اقتصاد عربي

ما المخاطر الأمنية والاستراتيجية من بيع مصر مجمع "البيانات الإقليمي" لشركة بريطانية؟

الاستحواذ الاستثماري للشركات الاجنبية في مصر بين جذب الاستثمارات وحماية المنشآت- عربي21
الاستحواذ الاستثماري للشركات الاجنبية في مصر بين جذب الاستثمارات وحماية المنشآت- عربي21
منذ وقوع حادث احتراق "سنترال رمسيس"، أحد أهم مراكز الاتصالات وسط العاصمة المصرية القاهرة، في 7 تموز/ يوليو الماضي، بات المصريون يتخوّفون على أمن بياناتهم الشخصية والخاصة بالشركات والقطاعات الحكومية، من التهديدات السيبرانية التي تستهدف البيانات والخدمات الحيوية للدول.

وتجددت  المخاوف، هذا الأسبوع مع إعلان شركة الاتصالات الحكومية الرئيسية في البلاد، قبولها عرض شركة بريطانية للاستحواذ على حصة أغلبية في مركز البيانات الرئيسي التابع لها، ما أثار حالة فزع على بيانات أكثر من 108 ملايين مصري يعيشون في الداخل.

وبحسب إفصاح بورصة مصر، الأحد، قبلت "المصرية للاتصالات" أكبر مشغل اتصالات بالبلاد، عرض "هيليوس للاستثمار" البريطانية (Helios Investments)  للاستحواذ على حصة أغلبية (75 إلى 80 بالمئة) من شركة تابعة لها تتملك "مجمع مراكز البيانات الإقليمي" (RDH) بتقييم إجمالي للمجمع بين (230 و260 مليون دولار).

أهمية المجمع
يقع مجمع (RDH)، بـ"القرية الذكية" (غرب القاهرة)، ويضم 2000 كابينة في 4 مباني لتقديم خدمات استضافة البيانات والحوسبة السحابية والخدمات الرقمية المتقدمة، بأحدث التجهيزات العالمية الخاصة بالطاقة والتبريد وأنظمة الأمان السيبراني، ليكون منصة إقليمية تخدم شركات التكنولوجيا والبنوك والمؤسسات التي تحتاج تخزين ومعالجة بياناتها في بيئة آمنة مثل قطاعات الصحة، والحكومة الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية.

يسهم وجود مركز البيانات الدولي في القرية الذكية، إلى جانب 6 مراكز أخرى بالعاصمة الجديدة والقاهرة والإسكندرية، في جذب الاستثمارات الأجنبية، ولأن مصر تُعد نقطة التقاء رئيسية للكابلات البحرية التي تمر من آسيا وأوروبا إلى إفريقيا.

اظهار أخبار متعلقة


أيضا، يعزز من تنافسية مصر أمام إنفاق كبير للإمارات والسعودية بهذا القطاع، حيث يتصل مجمع (RDH)، بمحطات الإنزال البحرية العشر الخاصة بالمصرية للاتصالات والواقعة على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، بما يتيح له الربط مع 60 دولة من قارات العالم القديم.

وتبين التفاصيل المعلنة عن الصفقة أنها خاصة بـ"المجمع الإقليمي لمراكز البيانات"، لكن طالب مصريون ببيان يقطع الطريق على المخاوف القائمة حول مدى علاقة الشركة البريطانية بباقي أعمال وأصول الشركة "المصرية للاتصالات" وأنشطة البنية التحتية للإنترنت، وشبكات المحمول، والخط الأرضي، التي تعد الشركة المشغل الأول لها.



من هي المستحوذ الجديد؟
تأسست "هيليوس للاستثمار" بالعاصمة البريطانية، لندن، خلال عام 2004، وأصبحت أكبر صندوق استثماري يركز على السوق الأفريقية عبر 40 شركة، وإلى جانب لندن وباريس، لها مكاتب في لاجوس النيجيرية ونيروبي الكينية، وتدير أصولا تزيد عن 3.5 مليار دولار، بمجالات الاتصالات والتكنولوجيا، ومراكز البيانات، والبنية التحتية، والطاقة المتجددة.

وحصلت "هيليوس للاستثمار" البريطانية، بعيدا عن الصفقة الجديدة، على استحواذات سابقة بالسوق المحلي المصري منها في عام 2015 على 40 بالمئة من أول منصة مدفوعات إلكترونية بالبلاد، شركة "فوري" التي تأسست عام 2008.

وفي عام 2018، استحوذت "هيليوس" على 76 بالمئة من شركة "تي باي" المزود لحلول الدفع بالشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، كما شاركت في جولة تمويلية ثانوية بقيمة 50 مليون دولار لشركة "باي موب"، العاملة بمجال التكنولوجيا المالية بمصر.

وفي عام 2019، استحوذت الشركة وصندوق المشروعات المصري الأميركي على 96.7 بالمئة من شركة "مصر هاي تك" الدولية للبذور، المتخصصة في تطوير وإنتاج بذور الذرة.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أعلنت "هيليوس" استحواذها على 49 بالمئة من رأسمال شركة "راية فودز"، التي تعمل بقطاع الأغذية، وتُصدر لأكثر من 50 دولة، وقررت بناء مصنعا بمساحة 25 ألف متر مربع بمدينة السادات (دلتا النيل)، لمعالجة وتصدير الأغذية المجففة بالتجميد.

اظهار أخبار متعلقة


وتثار المخاوف من أن يكون للشركة البريطانية "هيليوس إنفستمنت بارتنرز"، صلة بـ"هيليوس إينرجي للاستثمارات" التي تعمل في استثمارات الطاقة المتجددة في دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2010، ولها مكتب في لندن وحضور في دول منها: المملكة المتحدة، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، وبولندا، وسلوفاكيا، في قطاعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والرياح، والغاز الحيوي، والطاقة من النفايات، وشحن السيارات الكهربائية.

IMG_٢٠٢٥٠٩٠٨_١٧٥٦٥٢.png

خطر أمني.. ولابد من بنود إلزامية
يؤكد الخبير في مجال الإعلام الرقمي والذكاء الصناعي، عمر الشال لـ"عربي21"، أنّ: "هناك خلط بين اسم الشركتين وأن هناك تشابه أسماء بالبحث المعمق"، ملمحا إلى أن "مقر الشركتين في لندن مختلف، وكذلك مجلسي الإدارة والمؤسسين".

وتحدث الشال، عن خطورة شراء الشركة البريطانية حصة أغلبية في مجمع الاتصالات الإقليمي لمراكز البيانات في مصر، لافتا إلى أنّ: "هناك مشكلة كبيرة مع استحواذ شركة أجنبية على البيانات المهمة في مصر".

وأشار أنه "في أغلب الدول تعتبر معلومات المواطنين والمستخدمين من الأمن القومي ولهذا، نجد المشكلة المستمرة بين أمريكا وشركة (بايت دانس) المسئولة عن تطبيق تيك توك، حيث ترفض أمريكا أن تقوم الشركة بمجرد الدخول على معلومات المستخدمين الأمريكيين والموجودة في السيرفرات في أمريكا".

وأوضح أن "العديد من الدول الأخرى تسعى دائما للحفاظ على بيانات مستخدميها وحمايتها داخل أراضي الدولة؛ وعلى النقيض تماما نجد أن مصر ممثلة شركة المصرية للاتصالات تبيع قرابة 75 بالمئة من مجمعها الاقليمي لمراكز البيانات "Data Centers" لشركة بريطانية ما يعطي للشركة حرية الدخول والتعامل مع بيانات الشركات والمستخدمين المصريين بمنتهى الحرية".

إلى ذلك، بيّن الخبير في مجال الإعلام الرقمي والذكاء الصناعي أنه "حتى مع وجود وعود بعمل رقابة من طرف الدولة فإن الرقابة تقوم بالأساس على الجانب الاستثماري للدولة، ولا يوجد أي ذكر لحماية البيانات ولا طريقة الحماية والرقابة"، داعيا "المسئولين المصريين لإعادة النظر في القرار وحماية الأمن القومي الممثل في بيانات الشركات والمواقع والمستخدمين المصريين الموجودين في المجمع".

ولفت إلى أنه "من المفترض أن يكون الهدف من أي استثمار أجنبي في مراكز البيانات بهدف تطوير البنية التحتية وزيادة القدرات، دون المساس بسيادة مصر الرقمية"، مطالبا بـ"وضع بنود إلزامية تضمن بقاء بيانات المصريين تحت إشراف ورقابة الدولة، ومنع أي وصول غير مصرَّح به أو نقل للبيانات خارج الأراضي المصرية، على غرار ما تفعله كبرى الدول لحماية أمنها القومي".

اظهار أخبار متعلقة


ويتزامن عرض الشركة البريطانية للاستحواذ على مجمع مراكز البيانات الإقليمي" (RDH) مع إعلان وزير الاتصالات المصري عمرو طلعت، أن "الهجمات السيبرانية لم تعد تستهدف الأنظمة فقط، بل تمتد لتهدد ثقة المواطنين، وسيادة الدول، واستقرار القطاعات".

وخلال "المؤتمر العربى لأمن المعلومات"، الأحد الماضي،  أكّد أنّ: "تكلفة جرائم أمن المعلومات عالميا بلغ 9.5 تريليون دولار عام 2024"، وموضحا أنّ: "التقارير الدولية تشير لوقوع هجمة فدية (ransomware) كل 11 ثانية".

مخاطر الاستحواذ وفوائده
يحذّر مراقبون مع انتشار عمليات سرقة بيانات ملايين المستخدمين، لأغراض تجارية أو لأغراض تجسس، مع مثل هذا الاستحواذ من "فقدان الدولة السيطرة الكاملة على أصول حيوية للبنية التحتية الرقمية، وتعريض الأمن السيبراني لمخاطر"، ويعتقدون أن "تحكم شركة أجنبية بمركز بيانات إقليمي يضم معلومات حساسة يحد من قدرة القاهرة على إدارة وحماية هذه البيانات".

ودائما ما يلفت خبراء الاقتصاد إلى جانب شديد الأهمية في الاستحواذات الأجنبية على الأصول المصرية ضمن "سياسة ملكية الدولة" بالتخارج من قطاعات هامة من الاقتصاد وبيعها لمستثمرين أجانب أو محليين منذ عام 2022، وهو "خروج معظم العوائد لصالح المستثمر الخارجي بدلا من إعادة استثمارها محليا".

ويتخوفون كذلك من أن "يتعارض تركيز المالك الجديد على الربحية مع أولويات استراتيجية للدولة بينها أسعار الخدمات وأمن القطاعات الحيوية، وذلك إلى جانب مخاطر مستقبلية محتملة حول ملكية المجمع الاستراتيجي، حال ببيع الشركة البريطانية حصتها لأطراف غير مرغوبة استراتيجيا وأمنيا".

وعلى الجانب الآخر، يتحدث البعض عن الفرص الاستثمارية المحتملة مع استحواذ الشركة البريطانية، ومنها "ضخ رأس مال أجنبي يساهم في توسيع وتحديث البنية التحتية لمراكز البيانات، والاستفادة من خبرة الشركة العالمية في الإدارة والتشغيل، وجعل مركزا إقليميا للخدمات الرقمية والحوسبة السحابية، وجذب شركات عالمية لاستخدام مراكز البيانات في مصر".



اختراق وتجسس وسرقة بيانات
وقعت العديد من تلك الحوادث تاركة آثارها على الدول والشركات وقطاعات حيوية، ومنها واقعة اختراق 3 مليارات حساب لشركة "ياهو"، بين (2013 و2014)، الذي تبعه "هجوم إيكويفاكس"، في 2017، على بيانات 147 مليون أمريكي، المالية.

وبين (2014، 2018)، جرت فضيحة (كامبريدج أناليتيكا– فيسبوك)، باستغلال بيانات 87 مليون مستخدم والتأثير على الانتخابات الأمريكية واستفتاء بريكست في بريطانيا عام 2016، ليشهد آيار/ مايو 2017 شنّ قراصنة كوريين شماليين هجوما سيبرانيا أصاب 230 ألف جهاز بـ150 دولة.
وفي 2020، تفجرت حملة التجسس الروسية لاختراق أنظمة 18 ألف مؤسسة بينها وزارات الخزانة، والأمن الداخلي، والطاقة الأمريكية، لتقوم مجموعة DarkSide الروسية في آيار/ مايو 2021، بتعطيل خط أنابيب نفطي أمريكي، لتخترق مجموعة (Hafnium) الصينية 250 ألف خادم في 2021، ليحدث "اختراق أوبر" في 2022.

اظهار أخبار متعلقة


دعم "إسرائيل" في حرب غزة
تشير تقارير وتحقيقات صحفية وتقرير الأمم المتحدة (Special Rapporteur Francesca Albanese) في حزيران/ يونيو الماضي، لتورط شركات عالمية في تزويد دولة الاحتلال الإسرائيلي ببيانات، ومعلومات ذكاء اصطناعي، وخدمات تقنية في حرب الإبادة الدموية التي يرتكبها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ووفق مواد مسربة يجري اتهام "مايكروسوفت" بتوفير خدمات Azure السحابية وخدمات AI (وإمكانية الوصول إلى نماذج OpenAI عبر شراكتها)، لدولة الاحتلال الإسرائيلي، واستخدامها لتخزين ومعالجة كميات كبيرة من بيانات المراقبة والاستخبارات.

وبحسب مواد صحفية استقصائية ساعد "أوبن أي آي"، نماذج ذكاء اصطناعي (GPT وما شابه) جهات إسرائيلية بإمدادات تقنية، فيما يجرى اتهام جوجل/ ألفابت بتقديم (خدمات سحابية وذكاء اصطناعي) وأدوات ونماذج وميزات (مثل قدرات معالجة صور وبحث وخرائط) بمستويات خاصة لتل أبيب.

أيضا، يجري الحديث عن تورط أمازون، في تقديم خدمات سحابية استخدمت لتخزين بيانات استخباراتية وعسكرية إسرائيلية، مع مشاركة "بالانتير" أنظمة تحليل بيانات وذكاء اصطناعي في دعم عمليات عسكرية وإدارية، كما قامت Apple / Waze (جوجل) بتغييرات أو إيقاف لميزات مثل بيانات المرور بناء على طلبات أو تنسيق مع السلطات الإسرائيلية لأسباب أمنية.

اظهار أخبار متعلقة


وتشير الأنباء إلى قيام (ستارلينك/ سبيس إكس) بوضع خدمات الأقمار الصناعية بشكل استخباري أمام السلطات الإسرائيلية، بجانب ما كشفته تقارير الأمم المتحدة عن مشاركة شركات تقنية وبرمجيات ومزودو حلول أمنية مثل IBM بشبكة مزودي أدوات المراقبة والتحليل لدعم الكيان.

وتثير هذه الوقائع مخاوف مراقبين مصريين من تسريب شركة "هيليوس" البريطانية لمعلومات وبيانات إدارية حكومية أو عسكرية أو تجارية أو خاصة بالأفراد، حال استحواذها بحصص حاكمة على "مجمع مراكز البيانات الإقليمي" (RDH) في مصر.
التعليقات (0)

خبر عاجل