في محاولة للخروج من
أزماتها الاقتصادية، انتقلت خطط الحكومة
المصرية من
بيع الأراضي الاستراتيجية شرق،
وغرب، ووسط العاصمة القاهرة، وحول نهر النيل، وبالساحل الشمالي الغربي، إلى طرح
أجمل شواطئ وأراضي ساحل البحر الأحمر على مستثمرين استراتيجيين.
أحدث الأنباء في هذا
الإطار، جاءت عن تشكيل حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لجنة لحصر ومراجعة
الأراضي المطلة على ساحل البحر الأحمر (1941 كم)، لتنهي أعمالها منتصف الشهر
الجاري، تمهيدا لوضع ضوابط
استثمارية جديدة بهدف تعظيم العائد منها.
اظهار أخبار متعلقة
وتأتي الخطوة بالتوازي
مع خطط مصرية لتجهيز مناطق جديدة مطلة على البحر الأحمر لطرحها على المستثمرين
لتطوير مشروعات سياحية وعقارية، على غرار مشروع "رأس الحكمة" بساحل
البحر المتوسط، بحسب "الشرق مع بلومبيرغ".
وبمجرد اكتمال عملية
حصر الأراضي بساحل البحر الأحمر التابع إداريا لمحافظة تحمل ذات الاسم وتطل من
الجانب الغربي على جميع محافظات صعيد مصر، ستقوم "هيئة التنمية
السياحية" بالترويج للفرص الاستثمارية وجذب المستثمرين.
بالفعل، تقدم العديد
من المستثمرين الخليجيين بعروض لإنشاء منتجعات على ساحل البحر الأحمر، وفق نشرة
"إنتربرايز"، الثلاثاء، كما جذبت الخطط الحكومية شركات محلية مثل
"إعمار مصر" و"سوديك" و"أوراسكوم للتنمية" بمشروعات
تمتد على آلاف الأفدنة.
والشهر الماضي، كشف
تقرير لوزارة المالية أن صندوقا سياديا خليجيا سيعلن قريبا عن مشروع
"استثماري كبير" في منطقة "رأس شقير" على البحر الأحمر، يكون
الأول في سلسلة اتفاقيات مرتبطة بالمنطقة الممتدة على مساحة 174 مليون متر مربع
على البحر الأحمر.
أهمية سواحل البحر
الأحمر؟
من حيث الأهمية
الاقتصادية يقع على ساحل البحر الأحمر، موانئ حيوية مثل العين السخنة، وسفاجا،
ومطارات دولية كالغردقة، ومرسى علم، في حين تتميز بوجود البترول والغاز وحتى الذهب
في مناطق جبلية قريبة منها وبينها منجم "السكري"، ما يزيد فرص شركات
التنقيب عن الطاقة والبحث عن المعادن والصناعة والتجارة وتقطيع الحجارة والرخام.
وسياحيا، تُعرف سواحل
البحر الأحمر عالميا بشواطئها الرملية الذهبية والبيضاء ومياهها النقية، والسياحة
الشاطئية، ورياضات الغوص والغطس، والشعاب المرجانية النادرة، والعلاج من أمراض
الروماتيزم والصدفية في رمالها.
وذلك إلى جانب الرؤوس
الجغرافية الاستراتيجية والمحميات الطبيعية مثل "رأس بناس"، والغنيتان
بالبترول مثل "رأس جمسة" و"رأس شقير"، وجميعها محط أنظار
مستثمرين عرب وصناديق خليجية.
خطوات سابقة
وفي سياق البيع وطرح
الأراضي، تقوم الحكومة المصرية بعمليات حصر واسعة لجميع الأراضي في جميع
المحافظات، ليصل الحصر إلى الأراضي المحيطة بنهر النيل في القاهرة والجيزة
والقليوبية، تمهيدا لطرحها على مستثمرين.
كما تواصل الحكومة خطط
بيع الأراضي على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، بعد صفقة "رأس الحكمة"
مع الإمارات في شتاء 2024، وسط أحاديث عن صفقات مماثلة لقطر والكويت.
وذلك إلى جانب طرح وسط
القاهرة وما بها من منشآت حكومية، مع توسع في عمليات طرح الأراضي الصناعية، قبل
رفع أسعارها بقيم وصلت حتى 250 بالمئة من القيم السابقة.
وما بين 2023 و2025،
باعت الحكومة أراضي وسواحل ومرافق بقيمة تصل 15 مليار دولار، إلى جانب 35 مليار
دولار قيمة صفقة "رأس الحكمة"، لحل أزمتها المالية ولسداد فوائد وأقساط
القروض الخارجية، دون جدوى في إزاحة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وفق مراقبين.
رغبة استثمار أم
اضطرار بيع؟
البلد العربي الأكبر
سكانا (108 ملايين نسمة)، وصاحب ثاني أكبر اقتصاد أفريقي وثالث اقتصاد عربي، مثقل
بديون خارجية بلغت 156.689 مليار دولار بالربع الأول من 2025، تستوجب دفع خدمة دين
بقيمة 46.6 مليار دولار بالعام المالي الحالي، و45 مليار دولار بالعام المالي
المقبل.
ومع تفاقم أزمة الدين
الخارجي، تسعى حكومة القاهرة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 42 مليار دولار
خلال العام المالي الحالي، بوسائل بينها طرح الأصول العامة والأراضي الاستراتيجية،
أمام مستثمرين استراتيجيين، وصناديق خليجية كانت الأكثر استحواذا على تلك الأصول
والأراضي.
وكان الملياردير
المصري نجيب ساويرس، قد قال عبر منصة "إكس" 22 آب/ أغسطس الماضي، إن
"سداد الديون الخارجية، هي العقبة الوحيدة"، مؤكدا أن "حلها سهل،
بأن تطرح الدولة الأراضي المتبقية في الساحل الشمالي والبحر الأحمر بالدولار
للمصريين والأجانب".
5 أسباب ومخاوف
الأكاديمي المصري
والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، أكد في حديثه لـ"عربي21"، على
"الأهمية الاقتصادية والاستثمارية والسياحية لسواحل البحر الأحمر"،
لافتا إلى "مخاطر استحواذ الأجانب على سواحل البحر المتوسط والأحمر"،
ومبينا أن "خروج الاقتصاد المصري من أزماته لن يكون بالبيع والتفريط في أصول
البلاد، وأهم أراضيها وسواحلها".
أستاذ الاقتصاد بكلية
"أوكلاند" الأمريكية، قال إن "الأمر الآن لا يتعلق فقط بالأهمية
الاقتصادية والاستثمارية والسياحية للمنطقة الواعدة؛ لكن القضية أكبر بكثير وتتعلق
بحضور الأجانب بينما كان يمكن للمستثمرين المصريين القيام بمثل هذه المشروعات
والأنشطة خاصة وأن كثير منهم أقام مشروعات مماثلة ولديهم سابق خبرات".
ويرى أن "تملك
الأجانب في مثل هذه المشروعات تضييع لموارد البلاد، وثانيا: سيتم تحويل وضخ كمية
هائلة من الصرف الأجنبي خارج السوق المصرفي المحلي، وثالثا: سيُحدث ذلك ضغطا على
العملة المحلية، ورابعا: سترتفع قيمة الدولار، وخامسا: فيما سيكون هناك نفوذ شديد جدا
لرؤس الأموال الأجنبية داخل مصر".
ولفت إلى هذا
"التوجه الحكومي تكرر بشكل مؤسف، وتاريخيا هناك من الزعماء المصريين من
حاربه، ومنهم الاقتصادي المصري الشهير طلعت حرب باشا (1867- 1941)، مؤسس بنك مصر،
والرائد في الصناعة الوطنية".
وترصد
"عربي21"، أهم القرارات الحكومية بطرح الأراضي لمستثمرين أجانب مؤخرا:
في حزيران/ يونيو
الماضي، وعلى بعد نحو 32 كيلومترا من العاصمة المصرية، جرى طرح 11 ألف
فدان من أراضي مدينة "6 أكتوبر" لمستثمرين خليجيين
ومحليين لإقامة مشروعات عمرانية وخدمية وتجارية وترفيهية.
وبعد حوالي 50 كيلومترا
من القاهرة؛ أعلنت شركة العاصمة الإدارية طرح مساحات من الأراضي الجديدة
للبيع في يوليو/ تموز الماضي، بمساحة 40 ألف فدان في المرحلة الثانية من المدينة
الجديدة، في ظل ديون تبلغ 40 مليار دولار للشركات المنفذة لمشروعاتها.
في 19 حزيران/ يونيو
الماضي، وفي غرب مصر، أُعلن عن إجراء قطر محادثات لاستثمار 3.5 مليار دولار في
مشروع سياحي على ساحل البحر المتوسط.
وفي 11 حزيران/ يونيو
الماضي، وفي شرق البلاد، خصص السيسي، 174.4 كيلومترمربع على ساحل البحر الأحمر
بمنطقة (رأس شقير) الاستراتيجية لصالح وزارة المالية، لتُستخدم كضمان لإصدار صكوك
سيادية إسلامية.
ومطلع حزيران/ يونيو
الماضي، وقع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، عقد إطلاق مدينة "جريان" كأول
مدينة على ضفاف الفرع الجديد لنهر النيل عبر تحالف استراتيجي بين الدولة والجيش،
و3 شركات رائدة بمجال التطوير العقاري.
وجميعها صفقات تحاكي
اتفاق "رأس الحكمة" شباط/ فبراير 2024، مع الإمارات بقيمة 35 مليار
دولار، بالساحل الشمالي الغربي للبلاد في مساحة 170.8 مليون متر مربع، والتي تزيد
3 أضعاف عن مساحة جزيرة مانهاتن، وسط نيويورك.
وذلك إلى جانب طرح
أصول ومقرات الوزارات والهيئات الحكومية بالقاهرة والتي انتقلت إداراتها للعاصمة
الإدارية، وسط رغبة رجال أعمال وصناديق خليجية للاستحواذ على أماكن تراثية
وتاريخية وسط العاصمة، وتطوير المقرات الحكومية وتحويلها لفنادق ومناطق تسوق
عالمية، بحسب تصريح الإماراتي محمد العبار، في شباط/ فبراير الماضي.
16 آب/ أغسطس الماضي، انتهى "صندوق
مصر" السيادي من التقييم المالي للأصول العقارية بمنطقة وسط القاهرة، من
مباني الوزارات والهيئات الحكومية وأصول شركات التأمين بالقاهرة والمحافظات،
تمهيدا لاتخاذ قرارات استثمارية بشأنها، وطرح الوحدات والمنشآت ومربع الوزارات
أمام المستثمرين، بحسب موقع "البورصة" المحلي.
وفي 12 آب/ أغسطس
الماضي، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، حصر "الأراضي المطلة على
النيل وتقييمها بسعر السوق، ووضع خطط لاستخدامها كاستخدام "سياحي وسكني
وإداري".
قبل أن يطالب في أيار/
مايو الماضي بإجراء حصر شامل ومُميكن لجميع أملاك هيئة الأوقاف، لتعظيم
استغلال الأصول بطرحها للشراكة مع القطاع الخاص.
تقنين عمليات البيع
في حين لم تكتف
السلطات المصرية بإعلان طرح الأراضي فقط، بل قدمت القوانين المنظمة والحاكمة
لعمليات البيع.
وفي 19 آب/ أغسطس
الماضي، نشرت الجريدة الرسمية، القانون (170 لسنة 2025)، بشأن تنظيم بعض الأحكام
الخاصة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها، وذلك بعد تصديق
السيسي.
اظهار أخبار متعلقة
ينتج عن القانون
"وحدة حصر" لممتلكات الدولة، تستخدم آليات: التصرف بالبيع، والطرح
بالأسواق، وزيادة رأس المال، وتوسيع قاعدة الملكية، والتقسيم والاندماج، إلى جانب
التصرف ببيع الأسهم والحصص وحقوق التصويت، في حالة الشركات التي تساهم فيها الدولة.
وفي 13 آب/ أغسطس
الماضي، صدق السيسي، على القانون (168 لسنة 2025)، بشأن قواعد التصرف بأملاك
الدولة الخاصة، وأحكامه التي تقنن تحركات الدولة لحصر ممتلكاتها، وتقنن حالات
"وضع اليد" على أراضي الدولة، ليحدد طرق
التصرف في الأراضي بالبيع، أو الإيجار، أو الإيجار المنتهي
بالتمليك، أو الترخيص بالانتفاع.
حصة الجيش من الطروحات
وبالتوازي مع الطروحات
الحكومية للأراضي الاستراتيجية أما مستثمرين استراتيجيين عرب وخليجيين وأجانب،
يواصل السيسي، سياسته طيلة 12 عاما بمنح الجيش نسبة ليست بالقليلة من أهم الأراضي
من حيث الموقع والمساحة والقيمة السوقية وإمكانية الاستغلال.
وفي 18 آب/ أغسطس
الماضي، استحوذ جهاز "مستقبل مصر"، التابع للقوات الجوية، على 89.66
بالمئة من الشركة "العربية لاستصلاح الأراضي"، الحكومية، بصفقة أثارت
جدلا حول قيمها الضعيفة (5 جنيهات للسهم الواحد).
الجهاز وخلال 3 سنوات
أُسند إليه أراضي 8 مشروعات، هي: "الدلتا الجديدة" لاستصلاح 2.2 مليون
فدان، و"سنابل سونو" 650 ألف فدان بالصحراء الغربية، و"المنيا وبني
سويف" لاستصلاح 62 ألف فدان، و"قطاع السادات" 41 ألف فدان.
ومشروعي "الداخلة
العوينات"، و"الكفرة" لاستصلاح 660 ألف فدان و600 ألف فدان
بالصحراء الغربية، ومشروع "سيناء" لاستصلاح 450 ألف فدان بالصحراء
الشرقية، والصوب الزراعية بـ"محور الضبعة"، و"اللاهون"
بمحافظة الفيوم، لزراعة 4500 فدان، و12 ألف فدان.
وفي 9 تموز/ يوليو
الماضي، نقلت الحكومة ملكية 70 فدانا، بمحافظة الجيزة من ولاية معهد البحوث
الزراعية، و14.39 فدان من ولاية وزارة الري، لصالح الجهاز.