ملفات وتقارير

الاحتلال يسيطر على مناطق في غزة أوسع مما نص عليه الاتفاق.. والخط الأصفر يتحول لكمين قاتل

يمتد الخط الأصفر من جنوب محافظة شمال غزة وحتى أطراف مدينة رفح- جيش الاحتلال
يمتد الخط الأصفر من جنوب محافظة شمال غزة وحتى أطراف مدينة رفح- جيش الاحتلال
بين أنقاض تراكمت على مدار عامين جرّاء غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، امتدّ "الخط الأصفر" من شمال قطاع غزة وحتى أطراف مدينة رفح جنوبا، كحد وهمي نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حتى بات هذا الحد يفصل بين الحياة والموت.

ويتعرض أي فلسطيني يتجاوز "الخط الأصفر" أو يقترب منه بالخطأ لإطلاق نار من جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواجد شرق الخط الذي يضم، وفق تقديرات تقارير عبرية، أكثر من 50 في المئة من مساحة القطاع.


واختير اللون الأصفر لكونه يُستخدم عادة في التحذيرات العسكرية والمناطق الخطرة، ويهدف هنا إلى إظهار الخط بوضوح على الخرائط والميدان كإشارة تحذيرية دائمة، تفصل بين ما تعتبره دولة الاحتلال مناطق "آمنة" لقواتها ومناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية، وتتّصل فكرة الخط بخطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة، والتي تتضمّن انسحاب جيش الاحتلال تدريجيًا إلى هذا الخط مقابل تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.

لكن خرائط هذا الخط، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، تمنح دولة الاحتلال الإسرائيلي سيطرة أعمق من الشريط الأمني السابق، تصل في بعض المناطق إلى 6.5 كيلومترات داخل غزة، ما يجعلها عمليًا منطقة احتلال جزئي جديدة تحت مسمّى "الفصل الأمني"، وقد تُمهد لتغييرات ديموغرافية وجغرافية في القطاع.

ونقل موقع "كولف نيوز" عن محللين قولهم إنّ: "الخط الأصفر قد يتحول إلى حدود فعلية، ما يعزّز الاحتلال الإسرائيلي الجزئي ويعيد تعريف الجغرافيا الداخلية لقطاع غزة، وبالنسبة للفلسطينيين، لا يمثل هذا الجدار السلام، بل خطًا أماميًا متحركًا - حدود غير مرئية تفصلهم عن منازلهم وتعرضهم لمخاطر يومية، كما يعد بالنسبة للوسطاء، بأنه الاختبار الأكثر هشاشة لمدى قدرة الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة على الصمود، أو ما إذا كانت غزة سوف تنزلق مرة أخرى إلى حرب مفتوحة".

وفي تحليل دقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كشف عن أدلة مقلقة تشير إلى أنّ: جيش الاحتلال الإسرائيلي بات يفرض سيطرته على مناطق داخل قطاع غزة تفوق بشكل ملموس ما تم الاتفاق عليه ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.


وباستخدام صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الموثقة، أظهر التحليل أنّ: "العلامات المادية التي وضعها جيش الاحتلال لتحديد "الخط الأصفر" الانسحابي، تم نصبها في عمق أكبر داخل القطاع بمئات الأمتار مقارنة بالخرائط الرسمية، ما يثير تساؤلات جدية حول التزام الاحتلال ببنود الاتفاق الهش".

Image1_10202525105945717948196.jpg

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، كان من المفترض أن تنسحب قوات الاحتلال إلى خط حدودي محدّد (تم تمييزه بالأصفر في الخرائط العسكرية الإسرائيلية) يمتد على طول شمال وجنوب وشرق القطاع، لكن تحليل "بي بي سي" كشف تناقضا صارخا بين الخرائط المعلنة والواقع على الأرض, وفق ما يلي:

شمال غزة (حي العطاطرة): أظهرت لقطات جوية أن ست كتل إسمنتية صفراء وضعت على بعد يصل إلى 520 مترا داخل غزة، وهو عمق أكبر بكثير مما أشارت إليه خريطة جيش الاحتلال المنشورة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر.

جنوب غزة (قرب خانيونس): أظهرت صور أقمار صناعية التقطت في 19 تشرين الأول/ أكتوبر وجود عشرة مجسمات مشابهة، وضعت على مسافة تتراوح بين 180 و 290 مترا داخل الحدود المفترضة التي حددتها خرائط الجيش.

Image1_102025251115436342185.jpg

"إطلاق نار دون سابق إنذار"
وفقا لتقدير "بي بي سي"، إذا كانت هذه الحالات نموذجية لما يجري على طول "الخط الأصفر"، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي تفرض سيطرة فعلية على مساحة أكبر بكثير ممّا نص عليه الاتفاق، وفي وقت رفض جيش الاحتلال التعليق المباشر على نتائج تحليل الـ"بي بي سي"، مكتفيا بالقول إنّ: "قواته بدأت بوضع الخط الأصفر داخل غزة لتوضيح الحدود التكتيكية على الأرض".

إلا أن وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الذي أصدر تعليماته بوضع الكتل الصفراء، كان أكثر وضوحا في تحذيراته، حيث أكد في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أنّ: "الكتل الصفراء تمثل الخط الفعلي، وأن أي محاولة لعبور الخط ستقابل بإطلاق النار"، وذلك دون سابق إنذار.

"منطقة عازلة" و"منطقة قتل"
يرى محللون تحدثوا إلى "بي بي سي" أنّ: الهدف من وضع العلامات في عمق أكبر هو إنشاء "منطقة عازلة" أو "منطقة قتل" بين المدنيين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، وقال الأستاذ المشارك في "كينغز كوليدج لندن"، أندرياس كريغ: "هذا يمنح الجيش الإسرائيلي مساحة للمناورة وإنشاء منطقة قتل ضد أي أهداف محتملة... أشبه بأرض محايدة لا تتبع أحدا، لكن إسرائيل تستولي عليها من الجهة الفلسطينية".


سكان غزة: "نعيش في خطر دائم"
أكد عبد القادر أيمن بكر، وهو من سكان حي الشجاعية، لـ"بي بي سي" أنه لم ير أي علامات واضحة رغم تعهد دولة الاحتلال الإسرائيلي بذلك. وقال: "نرى المركبات العسكرية الإسرائيلية من مسافة قريبة، لكن لا نعلم إن كنا في منطقة آمنة أم في منطقة خطر فعلي. نحن نعيش في خطر دائم".

في السياق ذاته، تأتي هذه المخاوف في ظل إعلان جيش الاحتلال عن عدة "حوادث عبور للخط الأصفر" أطلق فيها النار على من تجاوزوه. وقد تمكنت "بي بي سي" من تحديد موقع مقطع مصور يوثق حادثا مأساويا في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث استشهد 11 مدنيا (بينهم نساء وأطفال من عائلة واحدة) بعد استهداف مركبتهم شرق غزة.

وكانت "بي بي سي" قد حدّدت موقع الحادث على بعد نحو 125 مترا داخل حدود الخط الأصفر المرسوم في خرائط الجيش، مما يدحض رواية الاحتلال عن تجاوز الخط.

دعوة لقتل أطفال غزة
شهدت جلسة لمجلس وزراء دولة الاحتلال، الجمعة، نقاشًا حادًا حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين الذين يقتربون من ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" ( غير المرئي )، وبحسب "القناة 14" العبرية، فقد تحوّل الاجتماع إلى جدل داخلي بعد أن عرض نائب رئيس أركان جيش الاحتلال، آلية إطلاق النار المعتمدة، موضّحا أنّ: "الجنود يطلقون النار على من يُصنفون بالغين فقط، في حين يكتفون بتوقيف: الأطفال والحمير".

Image1_1020252511611856442837.jpg

وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، اعترض على هذه السياسة بشدة، معتبرًا أنها "مفرطة في التساهل"، وطالب بإطلاق النار حتى على الأطفال والحمير، قائلاً إنّ على دولة الاحتلال الإسرائيلي أن "تتوقف عن الرحمة"، وخلال النقاش، تساءل بن غفير: "لماذا لا نطلق النار على طفل يركب حمارًا؟"، وفق ما نقلت هيئة البث الرسمية، في ردٍ على تصريح لمسؤول عسكري لم يُكشف عن اسمه تحدث عن معايير إطلاق النار في تلك المنطقة.


أسئلة ساخرة وتبريرات عسكرية علّق مسؤول التنسيق بين الحكومة والكنيست دودي أمسالم بسخرية قائلاً: "من نطلق عليه أولًا، الطفل أم الحمار؟"، في حين اختتم وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الجلسة بتصريح حاسم قال فيه: "كل من يقترب من السياج يجب أن يعلم أنه قد يتعرض للأذى".

وسبق أن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي عددًا من الفلسطينيين خلال الأيام الماضية بدعوى تجاوز الخط الأصفر، الذي لا يمكن تمييزه ميدانيًا بالنسبة للفلسطينيين، ما يجعل المدنيين عرضة لإطلاق النار دون علمهم بأنهم في منطقة الخطر.

اظهار أخبار متعلقة


60 دولة مكنت الاحتلال من ارتكاب الإبادة
منذ بدء سريان الاتفاق، واصل جيش الاحتلال شنّ هجماته على مناطق عدة في غزة، ما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وجرح آخرين، وهي انتهاكات تجري تحت أنظار الولايات المتحدة، حيث أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الجيش الأمريكي بدأ في تشغيل طائرات استطلاع مُسيَّرة فوق قطاع غزة في الأيام الأخيرة كـ"جزء من جهد أوسع لضمان التزام كل من إسرائيل وحماس باتفاق وقف إطلاق النار الهش".

بدوره، كشف موقع "ميدل إيست آي"، عن صدور تقرير جديد للأمم المتحدة يسلط الضوء على تورط عشرات الدول في دعم وتمكين الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتقرير الذي أعدته فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، صدر في نسخته المحدثة يوم الإثنين الماضي، ووصف الإبادة الجماعية بأنها "جريمة جماعية مدعومة بتواطؤ دول ثالثة مؤثرة ساهمت في تمكين إسرائيل من ارتكاب انتهاكات منهجية وطويلة الأمد للقانون الدولي".

وأكدت ألبانيز أنّ: "الفظائع التي تبث مباشرة أمام العالم، والمؤطرة بروايات استعمارية تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ما كانت لتحدث لولا الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي الذي تقدمه دول غربية لإسرائيل".
التعليقات (0)

خبر عاجل