لا زالت أصداء الفشل الاسرائيلي أمام هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تتردد رغم مرور عامين على وقوعه، ولم تنجح حرب الإبادة على قطاع
غزة في تغييب تبعاته، لاسيما في النظرة لجيش الاحتلال وقدراته الأمنية.
وذكرت الناشطة الاجتماعية ورئيسة جمعية "
إسرائيل من أجل النقب" إستير لوزاتو، أن "أهم الاستخلاصات من الحرب على غزة التي نحيي مرور عامين على اندلاعها أننا أمام "جيش صغير وغبي"، لأنه وقع في فشل عسكري متعدد الأبعاد، ومستمر، ويعود في الأساس أولًا وقبل كل شيء، إلى خطأ إدراكي نابع من عمى ذاتي شهده، لأنه منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، قررت القيادة العسكرية، وقد تغلغل هذا التصور في الطبقة السياسية، أنها يمكن أن تكتفي بجيش صغير وذكي".
وأضافت لوزاتو في مقال نشرته صحيفة "
معاريف"، وترجمته "عربي21" أن "هذا الفهم تمثلت ترجمته في تقليص عدد قوات الجيش، وتقليص ميزانية الأمن، وتوجيه الموارد إلى الشؤون الداخلية، وأدى هذا تدريجيًا لتقليص حاد في القوات البرية، ناهيك عن إهمالها، وتقليص القوة القتالية، وإغلاق الكتائب، وتقليص التدريب، وإعادة توجيه معظم الموارد للقوات الجوية والاستخبارات، وصولا لتراجع تحمّس قوات الاحتياط، مما أدى، بجانب عوامل اجتماعية أخرى، إلى التحاق أقلية من الاسرائيليين بها".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت أن "يوميات الحرب على غزة طوال عامين ماضيين أثبتت أن الجيش البري ظهر شبه معدوم، وبقي الجيش صغيرًا، لكنه ضعيف، وأدى هذا النهج لنشوء عقيدة قتالية جديدة، حملت اسمًا جديدًا هو "المعركة بين الحروب"، واختلف هذا النهج "الخاسر" عن النهج الهجومي الذي تبناه
جيش الاحتلال طوال هذه السنوات، وهدف أساسًا لتأجيل الحرب القادمة، حتى وإن لم يُعلن عنها رسميًا".
وأوضحت أن "التحول من مفهوم أمني استباقي إلى مفهوم راكد أسس المشاكل الأمنية للسنوات الأخيرة، وبعد أن اتبع قادة الدولة لسنوات طويلة بدءً من ديفيد بن غوريون إلى إسحق رابين نهجًا متعدد السنوات، ركّز على الاستعداد لكل سيناريو، بما في ذلك الأسوأ، مع التخطيط وبناء القوة العسكرية وفقًا لذلك، غيّرت المؤسسة العسكرية والأمنية مسارها خلال العقود الثلاثة الماضية، فأخطأت في تحديد المخاطر، وتجاهلت الحشد العسكري الإقليمي، وعدم الاستقرار السياسي في الدول المجاورة، واكتفت بضمان اتفاقية السلام والردع وحدهما".
وأشارت إلى أن "هذا النهج السلبي هو نقطة البداية لمفهوم الأمن المعيب الذي اتسمت به الفترة الأخيرة للجيش، الذي أدمن على مفهوم "الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية"، رغم نجاحاته التكتيكية هنا وهناك، بجانب فشل استراتيجي سمح لأعدائه بالنمو بقوة غير مسبوقة، وقد أدى تغيير هذا المفهوم سلبًا جوهر الجيش الإسرائيلي وأصبح نمطًا سلوكيًا سمح لأقرب الأعداء، حماس وحزب الله، بالنمو من منظمات عصابية إلى جيوش تُشكّل تهديدًا، تحت غطاء هدوء استراتيجي وهمي".
وأضافت أن "مشكلة أخرى ظهرت خلال الحرب على غزة تمثلت في إفراط اعتماد الجيش على التكنولوجيا، وهذا فشل كبير آخر، رغم أن قدراته التكنولوجية المذهلة غاية في حد ذاتها، لكنها خلقت وهمًا خطيرًا بالسيطرة والأمن، وتخلياً تدريجيا عن الذكاء البشري لصالح أجهزة الاستشعار، والسعي لاستبدال المحارب المناور بأنظمة آلية والروبوتات، والتركيز الكبير على الأسلحة الدقيقة، كل هذا أدى لإضعاف الجاهزية العملياتية، ولحظة الحقيقة، وجد الجيش نفسه معتمدًا كليًا على التكنولوجيا، وفي غيابها أو عند فشلها، انهارت ركائز الدفاع، مما سمح للعدو بالمفاجأة والاختراق بقوة، وهو ما حصل في هجوم الطوفان".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت أن "الجيش يشهد نخبة عسكرية "منتفخة" في الرتب، لكنها فقيرة في العمق الاستراتيجي، وهنا يكمن فشل منهجي خطير آخر في الهيكل الضعيف والقديم لتدريب كبار الضباط والإدارة المهنية لهيئة الأركان العامة، وأدت هذه الترقيات من خلال الانتقال السريع والأفقي من منصب لآخر إلى خلق قادة يفتقرون لركيزة المعرفة المتعمقة، مع غياب نظام منهجي للدراسة والتدريب على المستوى الاستراتيجي والمنهجي، لتطوير قادة ذوي تفكير نقدي بعيد المدى، وغياب التدريب التفاضلي لضباط الأركان مقارنةً بضباط القتال".
وذكرت أن "الجيش يعني من مشكلة خطيرة تتمثل بثقافة تنظيمية قائمة على الخوف والصمت، أسفر عنها إخفاقات عديدة نتيجة لثقافة التنظيم الفاسدة والسامة التي ترسخت في قمّته، وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، واتسمت بالخوف والتكميم، وواجه كبار القادة الذين شككوا في توجيهات رئيس الأركان، أو انحرفوا عنها مخاوف حقيقية بشأن ترقيتهم ومسيرتهم العسكرية، مما خلق واقعًا مشوهًا من التكتم على الحقيقة، وغياب النقد اللاذع، وتجنب تام لعرض سيناريوهات متطرفة أو آراء معارضة، حتى لا يتحدّوا المفهوم السائد، وهذا "الكوكتيل السام" قاد الجيش مباشرةً لواحدة من أكثر الكوارث مخزية ومأساوية في تاريخه صباح السابع من أكتوبر".