قضايا وآراء

السينما بين صوت هند رجب وآن فرانك

هشام عبد الحميد
"ألهب الفيلم عواطف جمهور فينيسيا، ونال تعاطفا كبيرا لما حدث لتلك الطفلة الصغيرة"- جيتي
"ألهب الفيلم عواطف جمهور فينيسيا، ونال تعاطفا كبيرا لما حدث لتلك الطفلة الصغيرة"- جيتي
السينما لها سحرها وقوتها وتأثيرها، وهي أنواع مختلفة؛ منها: الروائي، والملحمي، والتسجيلي، والرومانسي، والتعبيري، والسيريالي، والتحريضي، ومنها كذلك الطويل والقصير. ولهذا تظل السينما هي الحلم من أجل المتعة، ومن أجل التغيير، وكذلك من أجل التحذير.

ولعل فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية، وصوت هند رجب، خير دليل على ما سبق ذكره؛ فقد اهتزّ مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ82 تأثّرا وتعاطفا مع مأساة تلك الطفلة الفلسطينية التي حاصرها الجيش الإسرائيلي، وهي تطلق صرخات استغاثة مسجّلة، قبل أن تلقى مصرعها هي وأسرتها بالكامل على يد نيران الجيش الإسرائيلي.

لقد ألهب الفيلم عواطف جمهور فينيسيا، ونال تعاطفا كبيرا لما حدث لتلك الطفلة الصغيرة، فحصد الفيلم عاصفة من التصفيق تجاوزت 22 دقيقة، تقديرا لشجاعة وجرأة المخرجة كوثر بن هنية في الطرح، ومشاركة وجدانية في مأساة هند رجب وعائلتها.

درس مجاني لأولئك الذين لم يدركوا بعد تأثير وخطورة الفن السابع على عقل ووجدان الجماهير، وأن كثيرا من المؤتمرات واللجان والندوات لا قيمة لها أمام فيلم جيّد الصنع يصيب الهدف بالفكرة والتأثير المطلوبين

نعم، انتصرت سينما كوثر بن هنية للإنسان دونما قيد أو شرط، بل دعمها في ذلك صدق الطرح وجِدّة التناول الفني، إلى جانب دعم المنتجين التنفيذيين الأمريكيين خواكين فينيكس وروني مارا.

ولعل هذا الدعم ينفي دعاوى عنصرية الغرب أو الإمبريالية العالمية ضد السينما المنحازة للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكل هذا الهراء الذي نسمعه وتصدّعت به أدمغتنا. فها هو فيلم صوت هند رجب، بدعم من منتجين أمريكيين، يحصد جائزة الدب الفضي في فينيسيا، بل وجوائز عديدة أخرى، قبل أن يحصد تعاطفا وتأثّرا كبيرين من الرأي العام العالمي، ويوجع ضميرهم ووجدانهم.

لكن الأخطر من ذلك -من وجهة نظر كاتب هذه السطور- أنه درس مجاني لأولئك الذين لم يدركوا بعد تأثير وخطورة الفن السابع على عقل ووجدان الجماهير، وأن كثيرا من المؤتمرات واللجان والندوات لا قيمة لها أمام فيلم جيّد الصنع يصيب الهدف بالفكرة والتأثير المطلوبين.

لقد كان هناك إنتاج أمريكي آخر أخرجه كوستا جافراس، ورغم أنه قدّم عرضا مؤثّرا لجانب من جوانب القضية الفلسطينية، إلا أنّ الاتهام الجاهز ظلّ قائما بأنه "فيلم أمريكي". أما اليوم، فها هو فيلم صوت هند رجب لمخرجة عربية يدحض كلّ هذا التباكي على اللبن المسكوب، ويفنّد الاتهامات الموجهة إلى السينما العربية بالتخاذل أو الصمت الذي يصل حدّ التواطؤ أمام القضايا المصيرية.

ولعل هذا التباكي المرّ يَحلو له جلد الذات عندما يُشيد بفيلم مثل آن فرانك، الذي يتناول قصة طفلة يهودية اضطرت للعيش في قبو مع عائلتها هربا من جحيم الاعتقال النازي في معسكرات الإبادة، قبل أن يُكتشف أمرهم على يد أحد الوشاة، ويتم القبض عليهم جميعا وتنفيذ حكم الإعدام بحقهم.

نعم، لقد عرفت السينما العالمية كيف تعرض قضاياها بشكل مؤثّر، وتعاطف العالم مع "قضية الآخر"؛ لا لشيء إلا لتقاعس الكثيرين عن عرض سرديتهم في قالب فني مؤثر يجعل الآخر يؤمن بها بل ويدافع عنها. ولهذا كان النصر حليف الآخر.

لكن يأتي فيلم كوثر بن هنية ليقلب هذه المعادلة، وتعود المسألة إلى نصابها العادل، ويسمع العالم صرخة هند رجب فيتأثر ويصدق ويؤيد، وهذا ما يجب أن يفهمه أولو الأمر.

وأخيرا، وليس آخرا، يسعدني انتصار هذا العمل الذي يُعدّ انتصارا للسينما والفن معا.. فليحيا الفن، ولتحيا السينما.
التعليقات (0)

خبر عاجل