارة الأزمات. عندما يَستقوي الداخل على بعضه البعض عبر دخول أحد أطرافه في اللعبة الدولية التي لا ترحم ويُصبح أداة ضد شعبه وبلده يرتكب الجرائم والإبادة الجماعية، ويتحول من معارض لنظام يختلف معه، إلى عميل يخدم أجندات أجنبية لا يهمه إن كان في ذلك تمزيق لبلده وتدمير كليا لكل منجزاته.

وهي حال ما يُعرف اليوم بقوات “الدعم السريع” المنفصلة عن الجيش السوداني. تم تشكيلها هذه القوات سنة2013 لتُحقق أهدافا عدة، من بينها توقيف حرب دارفور التي اندلعت سنة 2003 بين قبائل “الجنجويد” من جهة وهي الموالية آنذاك لسلطة “عمر البشير” المركزية، والتنظيمين الرئيسين المسلحين في المنطقة “حركة العدل والمساواة” و”حركة تحرير السودان” من جهة ثانية، اللتين تركزت مطالبهما في (التمثيل الفعّال في الحكم والتوزيع العادل للثروة) تحت شعار العدالة في السلطة والثروة.

وكان يُفترَض أن تكون هذه القوات أي “الدعم السريع” داعمة بالفعل للسلطة المركزية كجزء من الجيش السوداني. إلا أن اكتشاف الذهب في جبل عامر سنة2012 غرب دارفور بكميات كبيرة، واكتشاف معادن أخرى ثمينة في المنطقة كاليورانيوم والنحاس، وكميات من التربة النادرة الأخرى جعل من هذه القوات تدخل تدريجيا اللعبة الدولية من خلال تهريب الذهب، وبذلك تجاوزت الحكومة المركزية في علاقاتها الخارجية!

ثم ما لبثت أن تحولت إلى تعاون عسكري يتجاوز الجيش السوداني خاصة بعد مشاركتها في حرب اليمن. وكانت الفترة الممتدة من مارس 2015 إلى أفريل 2023 كافية لمضاعفة الثروة المالية لهذا الفصيل من خلال تهريب الذهب، وكافية أيضا لِتعزيز قدراته العسكرية عبر مزيد من التدريب والتسليح…

ويكفي أن نعرف أن الكميات المستخرجة من الذهب خلال هذه الفترة من منجم “سنجو” وحده قُدِّرت بنحو250 طنا هُرِّب معظمها إلى الخارج، لنعرف حجم القوة المالية التي أصبحت عند قوات الدعم السريع.

وإذا علمنا أن نحو 80% من الذهب المستخرَج من جبل عامر خاصة كان يُستَخرَج تقليديا وليس عبر شركات رسمية، وأن الجانب الرسمي في هذه العملية كانت تمثله شركة “الجُنيد” المملوكة لشقيق قائد الدعم السريع “حميداتي”، نعرف درجة الهيمنة على هذه الثروة المعدنية الثمينة!!

ومنه نفهم كيف دخل هذا الطرف الداخلي أي الدعم السريع في عمق اللعبة الدولية من خلال تجار الذهب وتجار السلاح المعروفين عالميا، وكيف تجرأ بعدها كنتيجة لِما امتلك من سلاح ومال إلى إعلان التمرد في 15أفريل من سنة 2023.

ومنه تَتبيَّن لنا الخلفية الحقيقية لهذه الإبادة الجماعية التي وقعت في مدينة “الفاشر” نهاية الشهر الماضي ومن يقف وراءها، وكيف كان “الدعم السريع” يعتبر أن السيطرة عليها تعني السيطرة على “جبل عامر” الغني بالذهب، وعلى باقي الثروات، والاستمرار في امتلاك عناصر القوة العسكرية والدعم الخارجي للإطاحة بالسلطة المركزية ولِمَ لا الاستيلاء على الحكم في الخرطوم.

وهو ما باتت تُحدِّث به قنوات ووسائل إعلام قوي دولية معروفة للجميع شريكة في الجرم ومُستفيدة من نهب ثروات السودان دون أي اكتراث للمآسي الإنسانية التي تقع به ولا لآلاف الضحايا الذين تم إعدامهم بدم بارد من قبل قوات الدعم السريع دون أن يُحرّك لها ذلك ساكنا…

عند هذه النقطة، يتبين لنا كيف أن المجرم الحقيقي ليس فقط هو من يُنفِّذ الجريمة، إنما مَن يصنعه ويدعمه ويُدرِّبه، تماما مثلما يحدث في فلسطين. فالكيان الصهيوني للأسف استطاع أن يستنسخ منه كيانات أخرى تشبهه في كثير من الصفات، تريد أن تجد لها مكانة “تحت الشمس”! على حد قول المجرم “نتن ياهو” ولو بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء.. الأمر سيان بالنسبة لهولاء المجرمين في دارفور أو في غزة!!
هي ذي الحقيقة التي ينبغي أن نعيها إذا كان لنا أمل في المستقبل…

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل