مع توالي الاعترافات الدولية بالدولة
الفلسطينية، بدا الاحتلال
الإسرائيلي في حالة غضب شديدة، متهماً المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الغربية، بأنه ما زال عالقاً في أجواء عام 1993 حين وُقّعت اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين، بزعم أنها فقدت أهميتها منذ وقت طويل.
ويرى قادة الاحتلال، وفق ما ورد في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، أن الدرس المستفاد من
غزة يُظهر أن أي دولة فلسطينية منزوعة السلاح ستقع سريعاً في أيدي أعداء إسرائيل، ولهذا يقترح الإسرائيليون بديلاً يتمثل في تبادل أراضٍ وتقاسم للمسؤوليات الإقليمية مع الدول المجاورة.
وفي هذا السياق، قال الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، إن "الغضب الدولي تجاه دولة الاحتلال بسبب استمرار حرب الإبادة في غزة ترجم نفسه إلى تهديدات حقيقية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية". وأضاف أن هذا الاعتراف "يُصوَّر صراحةً كإجراء عقابي ضد إسرائيل، رغم أن هذه الدول، ودولاً أخرى كثيرة، لطالما ادّعت لعقود أن إقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين هي بالأساس مصلحة إسرائيلية"، متسائلاً: "هل الاعتراف يُعاقب دولة الاحتلال أم يُفيدها؟".
توريط مصر والأردن
وأضاف الجنرال غيورا آيلاند، في
مقال نشره موقع "ويللا" العبري وترجمته "عربي21"، أن "فكرة حل الدولتين ليست جديدة، فقد طُرحت أول مرة من قِبَل لجنة بيل عام 1937، ثم في خطة التقسيم عام 1947، وفي كلتيهما رفض الفلسطينيون والعرب هذه الفكرة، ولم يُعَد طرحها للنقاش إلا في عام 1993".
وأوضح آيلاند أنه "بين عامي 1967 و1993 دارت نقاشات محتدمة بين حزبي الليكود والعمل حول الحل الأمثل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ أيّد الليكود تطبيق الضمّ الكامل على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً بلدياً، بينما أيّد حزب العمل تسوية إقليمية مع الأردن، تُقسّم بموجبها أراضي الضفة بين تل أبيب وعمان".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار أنه "كان للحزبين الرئيسيين وجهات نظر متباينة تمامًا، لكنهما عارضا بشدة حل "الدولتين"، وفي عام 1993، أطلق عدد من الإسرائيليين والفلسطينيين خطةً أحيت فكرة "الدولتين": من خلال اتفاق أوسلو، الذي استند لأربعة مقترحات: أولاها تحقيق حل الصراع في المنطقة الضيقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وثانيها يتطلب الحل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وثالثها أن تكون غزة والضفة جزءًا من الدولة الفلسطينية ذات السيادة، ورابعها أن تستند الحدود بين دولتي الاحتلال وفلسطين إلى خطوط ١٩٦٧ القائمة قبل حرب حزيران".
وأوضح أنه "لم يُدرس أحدٌ بجديةٍ مدى صحة قبول هذه المقترحات الأربعة دون دراسة، لأن قبولها التلقائي يُنتج حلًا واحدًا دون أي مرونة، حتى الرئيس دونالد
ترامب، الذي حاول تصور خطة ثورية في ولايته الأولى، "خطة القرن"، اعتبر المقترحات الثلاثة الأولى من خطة أوسلو أمرًا مفروغًا منه".
خيارات الاسرائيليين
وأضاف أنه "منذ عام 1967، انقسم المجتمع الإسرائيلي بشأن قضية حل الدولتين إلى ثلاث مجموعات: أولاها تدعمه، بل وترى أنه الحل الوحيد الممكن، لكن نسبتها انخفضت بشكل رئيسي منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، وازداد الانخفاض منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، والثانية تدعم بقيادة بيتسلئيل سموتريتش تطبيق الضمّ الكامل في الضفة".
وأشار أن "المجموعة الاسرائيلية الثالثة، وهي في مركز الحلبة السياسية تعتقد أنه يجب البحث عن حل ما، ولكن بما أن حل الدولتين غير عملي في المستقبل القريب، فمن الأفضل الاستمرار في إدارة الصراع، بدلاً من محاولة إنهائه، وتعارض توسيع المستوطنات، لأنها ستغلق الباب أمام حل مستقبلي".
وأوضح أن "هذا النهج الرابع ممكن فعلا، لأنه لا يعتمد على شروط أوسلو الأربعة، ويدعم كلا الحلّين، أولاهما إعادة النظر في التسوية الإقليمية مع الأردن، ليتم ضم ربع أراضي الضفة للاحتلال، لكن معظمها سيكون جزءًا من اتحاد فيدرالي بين الأردن والضفة، أي إنشاء ما يشبه "الولايات الأردنية المتحدة"، وهو اتحاد فيدرالي من الضفتين الشرقية والغربية، ويمكن أن تكون غزة جزءًا ثالثًا".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن "الحل الثاني يكمن في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بافتراض أن جزءًا فقط منها سيكون في الضفة، والأجزاء الأخرى على حساب أراضي الأردن ومصر وغزة، ويتضمن تبادلًا للأراضي بين خمسة أطراف: الاحتلال، والأردن، وفلسطين، ومصر، والسعودية".
وأشار أن "الدول الغربية تقترح مرارًا وتكرارًا حل الدولتين لإنهاء الصراع، مع أن المرة الوحيدة التي أقيمت فيها دولة فلسطينية كانت في 2006 بعد الانسحاب من غزة، فأصبحت دولة بحكم الأمر الواقع بكل سمات الدولة ذات السيادة، بما فيها حكومة مركزية فعالة بجيشها الخاص، وسياسة خارجية مستقلة، لكن نتائجها ظهرت جليةً في هجوم حماس في أكتوبر 2023".
تهديد وجود الاحتلال
وأوضح أنه "خلافا لما يعتقده الغرب، فإن المقاومة الفلسطينية ليست نتيجة اليأس، بل عكس ذلك تمامًا، فهي تنبع من أمل انهيار دولة الاحتلال، التي لا ينبغي أن يكون ردها الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية هو ضم الضفة، أو جزء منها، وليس مواجهة إعلامية مسيئة بين رؤساء الدول المؤيدين للاعتراف بدولة فلسطينية، بل يستند على حوار سياسي حقيقي يكون من الصحيح فيه طرح جملة من الادعاءات المباشرة".
وأضاف أن "أولى هذه الادعاءات أنه إذا أقيمت دولة فلسطينية في الضفة، ولم يكن جيش الاحتلال موجودًا فيها، فيرجح أن تقع في أيدي حماس في وقت قصير، وتثبت تجربة غزة واستطلاعات الرأي العام ذلك، وثانيها أن حدود 1967 ليست قابلة للدفاع عنها، والادعاء بأن فلسطين ستكون أضعف من دولة الاحتلال، وبالتالي لن تهدد وجودها غير صحيح، ولو فقط بسبب أحداث انتفاضة السابع من أكتوبر، وبالتالي فإنها مُحاطة بالأعداء أو الأعداء المحتملين في دائرة نصف قطرها 2000 كيلومتر".
وأشار أن "الادعاء الثالث يكمن في أنه حتى 30 عاما مضت، كان يمكن القول إن أمن الاحتلال سيكون مضمونا إذا كانت الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، لأنه في تلك السنوات، كان التهديد العسكري قائمًا على وجود الدبابات والمدفعية والطائرات المقاتلة في أيدي العدو، ومن السهل نسبيًا التأكد من افتقار الدولة الفلسطينية لهذه الوسائل، لكن التهديد العسكري اليوم قائم على المُسيرات، والطائرات بدون طيار، والصواريخ المتطورة المضادة للدبابات والطائرات، وغيرها، وهذه الوسائل يسهل تهريبها وإخفاؤها".
اظهار أخبار متعلقة
وختم بالقول إن "الاستنتاج من هذه الادعاءات بأن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح سيفقد كل معناه، لأنه يمكن السيطرة على طولكرم من أسطح المنازل باستخدام صواريخ كورنيت مُحسّنة، مما سيشلّ حركة دولة الاحتلال".
تكشف هذه القراءة الإسرائيلية المطولة أنه خلافًا لما تعتقده الدول الغربية، فإن الروح الفلسطينية لم تكن قط إقامة دولة فلسطينية صغيرة مقسمة بين الضفة وغزة، بل تدمير دولة الاحتلال، ولذلك فإن حل الدولتين بصيغته التقليدية يُسهّل على الفلسطينيين تحقيق هذا الهدف، وبالتالي فهو غير ممكن من منظور دولة الاحتلال، وفقا لذات القراءة التي تقترح الدخول في حوار مع المجتمع الدولي حول هذه المسألة، بدل التورط في أزمات سياسية متلاحقة بدأت خلال الساعات الأخيرة مع توالي الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.