نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، تقريرًا، ناقشت فيه توجّه
الدول النامية نحو الاستدانة بعملات بديلة عن
الدولار، لتقليل
تكاليف الاقتراض في ظل ارتفاع الفائدة الأمريكية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إنّ: "الدول النامية تتّجه إلى التخلي عن الديون المقومة بالدولار، والاعتماد على عملات ذات معدلات فائدة منخفضة، مثل الرنمينبي الصيني والفرنك السويسري".
وأشارت الصحيفة إلى أن: "هذا التحوّل، الذي شرعت فيه دول مثقلة بالديون مثل كينيا وسريلانكا وبنما، يعكس ارتفاع معدلات الفائدة التي حدّدها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي أثارت غضب الرئيس دونالد ترامب، وأسهمت في زيادة تكاليف خدمة الدين على الدول الأخرى".
ونقلت الصحيفة عن نائب رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية العالمية في شركة أليانس بيرنشتاين، أرماندو أرمينتا، قوله: "إن المستوى المرتفع لأسعار الفائدة وانحدار منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية جعلا التمويل بالدولار أكثر عبئًا على الدول النامية، حتى مع الفوارق المنخفضة نسبيًا على ديون الأسواق الناشئة. وبالتالي، فإنهم يبحثون عن خيارات أكثر فعالية من حيث التكلفة".
"غير أنه وصف العديد من هذه التحولات نحو التمويل الأرخص غير المقوّم بالدولار بأنها "إجراءات مؤقتة" تتّخذها الدول التي يتعيّن عليها التركيز على خفض احتياجاتها التمويلية" استرسلت الصحيفة نفسها.
وأفادت بأنّ: "التحوّل نحو الاقتراض بالرنمينبي، والذي يأتي في وقت بلغ فيه سعر العملة الصينية أعلى مستوياته مقابل الدولار هذا العام، يُعد أيضًا نتيجة لبرنامج التنمية الصيني "الحزام والطريق" البالغ قيمته 1.3 تريليون دولار، والذي قدّم مئات المليارات من الدولارات لتمويل مشاريع البنية التحتية للحكومات في جميع أنحاء العالم".
واسترسلت: "رغم عدم توفر أرقام دقيقة بشأن الاقتراض الجديد بالرنمينبي، نظرًا لأن بكين تفاوض الحكومات الأخرى بشكل ثنائي، فإن كينيا وسريلانكا تسعيان إلى تحويل قروض بارزة مقومة بالدولار إلى هذه العملة".
وذكرت الصحيفة أنّ: "بلوغ معدل الفائدة الأساسي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مستوى يتراوح بين 4.25 بالمائة و4.5 بالمائة، وهو أعلى بكثير من المعدلات التي تعتمدها البنوك المركزية الكبرى الأخرى، جعل تكلفة الاقتراض الجديد بالدولار مرتفعة نسبيًا بالنسبة للعديد من الدول النامية، رغم أن هوامش هذا الدين مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية عند أدنى مستوياتها منذ عقود".
وأوضحت الصحيفة أنّ: "البنك الوطني السويسري خفض أسعار الفائدة إلى الصفر في يونيو/ حزيران، في حين يبلغ معدل إعادة الشراء العكسي القياسي لمدة سبعة أيام في الصين 1.4 بالمائة"؛ فيما كانت العديد من قروض مبادرة "الحزام والطريق" خلال العقد الثاني من الألفية مقومة بالدولار، وذلك في وقت كانت فيه أسعار الفائدة الأمريكية أقل بكثير.
وفي السياق نفسه، أوردت أنّ: "تكلفة هذا النوع من الديون ارتفعت بشكل ملحوظ لكل من كينيا وسريلانكا، ما عزّز الدافع للابتعاد عن التمويل المقوّم بالدولار"، مردفة: "عبر الاقتراض بعملات مثل الرنمينبي والفرنك السويسري، تتمكنّ الدول من الحصول على ديون بأسعار فائدة أقل بكثير مقارنة بتلك التي تقدمها السندات الدولارية".
إلى ذلك، نقلت الصحيفة، عن الباحث في مبادرة الأبحاث الصينية الأفريقية بجامعة جونز هوبكنز، يوفان هوانغ، قوله إنّ: "التقدم في جهود بكين الأوسع لاعتماد الإقراض بالرنمينبي لا يزال محدودًا".
وتابعت: "نظرًا لأنّ الحكومات نادرًا ما تحقّق إيرادات من الصادرات بعملات مثل الرنمينبي والفرنك السويسري، فقد تضطر إلى التحوّط ضد تقلبات أسعار الصرف من خلال المشتقات المالية".
وأفادت أنّ: "بنما اقترضت ما يعادل نحو 2.4 مليار دولار من البنوك بالفرنك السويسري في شهر تموز/ يوليو وحده، بينما كانت حكومة الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى تكافح للسيطرة على عجزها المالي وتجنّب خفض تصنيفها الائتماني إلى مستوى الديون الرديئة".
وقال وزير المالية في بنما، فيليبي تشابمان، إنّ: "الحصول على تمويل أقل تكلفة وفّر أكثر من 200 مليون دولار مقارنة بإصدار ديون بالدولار"، مشيرًا إلى أنّ: "القروض الجديدة خضعت لعمليات تحوّط ضد تقلبات أسعار الصرف".
وذكرت الصحيفة أنّ: "كولومبيا تبدو أيضًا وكأنها تتّجه نحو الاقتراض بالفرنك السويسري لإعادة تمويل سنداتها الدولارية"؛ وفي الأسبوع الماضي، أطلقت مجموعة من البنوك العالمية عرضًا لشراء سندات كولومبية مُخفضة القيمة، في خطوة اعتبرها المستثمرون جزءًا من ترتيبات قرض بالفرنك السويسري للحكومة، حيث سيتم استخدام الديون الحالية كضمان.
ونقلت الصحيفة تصريحات رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي لأمريكا اللاتينية في شركة "إكس بي" للاستثمارات، أندريس باردو، حيث قال إنّ: "كولومبيا يمكنها الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة تبلغ 1.5 بالمائة بالفرنك السويسري، لشراء ديون دولارية بعوائد تتراوح بين 7 و8 بالمائة، والسندات المحلية بالبيزو التي تدفع ما يصل إلى 12 بالمائة".
وأشارت إلى أنه: "تم خفض تصنيف ديون الدولة المقومة بالعملة المحلية إلى درجة غير استثمارية من قبل وكالة ستاندرد آند بورز في ذلك الشهر، وذلك بعد أن علّقت الحكومة قاعدة مالية أساسية".
وقال المستثمرون إنّ: "إصدار الحكومات للديون بالفرنك السويسري قد يُسهم في الحد من فواتير الفائدة، لكن على المدى الطويل لا يمكن لهذا النوع من الاقتراض أن يحل محل الوصول إلى السوق العامة الأوسع للسندات الدولارية".
وقال أحد مديري صناديق ديون الأسواق الناشئة: "إنها مفيدة للأسس الاقتصادية الأساسية، إذا كانت الدول تعمل على تحسين هيكل آجال استحقاق ديونها.. ومع ذلك، ينبغي أن نرى صانعي السياسات يحققون تقدمًا في فتح الأسواق [الدولارية] أمامهم من جديد".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضحت الصحيفة أنّ: "الشركات في الأسواق الناشئة تقوم أيضًا بطرح المزيد من السندات باليورو هذا العام؛ حيث ارتفع حجم هذا النوع من الديون إلى مستوى قياسي بلغ 239 مليار دولار حتى يوليو/ تموز، وفقًا لما ذكرته مؤسسة "جيه بي مورغان". أما إجمالي مخزون السندات الصادرة عن الشركات في الأسواق الناشئة والمقومة بالدولار، فيُقدّر بنحو 2.5 تريليون دولار".
واختتمت الصحيفة، تقريرها، بالإشارة إلى تصريحات المدير الأول لمحافظ الاستثمار في شركة "إمباكس لإدارة الأصول"، توك يورتشوي، حيث قال: "إن إصدار السندات باليورو هذا العام يشهد نموًا يفوق ما نراه في إصدار السندات بالدولار".
واستطرد بأنّ: "الجهات المُصدرة الآسيوية تمثل ثلث إجمالي السندات القائمة باليورو، ارتفاعًا من نسبة تراوحت بين 10 و15 بالمائة قبل خمسة عشر عاما".