نشرت "القناة 12"
الإسرائيلية مقالا للبروفيسور أرييه كاتزوفيتش، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، تناولت فيه النقاشات الإسرائيلية المتصاعدة حول تداعيات الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة
الفلسطينية، والتي أثارت جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض داخل دولة الاحتلال، وسط انقسام حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل "مكافأة لحماس" أو "انتصاراً للصهيونية".
ودعا كاتزوفيتش الإسرائيليين، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إلى "عدم الوقوع في فخ الخطابات الديماغوجية التي تعتبر الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية انتصاراً لحماس كما أعلن رئيس الحكومة ووزراؤه"، مؤكداً أن لهذا الاعتراف مزايا سياسية وأمنية يمكن أن تصب في مصلحة إسرائيل على المدى الطويل.
وأوضح أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب ذات البنود العشرين لإنهاء الحرب في
غزة، تُظهر إمكانية وجود مسار تدريجي ومراقب لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ضمن عملية سياسية يمكن أن تبدأ مع نهاية الحرب الحالية.
وأشار كاتزوفيتش إلى أن هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 "قضى على وهم إدارة الصراع"، وأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 12 أيلول/سبتمبر 2025، باعتماد "إعلان نيويورك" الصادر في 30 تموز/يوليو، يعكس هذا التوجه الجديد. وأوضح أن الإعلان دعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الحرب، ونزع سلاح حماس، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، ونقل السيطرة على القطاع إلى السلطة الفلسطينية بإشراف دولي، بعد مرحلة انتقالية تشمل قوات حفظ سلام دولية وحكومة تكنوقراط غير سياسية.
وأضاف أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يمكن أن يمثل من منظور إسرائيلي دعما لرؤية بعيدة المدى لحل الصراع، موضحاً أن مقارنة بين دعم خطة التقسيم عام 1947 ودعم مبدأ الدولتين عام 2025 تظهر تحولا جذرياً في المواقف الدولية، إذ صوت 142 عضواً لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل 10 معارضين، فيما امتنعت 12 دولة وغابت 25، مؤكدا أن ذلك يعزز الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كدولة ذات سيادة على 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية.
وبيّن كاتزوفيتش أن هذا الاعتراف يشكل في الوقت ذاته نبذا لخيار "الكفاح المسلح" الفلسطيني، مضيفا أن تحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيسهم في تطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية كافة، كما يمثل "خارطة طريق سياسية" واضحة لإنهاء الصراع سلميا.
ورأى أن الاعتراف الإسرائيلي بدولة فلسطينية يتقاطع مع الشروط التي حددها بنيامين
نتنياهو في خطابه بجامعة بار إيلان عام 2009، والتي تضمنت ضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ"الدولة اليهودية"، وتخليهم عن "حق العودة"، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
وأضاف أن من مزايا هذا الخيار أيضا تحميل الفلسطينيين مسؤولية إدارة الدولة ومحاربة العنف ورفض أيديولوجية حماس، مشيراً إلى أن التجربة اللبنانية بعد تحييد القوة العسكرية لحزب الله قد تكون مثالاً مشجعا.
في المقابل، استعرض الكاتب العوامل الإسرائيلية الرافضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، موضحا أن أول هذه العوامل هو "عدم قبول الفلسطينيين بوجود سياسي لليهود في أراضيهم المحتلة"، سواء في "النسخة العلمانية" لمنظمة التحرير أو "النسخة الدينية" لحماس، إذ "لم يتخلوا عن حلم القضاء على إسرائيل".
أما العامل الثاني، وفق كاتزوفيتش، فهو أن السلطة الفلسطينية "تفتقر حالياً إلى القدرة والرغبة في إدارة دولة مستقلة"، ما قد يجعل قيامها "أساساً لمقاومة جديدة تسيطر فيها حماس على الضفة الغربية ويُعاد سيناريو هجوم السابع من أكتوبر"، في حين يتمثل العامل الثالث في أن الفلسطينيين "لن يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح".
وأوضح الكاتب أن البدائل الإسرائيلية المطروحة لرفض الدولة الفلسطينية تشمل "إحياء الخيار الأردني" بإقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية، رغم أن الأردن يشترط قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل أي شكل من التعاون.
وأضاف أن دولة الاحتلال، إن رفضت هذا المسار، قد تجد نفسها أمام خيار ضم الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها ستواجه معضلة سياسية وديموغرافية تتمثل في التعامل مع أكثر من خمسة ملايين فلسطيني.
وأكد كاتزوفيتش أن إسرائيل، في حال رفضها منح الفلسطينيين الجنسية، ستتحول قانونيا إلى "دولة فصل عنصري" تواجه عزلة دولية شبيهة بجنوب إفريقيا في التسعينيات، مشيرا إلى أنه في حال اتباعها سياسات مشابهة للدول السلطوية مثل الصين في التبت أو روسيا في القرم، فإنها ستبني ما سماه "إسرائيلستينا"، أي دولة ديمقراطية بين البحر والنهر لكنها لن تكون يهودية بعد الآن.
وختم الكاتب مقاله بالقول إن جميع الخيارات الإسرائيلية البديلة للاعتراف بالدولة الفلسطينية "قد تكون ضد المشروع الصهيوني"، موضحا أن قيام دولة فلسطينية يحتاج من 5 إلى 10 سنوات ويتطلب ضمانات أمنية دولية ومفاوضات تفصيلية بدعم من المجتمع الدولي، بينما الخيارات الأخرى "تضع دولة الاحتلال أمام خطر الحرب الأبدية أو تفككها الداخلي أو نهاية الصهيونية ذاتها".