مقالات مختارة

حين تصطدم مصالح أميركا بدولة الاحتلال: الأولوية للأولى

طلال عوكل
جيتي
جيتي
كان دونالد ترامب يأمل بأن يتزامن توقيع اتفاق تبادل الأسرى، الذي تم التوقيع عليه قبل ثلاثة أيام، مع دخوله إلى البيت الأبيض، حيث نجح الوسطاء حينذاك في الحصول على موافقة المقاومة، لكن بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» استمر في التلاعب بالبيت الأبيض وأفشل تلك الصفقة.
في حينه لم يكن ترامب يتحدث عن وقف الحرب العدوانية، والبدء بعملية سلام في الشرق الأوسط كما يفعل اليوم، بل كان كل همّه أن يضع وسم بطولته على اتفاق يؤدّي إلى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين فقط.

وكما نجح نتنياهو في التلاعب بإدارة جو بايدن، استمراراً لنهج التلاعب، بإدارات سابقة، فإنه نجح في التلاعب بإدارة ترامب لأكثر من تسعة أشهر، منحه خلالها الأخير أكثر من فرصة، وقدم له كل ما يلزم، لإنهاء المهمة، لكنه فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب إلّا ما يتصل منها بتدمير قطاع غزّة، ورفع الكلفة البشرية، وتجفيف أسباب الحياة في القطاع.

لم يتوقف نتنياهو عن ترديد أهدافه من مواصلة الحرب الهمجية، بدءاً بتدمير وتفكيك حركة المقاومة، إلى الإفراج بالقوة عن أسراه، إلى تهجير سكان القطاع، وإعادة احتلاله واستيطانه.

ترامب عملياً وعلنياً تبنّى تلك الأهداف وتحدث عن «ريفيرا الشرق الأوسط» من دون أهل القطاع، لكنه أسلم إلى الفشل هو الآخر، حتى فاض به الكيل واضطر إلى التدخل بقوة، لإنهاء الحرب العدوانية عبر المفاوضات.

جاء ذلك بعد الفشل في غزّة، والفشل في إسقاط النظام الإيراني وتدمير مشروعه النووي، والفشل في إخراج جماعة «أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، من معادلة الصراع لفتح الطرق أمام التجارة الدولية، وبعد التحوّلات التي وقعت بعد إقدام دولة الاحتلال على الاعتداء على قطر وفشل عملية اغتيال وفد «حماس» المفاوض.

بعظمة لسانه قال ترامب، إنه لا يستطيع المواصلة في مواجهة العالم الذي تحوّل عن دعم الحرب الأميركية الإسرائيلية.

يبدو أن ترامب أدرك متأخراً، أن نتنياهو الفاشل يحاول التلاعب به وبإدارته، وأنه يهدد المصالح الأميركية في المنطقة، وأيضاً يدفع نحو عزلة متزايدة لأميركا والدولة العبرية على المستوى الدولي.

لا يغيب عن ترامب، المخاطر المترتبة على التحولات في الرأي العام الأميركي، بما في ذلك الحزبان «الديمقراطي» و»الجمهوري»، والتي تشير استطلاعات رأي أميركية متكررة، إلى أن هذه التحولات، ضربت في العمق السردية الإسرائيلية، وباتت تضغط بقوة على المستوى السياسي الأميركي.

ويقف خلف قرار ترامب بإنهاء الحرب حرصه الشديد على إنقاذ دولة الاحتلال من نفسها، بعد أن أخذها نتنياهو وائتلافه «اليميني» المتطرّف، إلى حافّة الهاوية، كما يعترف عديد المسؤولين الإسرائيليين.

هذا التحوّل في موقف ترامب جاء، أيضاً، بعد تجاوز الخط الأحمر، حين أقدم على قصف الدوحة، الأمر الذي أدخل الشكوك، وأثر سلبياً على ثقة حلفاء أميركا في المنطقة إزاء تعهداتها بحماية أمنهم واستقرارهم.

كان يمكن لترامب، أن يتحمل لبعض الوقت غضب حلفائه من العرب، لو أن نتنياهو نجح في تحقيق أهداف الحرب، وأن يستعيد القدرة على إخضاعهم، تحت تأثير القدرة الإسرائيلية ولمواصلة نهب ثروات الخليج العربي، والحصول على مزيد من الأموال لكنه لم يعد قادراً على حماية مصالح بلاده في المنطقة، مع استمرار الفشل الإسرائيلي الذي لم يعد يقف عند سقف محدّد.

هكذا علينا أن نصل إلى قناعة، بأن ترامب لم يكن جادّاً وحازماً كما هو اليوم، إزاء وضرورة وقف الحرب البربرية، ومحاولة تحقيق أهدافها بطرق دبلوماسية.
في التوقيت، أيضاً، لا يمكن أن نستبعد كهدف شخصي سعي ترامب، للحصول على «جائزة نوبل للسلام»، لكن هذا الهدف ما كان كافياً لتفسير الأمر، مهما قيل في نرجسية ترامب.

ليست غزة مؤهّلة، لأن تكون تحت الوصاية الأميركية كما يعتقد الكثيرون، ويرغب ترامب، فهذه مسألة لا تزال محل تفاوض ونقاش. ولكن الأكيد أن دولة الاحتلال أصبحت تحت الوصاية الأميركية، إذ لم يكن نتنياهو حرّاً في التصرف، واتخاذ القرار، بل كان عليه الانصياع للقرار الأميركي.

يشهد على ذلك، اجتماعه مع ويتكوف وكوشنر قبل الدخول إلى اجتماع الحكومة، للمصادقة على الصفقة، وحضورهما الاجتماع لنصف ساعة كانت كافية لضمان اتخاذ القرار.

ويشهد على ذلك، أيضاً، بدء أميركا، بإنشاء وحدة عسكرية من 200 جندي، يقيمون في إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق. مقابل ذلك تؤكد المصادر الأميركية أنها ليست في وارد إرسال أي قوات عسكرية إلى القطاع.

ويشهد على ذلك، أيضاً، الزيارة التفقدية التي أجراها الوفد الأميركي، بصحبة قائد القوات الأميركية ورئيس أركان جيش الاحتلال، إلى غزة، للوقوف على مدى الالتزام بمرحلة الانسحاب الأولى لجيش الاحتلال.

في حين يتحول ترامب إلى نتنياهو فوق مهامه، يبدو الأخير مجرد ناطق إعلامي يحاول ترميم صورته في المجتمع الإسرائيلي، وتسويق مشهد انتصاري لا يقنع حتى أقرب المقرّبين إليه.

رحلة العودة عن الحرب الدموية قد بدأت، إلى غير رجعة في هذه الجولة من الصراع الدامي، وأقصى ما يمكن أن يفعله نتنياهو، هو أن يجد الذرائع لمواصلة القصف بين الحين والآخر، كما يجري مع لبنان.
اليوم ستشهد مدينة شرم الشيخ المصرية قمة عالمية يحضرها زعماء 20 دولة، أوروبية وشرق أوسطية، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤولي وكالات دولية، للإشراف على توقيع الاتفاق، وبحث سبل متابعة السلام في المنطقة، ولضمان سريان الاتفاق من دون عراقيل.

الاحتفال بالتوقيع ليس أكثر من إظهار عزم المجتمع الدولي على متابعة إنجاح الصفقة، التي تحتاج إلى مزيد من المفاوضات، للاتفاق على بقية بنودها، التي تنطوي على إشكاليات أو غموض.

هذا المشهد الذي يرتسم في شرم الشيخ يذكّرنا، بمشهد توقيع اتفاقية أوسلو في حديقة البيت الأبيض، في أيلول 1993، وبحضور دولي أوسع، فهل يتكرر ما وقع لذلك الاتفاق أم أن الأمور مختلفة هذه المرة؟

مصداقية أميركا، ومصالحها على المحكّ هذه المرة، فلقد أحدثت الحرب الإبادية والتجويعية على غزّة زلزالاً شديداً على المستوى الدولي، استعادت خلالها القضية الفلسطينية مكانتها في صدارة القضايا التي تهدّد السلم العالمي، وتهدّد النظام الدولي السائد.

وفي ذلك الوقت كان نتنياهو في بداية شبابه وعهده في الحكم، فهل ستتيح له المتغيرات الداخلية، والخارجية الفرصة لإعادة عجلة التاريخ إلى الخلف؟ أشكّ في ذلك.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل