مقالات مختارة

الإسلاموفوبيا

إسماعيل الشريف
مكتب نتنياهو
مكتب نتنياهو
لقد تجاوز بيبي الحدود كثيرًا، وخسرت «إسرائيل» الكثير من الدعم حول العالم. الآن سأعيد لها كل ذلك الدعم- ترامب.

إن من أبرز أذرع الغرب وربيبتِه الصهيونية وسائلُ الإعلام؛ فهي تحشد الرأيَ العام وتوجّهه لدعم الحروب، وتبرر السياسات والدعم اللامحدود للكيان الصهيوني. غير أن مشاهدَ الإبادة الجماعية التي استمرّت لعامين، ونُقلت إلى العالم بالصوت والصورة، أيقظت الشعوب من غفلتها؛ فخرجت تُدين المجازر وتطالب بوقفها، وتحمّل دولَها المسؤولية عن دعمها، معلنةً تضامنها مع فلسطين.

وهكذا تهاوت آلةُ الدعاية، ولم تعد وسائلُ الإعلام وأزلامُها قادرين على مواصلة الدفاع عن الكيان أو تبرير الإبادة، إذ باتت تلك الأكاذيب تَنسف مصداقيتَهم وتحول دون قدرتهم مستقبلًا على إقناع الشعوب بحروبٍ جديدة أو بأعداءٍ جدد.

وكانت هذه واحدةً من الأسباب التي دفعت الولاياتَ المتحدة إلى فرض وقفٍ لإطلاق النار، في محاولةٍ لإنقاذ الكيان من الأزمة التي جلبها على نفسه جرّاء الإبادة الجماعية. ففي مقابلةٍ مع صهر الرئيس الأمريكي ترامب، الصهيوني جاريد كوشنر، ضمن برنامج «60 دقيقة» الشهير، قال كوشنر إنّ الرئيس شعر بأنّ «الإسرائيليين» بدأوا يفقدون السيطرة شيئًا فشيئًا، وأنه كان عليه أن يُكبح جماحهم   لا من أجل ضحايا إسرائيل (ويقصد بهم الفلسطينيين)   بل لمنعهم من ارتكاب أفعالٍ لا تصبّ في مصلحتهم على المدى البعيد. وهل ثمة تصريحٌ أوضح من هذا يُظهر ذعرَ الولايات المتحدة من تهاوي سمعة الكيان؟ جاء هذا التصريح من عقل ترامب في المنطقة، صهرِه جاريد كوشنر، الصديقِ الشخصي لنتن ياهو، الذي سبق أن قال إنّ نتن ياهو كان ينام في فراشه خلال زياراته لمنزلهم في تسعينيات القرن الماضي!

واستجابةً لتحوّلِ الرأي العام العالمي تجاه الكيان، وسعيًا لحمايته وضمان استمرار دعمه لتحقيق مصالحها، رأت الولايات المتحدة أنّ من الضروري إيقافَ المجزرة أولًا، ثم وضعَ خطةٍ لإعادة تلميع صورة الكيان. فالأمر لم يكن بدافع التعاطف مع الدماء المسفوكة في غزة، ولا بسبب حجم الدمار الهائل، بل خوفًا من انقلاب الرأي العام ضد الكيان إلى درجةٍ تجبر الولايات المتحدة على التراجع عن ارتباطها الوثيق بهذا الكيان.
بدأت آلةُ الإعلام الضخمةُ بالدوران مجددًا لترويج الرواية الصهيونية

وبمجرد ذلك، بدأت آلةُ الإعلام الضخمةُ بالدوران مجددًا لترويج الرواية الصهيونية؛ فانهمرت الملايين على المؤثرين حول العالم لقاء نشر محتوى يدعم الكيان، بينما تولّت منصّات التواصل الاجتماعي التلاعبَ بخوارزمياتها لإخفاء المواد المؤيدة لفلسطين وإبراز تلك التي تصبّ في صالح الصهاينة. ومع ذلك، باتت آلةُ الدعاية تواجه تحدياتٍ جسيمة؛ فكُرة الثلج المناهضة للصهيونية تكبر يومًا بعد يوم، والشعوب تفتح أعينها على الحقيقة بعد عقودٍ من التضليل. لم يعد الدفاع عن الرواية الصهيونية أمرًا يسيرًا كما كان، إذ ترسّخت في وجدان الشعوب قناعةٌ راسخة بأنّ «إسرائيل» كيانٌ مجرمٌ يديره أشرار، ولا وجودَ لأي مبرّر لاستمرار دعمه.

تركّز الآلة الإعلامية كذلك على ترويج كراهية المسلمين؛ فقد وجدت أن إقناع قطاعاتٍ من الغرب بكراهية الإسلام أسهل من إقناعهم بدعم الصهاينة، لأن جذور العداء والكراهية موجودة مسبقًا. ثم ثَمَّ أحزاب وتيارات يمينية حاكمة تعادي العرب والمسلمين وكل ما هو مختلف عنهم، ومجموعات مسيحية فاشية   إنجليكيون متنفّذون   يؤمنون بنبوءات نهاية الزمان ويدعمون الكيان، وهناك أيضًا عناصر عنصرية تؤمن بتفوّق العِرق الأبيض واحتقار الأعراق الأخرى. وفكرتهم خبيثة: إذا أخفت الغرب من تمدد الإسلام ، فستجد نفسك مبرَّرًا في دعم كيانٍ يحارب المسلمين ويُحافظ على حدودك، مستندين في ذلك إلى القاعدة البسيطة: عدوُّ عدوِّك صديقُك.

تنتشر هذه الأيام مواد كثيرة يصدرها صهاينة أو داعمون للصهيونية لا تهدف بالأساس إلى ترويج الدعم المباشر للكيان، بل تركز على زرع الخوف من الإسلام والمسلمين، وبذلك يصبح أسهل إقناع قطاعات من الجمهور بـ«قبول» ضرب المسلمين بدلًا من استهداف الفلسطينيين.

كما نرى حسابات صهيونية رسمية وبعض كبار المسؤولين يروّجون لمخاوف من تزايد أعداد المسلمين في الغرب أو ازدياد عدد المساجد. ولا تستغرب أن تُنفَّذ في الغرب عملياتٌ إرهابية وتُنسب إلى الإسلام رغم براءته؛ فهدفها واحد: صناعة معادلة مفادها أن كراهيتك للإسلام تقتضي دعمَ الصهاينة حتى لو لم تكن تحبّهم. إبقاء المسلمين مكروهين ومحتقرين وإثارة الخوف منهم يخدم مصالحَ الكيان.

ورغم كل هذه المحاولات والتحديات، وللمرّة الأولى يقف الصهاينة   ومن خلفهم الإعلام الغربي   في موقف المدافع. وأنا على ثقةٍ أنّ المارد قد خرج من قمقمه، وأنّ إعادته إليه ستكون أمرًا عسيرًا للغاية.

الدستور الأردني
التعليقات (0)