قضايا وآراء

مسرح العرائس

هشام عبد الحميد
"نموذج فني رفيع في استلهام التراث الشعبي وصياغته في تجربة جمالية عالية الإبداع والفنية"
"نموذج فني رفيع في استلهام التراث الشعبي وصياغته في تجربة جمالية عالية الإبداع والفنية"
كان مسرح العرائس في ستينيات القرن الماضي يقدم المتعة والجمال والدهشة في آنٍ واحد. ولعل أبرز نقاط قوته تمثلت في إدارته التي اضطلع بها الفنان المتميز صلاح السقا، عبر انفتاحه التام على تجارب الخارج، شرقا وغربا، في مجال مسرح العرائس، مع استلهامٍ موازٍ للتراث والفلكلور الشعبي، لتقديم تجربة مسرحية مصرية خالصة.

وقد نجح السقا في تحقيق رؤيته، فجعل من هذا المسرح الصغير قبلة لكل محبي فن العرائس في مصر، كما جذب اهتمام الأطفال لمتابعة عروض مدهشة تداعب خيالهم وتحفّزهم، بل وتجعلهم في كثير من الأحيان جزءا من اللعبة المسرحية نفسها.

وتعرّف جمهور مسرح الطفل من خلاله على فن المسرح الأسود، وهو نوع مسرحي يعتمد على إضاءة خاصة تُعرف بـ"الألترا فايلوت"، تُظهر فقط اللون الفسفوري في محيط خشبة مسرح سوداء بالكامل، وكان ذلك مبهرا بحق، وقدّم عالما سحريا شديد الثراء والجمال.

كما كان البانتوميم أو التمثيل الإيمائي محط اهتمام كبير، خاصة عند تفاعل الممثل الإيمائي مع الدمية (الماريونيت)، وهو ما كان يعدّ في حينه تجربة مذهلة وفريدة من نوعها.

وبالطبع، لا يمكن الحديث عن مسرح العرائس دون ذكر أوبريت "الليلة الكبيرة"، هذا العمل الخالد الذي يُعدّ نموذجا فنيا رفيعا في استلهام التراث الشعبي وصياغته في تجربة جمالية عالية الإبداع والفنية.

وقد حشد له صلاح السقا كل مقوّمات النجاح: اتفق مع صلاح جاهين على كتابة النص بكلماته الشعرية البديعة، واستعان بـسيد مكاوي للتلحين والغناء، وتولى هو بنفسه مهمة الإخراج، فيما صمّم العرائس الفنان الكبير ناجي شاكر، الذي أبدع في إخراجها بصورة مدهشة. وهكذا خرج العمل إلى النور، محققا حضورا استثنائيا في الذاكرة الجمعية المصرية.

أجيالٌ كاملة تسنّى لها مشاهدته مرارا عبر شاشات التلفزيون أو من خلال إعادة تقديمه ضمن ريبيرتوار المسرح، فحفظت عن ظهر قلب مشاهده وأغانيه الخالدة، كمقاطع: "أنا شجيع السيما"، و"يا غزال يا غزال"، "يا ولاد الحلال بنت تايهة".. وغيرها.

هكذا كان المسرح.. هكذا كان الجمال.. وهكذا نأمل، بكل شوق، في عودة هذا الجمال إلى مسرح العرائس في مصرنا الحبيبة.
التعليقات (0)