قضايا وآراء

نفرح لنهاية الكابوس ونحذّر من فخاخ ترامب

قطب العربي
"تقع المسئولية على الدول العربية والإسلامية التي تبنت خطة ترامب"- الأناضول
"تقع المسئولية على الدول العربية والإسلامية التي تبنت خطة ترامب"- الأناضول
من حقنا بل من واجبنا أن نشارك المكلومين في غزة فرحتهم بانتهاء كابوس العدوان، والدمار والإبادة، ومن حق أهل القطاع أن يعيشوا في أمن، بعيدا عن حمم القذائف والرصاص، ومن حقهم أن يعودوا إلى مناطق سكنهم رغم أن بيوتهم مدمرة، فهم قانعون مبدئيا بإقامة خيام مهلهلة على أنقاض بيوتهم أو بجوارها حتى يتوقف القتال، وتبدأ عمليات الإعمار، ومن حقهم تلقي ما يكفي من غذاء، ودواء، وملابس، ومساكن جاهزة بشكل عاجل، من حقهم أن يناموا أخيرا دون فزع، وأن يعالجوا جرحاهم ويواروا جثامين شهدائهم، وأن يطعموا أطفالهم وينقذوهم من الموت جوعا.

لكننا مع كل ذلك لا بد أن نكون حذرين من الفخاخ التي ينصبها الرئيس ترامب، فلم يكن منطقيا أنه هلل لموافقة حماس على مبادرته، وأعاد نشرها على صفحته بكل ما تحمله من مضامين ومصطلحات مثل العدوان وحرب الإبادة، رغم أن حماس لم توافق على بنودها العشرين كاملة، بل على عدد محدود منها، مع ترك البنود الأخرى لحوارات ومفاوضات بين الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية من ناحية، ومع الوسطاء من ناحية ثانية.

لا بد أن نكون حذرين من الفخاخ التي ينصبها الرئيس ترامب، فلم يكن منطقيا أنه هلل لموافقة حماس على مبادرته، وأعاد نشرها على صفحته بكل ما تحمله من مضامين ومصطلحات مثل العدوان وحرب الإبادة، رغم أن حماس لم توافق على بنودها العشرين كاملة

كانت أولوية ترامب ولا تزال هي إطلاق سراح "الرهائن" الإسرائيليين دفعة واحدة أحياء وأمواتا، يريد بذلك أن يظهر بمظهر من فعل ما عجز عنه العالم كله، وهو يسابق الزمن للفوز بجائزة نوبل التي ستعلن أسماء الفائزين بها في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رغم أن ترشيحه من بعض الدول جاء بعد إغلاق باب الترشيح (31 كانون الثاني/ يناير)، إلا أنه يعتبر نفسه فوق القواعد والإجراءات، والخوف أنه إذا لم يفز بالجائزة -وهو المتوقع وفقا للإجراءات الرسمية حتى الآن- فإنه سينقلب على عقبيه، ويتنصل من تعهداته ومبادرته بأي ذرائع.

أرسل ترامب مندوبه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وزوج ابنته جاريد كوشنر؛ إلى مصر للمشاركة في مفاوضات عالية المستوى غدا، يحتمل أن تجري في مدينة العريش القريبة من غزة، والتي يفترض وفق خطة ترامب أن تكون مقر الإدارة الدولية للقطاع (المعلن إعلاميا أن المفاوضات ستكون في شرم الشيخ)، وسيشارك في المفاوضات لبدء تنفيذ الاتفاق وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر على رأس وفد رفيع، كما يشارك فيها ممثلون كبار لدول الوساطة. حمل المبعوثان الأمريكيان تكليفا من ترامب بسرعة إنجاز المهمة خلال جلسة واحدة قد تمتد ليوم أو يومين فقط، بل إن ترامب غرد مجددا مهددا حماس هذه المرة، ورحب في تغريدته بوقف القصف الإسرائيلي الذي اعترف في تغريدة لاحقة أنه سيبدأ بعد موافقة حماس على خريطة الانسحاب، ثم طلب من حماس "التحرك بسرعة وإلا ستصبح كل الاحتمالات واردة"، وأنه لن يسمح بأي تغيير.

تضمنت مبادرة ترامب ضرورة إطلاق "الرهائن" خلال 72 ساعة، وهو أمر غير ممكن عمليا، وقد وافقت حماس على ذلك مع ربطه بتوفير الظروف الميدانية المناسبة، حيث إن هؤلاء الأسرى سواء الأحياء أو الجثث لا يوجدون في مكان واحد، وليسوا في حوزة حماس وحدها، والوصول إليهم يحتاج لأسبوع تقريبا، مع توقف حقيقي وكامل للقصف، وانسحاب جيش الاحتلال من الأماكن التي يتواجدون فيها، وتوقف الطيران والرصد فوق القطاع، بينما يصر جيش الاحتلال حتى الآن على التمسك بمواقعه التي احتلها بالفعل!!

لا يمكننا الزعم بأن موافقة حماس (رغم تحفظاتها) تعد انتصارا، ولكن لا يمكننا أيضا اعتبارها هزيمة، هي محض مناورة لتجاوز كارثة يعانيها أهل القطاع، وبموجب هذه المناورة قدمت حماس ما في يدها وهو عملية تبادل الأسرى، وأحالت بقية الأمور إلى التفاوض ضمن إطار وطني فلسطيني جامع

التخوف الرئيس أن تقتصر الصفقة على المرحلة الأولى وهي تبادل الأسرى، ثم يتنصل الكيان الصهيوني، وبدعم من ترامب نفسه من المراحل التالية تحت أي ذرائع، وستكون أبرزها امتناع حماس عن تسليم جميع أسلحتها، واستمرار قياداتها داخل غزة، حيث سيبقى جيش الاحتلال داخل غزة حتى يتم ذلك، وهنا ستقع المسئولية على الدول العربية والإسلامية التي تبنت خطة ترامب.

لا يمكننا الزعم بأن موافقة حماس (رغم تحفظاتها) تعد انتصارا، ولكن لا يمكننا أيضا اعتبارها هزيمة، هي محض مناورة لتجاوز كارثة يعانيها أهل القطاع، وبموجب هذه المناورة قدمت حماس ما في يدها وهو عملية تبادل الأسرى، وأحالت بقية الأمور إلى التفاوض ضمن إطار وطني فلسطيني جامع. وفي كل الأحوال، فإن الوصول إلى هذه النقطة هو محطة على طريق نضال فلسطيني ممتد منذ العام 1948، وليست آخر المطاف.

لقد تشاورت حماس مع غيرها من فصائل المقاومة ومع الوسطاء قبل إعلان هذا الموقف، وتلقت دعما وتأييدا لخطوتها من كل الفصائل الفلسطينية، وشمل ذلك سلطة الحكم الذاتي نفسها، والآن تنقل المسئولية عما تبقى من قضايا كبرى إلى الإطار الفلسطيني الأوسع الذي يفترض أن يضم كل الفصائل وفقا لإعلان بكين الموقع في 23 تموز/ يوليو 2024؛ بمشاركة 14 فصيلا بينها فتح وحماس، والذي تضمن دعوة لوحدة وطنية شاملة لكل القوى والفصائل الفلسطينية "في إطار منظمة التحرير"، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس "طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة"، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه "وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة"، وأن يتم تشكيل "حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل وبقرار من الرئيس الفلسطيني".

شاء الله أن يظل يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (ذكرى طوفان الأقصى) نقيا، لم يستطع نتنياهو وجحافله تدنيسه، فقد كان يخطط لاجتياح واسع يتمكن من خلاله من تحرير الأسرى بالقوة، وتدمير أنفاق غزة، والوصول إلى مصانع ومخازن السلاح وقادة المقاومة، ليعلن انتصاره النهائي في المعركة يوم 7 تشريت الأول/ أكتوبر 2025، لكن حلمه تحطم على صخرة المقاومة، وستظل هذه الذكرى مصدر فخر وإلهام للفلسطينيين وأنصارهم في العالم، بينما ستظل مصدر ألم وحسرة لنتنياهو ورجاله.

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)

خبر عاجل