اقتصاد عربي

صندوق النقد يبرئ ساحته من رفع سعر الوقود ويكشف خديعة حكومية للمصريين

الصندوق قال إنه يشجع خفض التضخم- عربي21
الصندوق قال إنه يشجع خفض التضخم- عربي21
بينما يتهيأ المصريون لقرار حكومي بزيادة متوقعة في أسعار الوقود، فاجأ صندوق النقد الدولي الجميع بتأكيده أنه لم يوص بمثل هذا القرار، وأن حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، هي من قررت تلك الزيادة.

والاثنين الماضي، قال ممثل صندوق النقد الدولي المقيم في القاهرة، أليكس سيجورا-أوبيرجو، بكلمة له في "المركز المصري للدراسات الاقتصادية" بالقاهرة، إن "الصندوق لا يوصي برفع الأسعار"، وأن كل ما "نريده أن تظل تحت السيطرة"، مضيفا: "بل على العكس، يساند الصندوق استمرار خفض التضخم"، مؤكدا أن الصندوق يطالب مصر، بـ"ضرورة التوسع في برامج الحماية الاجتماعية".

المسؤول بالمؤسسة الدولية المقرضة لمصر بقيمة 28 مليار دولار، انتقد تراجع برنامج الطروحات الحكومية، وتنفيذ سياسة ملكية الدولة، محذرا من اعتماد مصر على الأموال الساخنة.

حديث سيجورا-أوبيرجو، أثار جدلا في أوساط الاقتصاديين، لكن إعلانه براءة الصندوق من طلب رفع أسعار الوقود استفز مصريين، ودفعهم لتوجيه اللوم للحكومة، منتقدين إجراءاتها التقشفية بحق المصريين، ومخالفة تصريحاتها السابقة، بهذا الشأن.

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قد قال: لو أن "أسعار البترول لم تزد عن 73 دولارا للبرميل فلن نحتاج إلى رفع جدي
د لأسعار الوقود".

والاثنين الماضي، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 2.42 دولار، أو 3.5 بالمئة، لتصل إلى 67.71 دولار للبرميل.

وخفضت الحكومة تقديراتها لسعر البترول بموازنة (2025/2026)، إلى 77 دولارا للبرميل بانخفاض عن موازنة العام المالي الماضي بـ5 دولارات، فيما تستهدف خفض مخصصات دعم الوقود لـ75 مليار جنيه.

وتصل بعثة من صندوق النقد الدولي إلى مصر هذا الأسبوع لاستكمال المراجعتين الخامسة والسادسة لاتفاق قرض المليارات الثمانية، والذي شهدت مراجعته الخامسة إرجاءا لعدم تحقق اشتراطات الصندوق، ما تبعه وقف صرف الشريحة الخامسة من القرض 1.2 مليار دولار.

زيادة كبيرة وتطمينات غير مقنعة للسوق

يترقب السوق المحلي قرارا حكوميا برفع أسعار الوقود في تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كان قد أعلن عنه رئيس الوزراء قبل أسبوعين، مؤكدا أنها زيادة تنضوي تحت وصف الزيادات الكبيرة لأسعار الوقود، لكنه حاول طمأنة المصريين بأنها قد تكون الزيادة الكبيرة الأخيرة.

وفي محاولة ثانية لتقليل حالة القلق التي تنتاب السوق، وفي ظل توجه حكومي للإلغاء الكامل للدعم بنهاية 2025، أعلن مدبولي، أنه لا زيادة هذه المرة في سعر السولار، وأنه سيتم الاحتكام إلى آلية التسعير التلقائي طبقا لأسعار السوق وسعر خام برنت وسعر الدولار.

وزير البترول كريم بدوي، هو الآخر سعى لإيصال رسالة طمأنة للسوق الذي يواجه حالة اضطراب في كل قطاعات النقل والمواصلات وغيرها، بإعلانه في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع، أن الزيادة المقبلة في أسعار الوقود لن يتبعها زيادة أخرى في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

ووفق نشرة "انتربرايز" تدرس الحكومة إعفاء اسطوانات الغاز الشائع استخدامها في الطهي -1.2 مليون اسطوانة غاز يوميا- من زيادات أسعار الوقود المقبلة.

في حين تتوقع النشرة الاقتصادية اليومية أن تتحمل منتجات الوقود الأخرى حصة أكبر من زيادات الأسعار لتعويض تثبيت سعر السولار الأكثر استخداما في النقل العام والزراعة للمساعدة في احتواء التضخم، ما يشير وفق مراقبين، إلى احتمال إقرار زيادة صادمة للمصريين في أسعار البنزين بأنواعه.

القرار وأعباء المصريين والسخط الشعبي

الزيادة المرتقبة بأسعار الوقود تأتي، مع انتظام حوالي 28.8 مليون طالب مصري بالتعليم قبل الجامعي و3.8 مليون طالب بالتعليم العالي، منذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، ما يتزامن مع تكاليف للمصروفات الدراسية والكتب الرسمية والخارجية والملابس وغيرها.

وفي ذات التوقيت من العام الماضي، اتخذت الحكومة المصرية قرارا مماثلا برفع أسعار المواد البترولية في 18 تشرين الأول/ أكتوبر بنسبة بين 11 و17 بالمئة، وذلك للمرة الثالثة العام الماضي.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود، لتشمل جميع أنواع البنزين والسولار بزيادة كبيرة وموحدة بقيمة 2 جنيه للتر لكل نوع.

وبالقرار المتوقع خلال أيام، تسجل زيادات أسعار الوقود بالبلاد المرة الـ20 منذ بدء عمل لجنة التسعير تموز/ يوليو 2019.

وحملت القرارات السابقة زيادة إجمالية بلغت 181 بالمئة للسولار، (ارتفع من 5.50 لـ15.50 جنيها للتر)، و186 بالمئة لبنزين 80 (من 5.50 إلى 15.75 جنيه)، و155 بالمئة لبنزين 92 (من 6.75 إلى 17.25 جنيه)، و145 بالمئة لبنزين 95 (من 7.75 جنيهات إلى 19 جنيه).

وبينما يحتشد مئات من طلاب وطالبات جامعة الزقازيق وفرع الأزهر بعاصمة محافظة الشرقية الأكثر سكانا بعد القاهرة والجيزة، على طول طريق مشتول السوق منياالقمح الزقازيق، لا حديث للطلاب وسائقي الميكروباص إلا عن الزيادة المرتقبة بسعر الوقود، مؤكدين أنه سيتبعها زيادة بأجرة الركوب بقيمة 5 جنيهات.

يؤكد عبدالمنعم، وهو سائق خمسيني، أن "هناك مخاوف كبيرة من تلك الزيادة، خاصة وأنها ستكون كبيرة كما أعلنت الحكومة، ولأنها تأتي في بداية العام الدراسي، ما يزيد من أعباء ملايين المصريين".

وألمح إلى أن "هناك سائقين قاموا بتخزين كميات من البنزين والسولار والزيوت"، متوقعا "موجة ارتفاع واسعة في جميع أنواع السلع وبينها قطع الغيار"، قائلا: "الكل يتحجج بزيادة البنزين ويرفع الأسعار".

وأجمع هو عدد من السائقين، على أن "إصرار الحكومة على رفع سعر الوقود يضر بأكل عيش المصريين، ويضاعف أزماتهم المعيشية، ويفاقم حالة الغضب الشعبي من النظام"، ملمحين إلى أن "كل زيادة يتبعها صدام وشجار واسع بين السائقين والركاب".

لهذا يتخوف المصريون

وتوقع البعض حدوث موجة تضخمية كبيرة بعد رفع أسعار الوقود، مشيرين إلى أن الزيادة من القرارات الاقتصادية التي تؤدي لارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل في جميع القطاعات نتيجة ارتفاع تكلفة التشغيل للشاحنات والمركبات، مما يؤدي إلى زيادة الأجرة ورسوم الشحن.

ويؤكد متعاملون في السوق، أنه على الفور ترتفع أسعار النقل البري للأفراد من سيارات الأجرة، والأتوبيسات، والميكروباص، وللبضائع، ما يتبعه رفع بأسعار الخضراوات والفواكه والسلع الطازجة، وزيادة تكلفة خدمات التوصيل والشحن والأنشطة التي تستهلك الوقود.

ويوضح خبراء، أن التكلفة المرتفعة للوقود تنتقل لجميع مراحل سلاسل الإمداد والإنتاج، حيث ترتفع أسعار الخبز، والألبان، والسكر، والزيوت، واللحوم والدواجن، بفعل زيادة تكلفة نقل المواد الخام، وتشغيل المصانع، وتوزيع المنتج النهائي.

الأمر يصل في قراءتهم لنتائج الارتفاعات السابقة لأسعار الوقود، للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، حيث تتأثر صناعات الأسمنت والحديد والبتروكيماويات، خاصة إذا كانت الزيادة تشمل الوقود الصناعي كالمازوت والغاز الطبيعي.

ويلفتون إلى أن النتيجة النهائية لهذه الزيادة تقع على كاهل المواطن، وتتمثل في تآكل قدرته الشرائية، حيث يضطر لدفع مبالغ أكبر مقابل نفس الكمية من السلع والخدمات الأساسية، مما يضغط على ميزانيات الأسر ويزيد من حدة الضغوط المعيشية.

حجم المكاسب الحكومية

الهدف الحكومي الرئيسي المعلن من رفع أسعار الوقود، وتقليص مخصصات دعم المواد البترولية هو تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، التي تشير أرقامها الرسمية حول دعم المواد البترولية بموازنة عام (2024-2025) لتخصيص 147 مليار جنيه، مقارنة بـ130 مليار جنيه بالسنة المالية السابقة.

إلى ذلك أعلنت جهات حكومية عقب زيادات أسعار الوقود في الربع الأول من العام الجاري، إلى تحقيق وفرا يقدر بـ35 إلى 36 مليار جنيه بميزانية السنة المالية (2024-2025).

وتلفت تصريحات حكومية، إلى أن الزيادة المستمرة بأسعار الوقود تهدف إلى تقليل الفجوة بين سعر بيع الوقود للمستهلك المصري وبين تكلفة إنتاجه واستيراده، ما يجعل الحكومة تحقق هامش ربح من عوائد بيع البنزين بشكل خاص.

وتستورد مصر نحو 40 بالمئة من استهلاك السولار و50 بالمئة من البوتاجاز و25 بالمئة من البنزين، بالعملة الصعبة التي تضاعف سعر صرفها في مصر خلال عهد السيسي، مقابل الجنيه من 7 إلى نحو 48 جنيه رسميا.

وفي عهد السيسي، تضاعف سعر (بنزين 80) من 80 قرشا إلى 15.75 جنيه، ومن 2.6 الى 17.25 تحرك سعر (بنزين 92)، ومن 1.8 إلى 15.25 وصل سعر السولار، كما ارتفع سعر أنبوبة الغاز المنزلي من 7 جنيهات إلى 200 جنيها.

غياب الشفافية
الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أجاب على السؤال الذي طرحه كثير من المصريين: "كيف يكشف تصريح مسؤول صندوق النقد عن خديعة الحكومة المصرية للمصريين في ملف رفع أسعار الوقود؟".

الباحث الاقتصادي قال: "أظن أن هذه إحدى الأدوات التي تكشف عن عدم الشفافية في الإدارة الاقتصادية بمصر"، موضحا أنها "ليست الحالة الأولى؛ فهناك الكثير من الملفات الاقتصادية تحتاج إلى كثير من الشفافية المالية إلى جانب ملف الدعم".

ولفت إلى ضرورة وجود شفافية حكومية في "ملف الديون"، مؤكدا أنه "من الملفات الكبيرة التي تحتاج هذه الشفافية لمعرفة كيف تم الحصول على هذه الديون والاتفاقيات الخاصة بها؟، وكيف تم التصرف فيها؟، والعقود الخاصة بالمشروعات، وما إلى ذلك؟".

أهمية الرقابة

ويعتقد أن "هذا التصريح من قبل مسؤول صندوق النقد الدولي بأنهم لم يطلبوا من مصر هذه الزيادة؛ فيه دلالة على أن الحكومة لا تعبأ بأحد، ولا بالمؤسسات الرقابية المتمثلة في البرلمان، ولا بمؤسسات المجتمع المدني، ولا بالمشكلة الكبيرة التي يئن منها المواطن، وهي تفاقم أعباء المعيشة".

وأوضح أن "هذه القضية تطرح أهمية وجود رقابة حقيقية في مصر من الأجهزة الرقابية الرسمية أو المتمثلة في البرلمان أو مؤسسات المجتمع المدني".

وتساءل "عن رد فعل المواطن، وهل يقبل بهذه الزيادة؟، خاصة وأن أسعار النفط أقل من 70 دولارا بالأسواق الدولية؛ ما يجعل الزيادة غير مبررة"، داعيا "المجتمع المدني بأن يكون له دور في رفض هذه الزيادة، وتصحيح الوضع وتعديل مسار إدارة الاقتصاد".

براءة الخارج وسباق الداخل

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبَّر اقتصاديون ونشطاء عن صدمتهم من إعلان صندوق النقد براءته من الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود.

الكاتب الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، كتب يقول: "الصندوق بيلبس الحكومة في الحيط، ندل وجشع كعادته"، فيما وصف المحامي طارق العوضي الأمر بأنه "مفارقة"، مضيفا: "وكأن الخارج صار يبرئ نفسه، والداخل يتسابق في تحميل المواطن أعباء إضافية"، متسائلا: "أيُعقل أن يكون صندوق النقد أحنّ على الناس من حكوماتهم؟".

وتساءل البعض عن كيفية حساب معادلة تسعير الحكومة للوقود؟، وعن مقدار السعر العادل وغير المدعوم للبنزين والسولار واسطوانات الغاز وغيرها؟.

وتداول البعض قائمة بالمصاريف اليومية لأسرة مصرية مكونة من 5 أفراد، كي تبقى على قيد الحياة، أي دون حد الفقر، ودون الأعباء الأخرى التي تعد رفاهية عند غالبية الشعب المصري.



التعليقات (0)

خبر عاجل