لعل آفة
من آفات الإدارة
المصرية هي حرق كوادر الصف الثاني في شتى المجالات، سواء عن عمد
أو غير عمد. ولهذا عانت الإدارة المصرية وما زالت تعاني، وربما ستظل تعاني من
التكلّس وانعدام الرؤية الحقيقية، في ظل غياب الكفاءات وتعطيل طاقات الكادر الثاني
من الموهوبين، بما يُفوّت عليهم فرصهم الطبيعية والمستحقة.
وهذا
موضوع يطول شرحه، لكننا سنخصّ هذا المقال بالمجال الإعلامي بمختلف حقوله السمعية
والمرئية. فقد أثار قرار عودة إعلاميين قدامى إلى العمل مرة أخرى في قلعة الإعلام
العتيدة، التلفزيون المصري، الكثير من الشجون والأسئلة، لعل أهمها: أين
شباب
الإعلاميين؟! هل مصر أجدبت؟!
الإجابة
قطعا: لا. فمصر على مرّ الدهر ولّادة، وأبناء الإعلام المصري موجودون ومتوافرون،
لكنهم مبعدون، مهمشون، منسيون، ومطـحونون في ساقية إدارية عبثية، لا مخرج منها سوى
الدوران والدوران دون أفق أو تطوّر. وبينما تظل الأسماء الكبيرة التقليدية تطل
علينا بالابتسامة ذاتها التي تشي بأنهم باقون، يجدّدون شبابهم، وأحيانا جلودهم إذا
اقتضى الأمر، تضيع الفرصة جيلا بعد جيل من شباب الإعلاميين الذين يُتركون في مقعد
المتفرجين، لا يحركون ساكنا من فرط اليأس والحسرة على مستقبل يضيع بضياع ممنهج.
لا تهملوا شباب الإعلاميين. نريد تجديدا لروح وعقل الإعلام المصري، وهذا لن يتأتى إلا بإتاحة الفرصة لصف ثانٍ وثالث من الإعلاميين المصريين
هذه
المأساة لم تكن مستفحلة في الماضي، على الأقل في مجال الإعلام. ففي خمسينيات
وستينيات القرن الماضي كان الإعلام المصري يزخر بكبار مثل: حمدي قنديل، وليلى
رستم، ورشا مدينة، ونجوى حجازي، وبابا ماجد في برامج الأطفال. ثم جاء الجيل
الثاني: نجوى إبراهيم، وفريال صالح، وأماني ناشد، وفاروق شوشة، وإيناس جوهر، وأحمد
فراج.
وتلاهم
جيل شاب طموح وجريء مثل: سلمى الشماع، وفريدة الزمر، وسمير صبري، ثم طارق حبيب.
وقد ملأ هذا الجيل سماء الإعلام بالجِدة والدهشة: درية شرف الدين وبرنامجها
"نادي السينما"، وسناء منصور بـ"أوسكار"، وسمير صبري في
برنامجه الشيق "النادي الدولي"، وطارق حبيب في "أوتوجراف".
ثم دخل
الإعلام مرحلة الوزير صفوت الشريف في الثمانينيات، فكان تغيير الوجوه بالتبعية.
ظهرت وجوه جديدة مثل: أحلام شلبي، وسهير شلبي، ومنى الشاذلي، ومحمود سعد، ومعتز
الدمرداش، وخيري رمضان، ولميس الحديدي، وعمرو الليثي، وعماد أديب، وعمرو أديب. لكن
بعد ذلك، بدأت عجلة الإعلام تتكلس وتترهل، وأُهمل تماما إعداد الصف الثاني لهؤلاء.
بل تم تطفيش الكفاءات وإزاحتها، لتبقى الوجوه القديمة متربعة. وجودها لا ضرر فيه
إذا كان للاستفادة من خبرتها الطويلة، لكن الضرر الحقيقي وقع حين تم إهمال الصف
الثاني من شباب الإعلاميين.
لذلك،
نناشد أولي الأمر: من فضلكم، لا تهملوا شباب الإعلاميين. نريد تجديدا لروح وعقل
الإعلام المصري، وهذا لن يتأتى إلا بإتاحة الفرصة لصف ثانٍ وثالث من الإعلاميين
المصريين.
ولنا في
الإعلامي الشاب شريف عامر مثال حيّ على ما يمكن أن تفعله الفرصة عندما تأتي لمن
يستحقها. وأطمح وأحلم أن أرى هذه اللحظة في قادم الأيام.