12- الموقع الجغرافي كأحد المقومات الاستراتيجية
في
عالم تتسارع فيه وتيرة التجارة الدولية وتتشابك خيوط
الاقتصاد العالمي، تبرز قيمة الموقع
الجغرافي كأحد أهم المحددات الاستراتيجية للدول. وإذا كانت
مصر قد حباها الله سبحانه
وتعالى بموقع استثنائي يربط بين القارات الثلاث، فإن ذلك يمثل أمانة عظيمة ومسؤولية
جسيمة في إطار مفهوم في الأرض وعمارتها.
إن
النظر إلى هذا الموقع الجغرافي المتميز من منظور إسلامي يتطلب فهما عميقا لمبدأ استثمار
النعم الإلهية وتوظيفها في خدمة الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة. فكما استطاعت
الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية أن تجعل من هذا الموقع جسرا حضاريا ومحورا تجاريا
عالميا يربط بين الشرق والغرب، فإن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في كيفية إعادة إحياء
هذا الدور وتطويره بما يتماشى مع متطلبات العصر ومبادئ الشريعة الإسلامية.
في
لحظة تاريخية فارقة تشهد فيها سلاسل التوريد العالمية تحولات جذرية، وتعيد الدول الكبرى
ترتيب أولوياتها الجيوسياسية، تقف مصر أمام فرصة ذهبية لا تتكرر إلا مرات قليلة في
التاريخ. فموقعها المتفرد الذي جعلها ملتقى الحضارات وقبلة التجار عبر التاريخ، يمكن
أن يصبح اليوم منطلقا لنهضة اقتصادية شاملة تجسد القيم الإسلامية في التنمية وتضعها
في مصاف الاقتصادات العشرة الكبرى عالميا، محققة بذلك التوازن المطلوب بين الاستفادة
من النعم الإلهية والوفاء بمسؤولية الاستخلاف.
الموقع
الجغرافي وقناة السويس كميزة تنافسية فريدة
هذا الموقع المتفرد لا يقتصر على البعد الجغرافي المجرد، بل يمتد ليشمل أبعادا حضارية وثقافية عميقة. فمصر، منذ فجر التاريخ، كانت ملتقى الحضارات والثقافات، ومنها انطلقت قوافل التجارة والمعرفة في كل الاتجاهات. وفي عصر العولمة والتكامل الاقتصادي، تكتسب هذه الخصوصية الجغرافية أهمية مضاعفة تفتح آفاقا لا محدودة أمام التنمية الشاملة
لقد
شاءت حكمة الله عز وجل أن تحتل مصر نقطة التقاء استراتيجية فريدة على خريطة العالم،
حيث تمتد أراضيها عبر قارتي آسيا وأفريقيا، بينما تطل سواحلها على البحر الأحمر والبحر
المتوسط الذي يربطها بأوروبا. هذا التموضع الجغرافي الاستثنائي ليس مجرد صدفة طبيعية،
بل تجسيد عملي لمبدأ الوسطية الذي كرمت به الأمة الإسلامية، حيث تقف مصر وسطا بين القارات
كما ينبغي أن تقف الأمة وسطا بين الأمم.
إن
هذا الموقع المتفرد لا يقتصر على البعد الجغرافي المجرد، بل يمتد ليشمل أبعادا حضارية
وثقافية عميقة. فمصر، منذ فجر التاريخ، كانت ملتقى الحضارات والثقافات، ومنها انطلقت
قوافل التجارة والمعرفة في كل الاتجاهات. وفي عصر العولمة والتكامل الاقتصادي، تكتسب
هذه الخصوصية الجغرافية أهمية مضاعفة تفتح آفاقا لا محدودة أمام التنمية الشاملة.
تربط
مصر من خلال قناة السويس، بين البحرين الأحمر والمتوسط، وهي تُعتبر الشريان الحيوي
للتجارة العالمية بين الشرق والغرب. كما أن موقعها الاستراتيجي يجعلها نقطة تحكم طبيعية
في حركة التجارة المتجهة من وإلى مضيق باب المندب الواقع عند التقاء البحر الأحمر بخليج
عدن، مما يمنح مصر تأثيرا كبيرا في حركة التجارة العالمية، خاصة تجارة الطاقة بين الشرق
الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية.
إن
الارتباط الاستراتيجي بين قناة السويس ومضيق باب المندب يعني أن أي اضطراب في الملاحة
عبرهما يؤثر مباشرة على الاقتصاد العالمي، مما يعطي مصر وزنا جيوسياسيا واقتصاديا كبيرا
في المعادلات الدولية. وهذا ما رأيناه عمليا عندما تسببت سفينة إيفرجيفن في إغلاق قناة
السويس لأسبوع واحد في عام 2021، مما أدى إلى اضطراب في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع
أسعار النفط والسلع الأساسية. كما شهدنا تأثيرا مماثلا مع أزمة البحر الأحمر الحالية
التي أدت إلى انخفاض كبير في حركة الملاحة.
وتُعد
قناة السويس أحد أهم الأصول الاستراتيجية في العالم، وهي تجسيد عملي لمبدأ تحقيق المنفعة
العامة للإنسانية جمعاء. فهذه القناة التي تختصر المسافة بين آسيا وأوروبا بآلاف الأميال
البحرية، وتوفر أسابيع من الوقت والملايين من الدولارات في تكاليف النقل، لا تخدم مصر
وحدها، بل تساهم في تيسير التجارة العالمية وتخفيض تكاليف السلع على المستهلكين في
جميع أنحاء العالم.
إن
الرؤية الإسلامية لإدارة هذا الأصل الاستراتيجي تقوم على مبدأ التوازن بين حق الدولة
في الاستفادة من مواردها وواجبها في خدمة الصالح العام. فبينما تحقق القناة إيرادات
مشروعة ومستحقة لمصر، فإنها في الوقت نفسه تساهم في تعزيز التجارة والتبادل الاقتصادي
بين الأمم، مما يحقق مقصد الشريعة في تيسير المعاملات وتسهيل حركة التجارة.
هذه
القناة التي يبلغ طولها 193 كيلومترا، تحمل على مياهها حوالي 12 في المئة من إجمالي
التجارة العالمية، ونسبة مهمة من حاويات الشحن في العالم. كما تمر عبرها كميات كبيرة
من النفط المتداول عالميا، مما يجعلها شريانا حيويا لأمن الطاقة العالمي. وقد شهدت
القناة في السنوات الأخيرة تطويرات مهمة شملت توسيع مجراها وتعميقه، وإنشاء قناة موازية
في بعض المقاطع لتسهيل العبور الثنائي للسفن.
تحقق
قناة السويس إيرادات متغيرة حسب الظروف الإقليمية والعالمية، فبينما وصلت في السنوات
القياسية إلى 9.4 مليار دولار (2022/2023)، انخفضت بشدة إلى 2.6 مليار دولار في أول
تسعة أشهر من العام المالي 2024/2025 بسبب التوترات في البحر الأحمر. هذا التقلب يؤكد
ضرورة التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد المفرط على مصدر واحد، مما يجعلها في العادة
أحد أهم مصادر العملة الصعبة في مصر.
لكن
القيمة الاقتصادية الحقيقية للقناة تتجاوز هذه الإيرادات المباشرة بكثير. فالقناة تولد
آثارا اقتصادية غير مباشرة ضخمة تشمل أنشطة الخدمات البحرية والإرشاد والقطر، وصناعات
الإصلاح والصيانة البحرية، والخدمات اللوجستية والتخزين، وقطاع التأمين البحري، والأنشطة
المصرفية المتعلقة بالتجارة الدولية. كما أن وجود القناة يشجع على إقامة صناعات تصديرية
في المناطق المجاورة لها، مما يخلق تجمعات صناعية ولوجستية متكاملة.
القيمة
الاستراتيجية للموقع في العصر الحديث
في
عصر تهيمن عليه التجارة الإلكترونية وسلاسل التوريد الذكية، تزداد أهمية الموقع الجغرافي
المصري كمحور لوجستي عالمي. فالشركات العملاقة مثل أمازون وعلي بابا تبحث عن مواقع
استراتيجية لمستودعاتها ومراكز التوزيع التي تمكنها من الوصول إلى أكبر عدد من الأسواق
في أقل وقت وبأقل تكلفة.
مصر بموقعها الفريد تستطيع أن تخدم أسواق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط من موقع واحد، مما يجعلها وجهة مثالية للشركات التي تسعى للتوسع في هذه المناطق. كما أن تطوير موانئ البحر الأحمر والمتوسط، وربطها بشبكة نقل برية وسكك حديدية حديثة، يمكن أن يحول مصر إلى منصة لوجستية عالمية
مصر
بموقعها الفريد تستطيع أن تخدم أسواق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط من موقع واحد،
مما يجعلها وجهة مثالية للشركات التي تسعى للتوسع في هذه المناطق. كما أن تطوير موانئ
البحر الأحمر والمتوسط، وربطها بشبكة نقل برية وسكك حديدية حديثة، يمكن أن يحول مصر
إلى منصة لوجستية عالمية تنافس مراكز مثل دبي وسنغافورة.
يحتل
الموقع الجغرافي المصري أهمية خاصة في خريطة الطاقة العالمية، حيث تقع مصر في قلب منطقة
غنية بموارد الطاقة التقليدية والمتجددة. فمن جهة، تربط مصر بين مناطق إنتاج النفط
والغاز في الخليج العربي والمناطق الاستهلاكية في أوروبا وآسيا، ومن جهة أخرى تتمتع
مصر بإمكانيات هائلة لإنتاج الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية في صحاريها الشاسعة.
هذا
الموقع المتميز يفتح أمام مصر فرصا استثنائية لتصبح مركزا إقليميا لتجارة الطاقة، سواء
التقليدية أو المتجددة. فمشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار، وخطوط أنابيب الغاز
الطبيعي، ومستقبلا خطوط نقل الهيدروجين الأخضر، كلها تجعل من مصر محورا حيويا في شبكة
الطاقة الإقليمية والعالمية.
إن
المساحة الشاسعة لمصر (أكثر من مليون كيلومتر مربع) وامتدادها على ساحلين بحريين؛ يفتحان
آفاقا واسعة للتوسع والتطوير. فالصحاري المصرية التي تشكل حوالي 94 في المئة من المساحة
الكلية، تحتوي على إمكانيات هائلة لم تُستغل بعد في قطاعات التعدين والطاقة المتجددة
والزراعة الحديثة والسياحة البيئية. كما أن السواحل المصرية الممتدة لحوالي 2500 كيلومتر
توفر فرصا لا محدودة لتطوير موانئ ومدن ساحلية جديدة، ومراكز سياحية وصناعية متطورة.
والأهم من ذلك، أن هذه المساحات الشاسعة تسمح بتطوير مشاريع عملاقة متكاملة تجمع بين
الصناعة والخدمات والإسكان والترفيه، مما يخلق اقتصادات حجم ضخمة.
العمق
الاستراتيجي الأفريقي والعربي
في
لحظة تاريخية حاسمة تشهد فيها القارة السمراء صحوة اقتصادية حقيقية، تقف مصر في موقع
فريد يمكنها من أن تكون سفيرة للقيم الإسلامية في التنمية والتطوير. فدور مصر كبوابة
اقتصادية لأفريقيا لا يقتصر على الاستفادة التجارية المتبادلة، بل يمتد ليشمل نقل نموذج
تنموي يقوم على العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية والتكافل الإنساني.
إن
الرؤية الإسلامية للتكامل الاقتصادي مع أفريقيا تقوم على مبدأ التعاون في البر والتقوى،
حيث تستفيد مصر من إمكانياتها لتطوير القارة الأفريقية، وتساهم في رفع مستوى المعيشة
لمئات الملايين من البشر. وهذا التوجه يتماشى مع مقاصد الشريعة في حفظ المال وتنميته،
وفي الوقت نفسه يحقق التوازن بين المصالح الخاصة والعامة.
القارة
الأفريقية بنموها السكاني السريع الذي يتوقع أن يصل إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050،
تمثل واحدا من أسرع الأسواق الاستهلاكية نموا في العالم. وبتزايد دخل الفرد ونمو الطبقة
الوسطى الأفريقية، تتزايد الحاجة إلى السلع والخدمات المتطورة التي يمكن لمصر أن توفرها
بفضل قاعدتها الصناعية المتنوعة وخبراتها التقنية المتراكمة.
تحتل مصر مكانة روحية ومعنوية لا تضاهى في
قلب الأمة العربية، فهي دار الأزهر الشريف ومنارة العلم والثقافة الإسلامية، والقلب
النابض للهوية العربية المعاصرة. إن دور مصر في الشبكات الاقتصادية العربية
ينبغي أن يكون دور القدوة والرائد، حيث تقدم نموذجا عمليا للتنمية الاقتصادية المستدامة
التي تحترم الخصوصيات الثقافية والدينية للمنطقة.
وتشهد
العديد من الدول الأفريقية والعربية نموا اقتصاديا متسارعا يفتح آفاقا واسعة للاستثمار
في قطاعات متنوعة. في أفريقيا، تبرز نيجيريا وكينيا وغانا وإثيوبيا كأسواق واعدة في
مجالات التكنولوجيا المالية والزراعة والطاقة والبنية التحتية، بينما في العالم العربي،
تشهد دول مثل الإمارات والسعودية والمغرب تحولات اقتصادية طموحة تخلق فرصا استثمارية
في الصناعات المتقدمة والخدمات المتخصصة.
مصر
بخبراتها التقنية المتراكمة وقوتها العاملة المؤهلة وشبكة علاقاتها التاريخية، تستطيع
أن تكون الجسر الذي ينقل التكنولوجيا والخبرات بين هذه الأسواق، وأن تطور نماذج أعمال
مبتكرة تناسب خصوصيات كل سوق. كما يمكنها أن تكون منصة للشراكات الاستراتيجية بين الشركات
العالمية والأسواق الأفريقية والعربية الناشئة.
مصر
بموقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية في قطاع الطاقة، تستطيع أن تلعب دورا محوريا في
التكامل الإقليمي. فمن خلال مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار، وتطوير محطات إسالة
الغاز الطبيعي، وبناء مراكز لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، يمكن لمصر أن تصبح مركزا
إقليميا لتجارة الطاقة يحقق عوائد ضخمة ويعزز من أمنها الاقتصادي والاستراتيجي.
التموضع
في المبادرات العالمية الكبرى
كما
تحتل مصر موقعا محوريا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تهدف إلى ربط آسيا بأوروبا
وأفريقيا من خلال شبكة متكاملة من البنية التحتية للنقل والتجارة. قناة السويس، كونها
أقصر طريق بحري يربط آسيا بأوروبا، تُعتبر جزءا أساسيا من طريق الحرير الذي تروج له
الصين.
هذا
التموضع الاستراتيجي يفتح أمام مصر فرصا هائلة للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة
في مشاريع البنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا. فمن خلال تطوير المناطق الاقتصادية
المتخصصة والمدن الصناعية الجديدة، يمكن لمصر أن تجذب الشركات الصينية للاستثمار في
قطاعات متنوعة، مما يساهم في نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات المتقدمة.
في
المقابل، يحتل الموقع المصري أهمية كبيرة في الاستراتيجيات الأوروبية والأمريكية تجاه
منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. فالاتحاد الأوروبي، من خلال سياسة الجوار الأوروبي ومبادرة
الاتحاد من أجل المتوسط، يسعى لتعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول جنوب البحر المتوسط،
وتأتي مصر في مقدمة هذه الأولويات.
كما
أن الولايات المتحدة من خلال مبادرات مثل الازدهار في أفريقيا والشراكة الاستراتيجية
مع مصر، تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي مع مصر كبوابة للدخول إلى الأسواق
الأفريقية والعربية. هذا التنوع في الشراكات الدولية يمنح مصر مرونة أكبر في خياراتها
الاقتصادية، ويفتح أمامها مصادر متعددة للاستثمار والتمويل والتكنولوجيا.
استراتيجيات
تعظيم الاستفادة من المقوم الجغرافي
- تطوير البنية التحتية اللوجستية وفق مبادئ الاستدامة الإسلامية.
إن
تحويل الميزة الجغرافية إلى قوة اقتصادية فعلية يتطلب استثمارا حكيما ومدروسا في البنية
التحتية اللوجستية المتطورة. يشمل هذا التوجه تطوير شبكة متكاملة من الموانئ المتخصصة
والمطارات الدولية وشبكات النقل البري والسككي ومراكز التوزيع واللوجستيات الذكية،
مع الحرص على تطبيق معايير الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية في توزيع فوائد هذه
المشاريع. فالهدف ليس مجرد الربح الاقتصادي، بل بناء نموذج تنموي متوازن يراعي حقوق
الأجيال القادمة.
فعلى
سبيل المثال، تطوير ميناء العين السخنة ليصبح مركزا لوجستيا عالميا، وربطه بالعاصمة
الإدارية الجديدة والقاهرة الكبرى بشبكة نقل سريعة، يمكن أن يحول هذه المنطقة إلى مركز
اقتصادي متكامل يخدم الأسواق الأفريقية والعربية والآسيوية.
-
بناء المناطق الاقتصادية المتخصصة
المناطق
الاقتصادية الخاصة تُعتبر من أهم الأدوات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعات
التصديرية. ومصر بموقعها الاستراتيجي، تستطيع أن تطور مناطق اقتصادية متخصصة تخدم قطاعات
محددة وتستهدف أسواق جغرافية معينة، فيمكن تطوير
منطقة اقتصادية متخصصة في الصناعات التكنولوجية والخدمات الرقمية بالقرب من القاهرة
الكبرى، تستهدف السوق العربي والأفريقي. كما يمكن إنشاء منطقة متخصصة في صناعات الطاقة
المتجددة ومكوناتها في منطقة خليج السويس، تستفيد من القرب من الأسواق الأوروبية وتوافر
مصادر الطاقة المتجددة.
- تطوير الكوادر البشرية المتخصصة
إن
تعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز يتطلب استثمارا جديا في تأهيل وتطوير الكوادر
البشرية المتخصصة في قطاعات الخدمات اللوجستية والتجارة الدولية والتكنولوجيا المالية
والدبلوماسية الاقتصادية. فالموقع الجغرافي وحده لا يكفي دون وجود خبرات بشرية قادرة
على إدارته واستغلاله بكفاءة عالية.
هذا
يشمل تطوير برامج تعليمية متخصصة في الجامعات المصرية، وإقامة شراكات مع الجامعات العالمية
المتميزة، وتأسيس معاهد تدريب متقدمة للخدمات البحرية واللوجستيات، وبناء مراكز للبحث
والتطوير في التقنيات الحديثة للنقل والتجارة الدولية. كما يتطلب الأمر استقطاب الخبرات
المصرية في الخارج والاستفادة من تجاربهم العالمية.
-
الدبلوماسية الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية العالمية
يُعد
توظيف الموقع الجغرافي لبناء شراكات استراتيجية متنوعة أحد أهم عوامل النجاح في تحويله
إلى قوة اقتصادية فعلية. فمصر بحكم موقعها المتوسط تستطيع أن تلعب دور الوسيط الاقتصادي
المحايد بين القوى الدولية الكبرى، مما يمكنها من الحصول على أفضل الشروط في الاتفاقيات
التجارية والاستثمارية.
هذا
يتطلب تطوير استراتيجية دبلوماسية اقتصادية متقدمة تستفيد من التنافس بين القوى الكبرى
لجذب أفضل الاستثمارات والتقنيات، مع الحفاظ على التوازن وعدم الانحياز لطرف واحد.
كما يشمل إقامة شراكات متعددة الأطراف مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية،
وتطوير مبادرات اقتصادية مشتركة مع الدول الأفريقية والعربية.
التحديات
والمخاطر المرتبطة بالموقع الجغرافي
الرؤية الإسلامية للنهضة الاقتصادية تقوم على مبادئ راسخة: العدالة في التوزيع، والحكمة في إدارة الموارد، والاستدامة في التطوير، والتعاون في البناء، والوسطية في النهج. وهذه المبادئ تجد في الموقع الجغرافي المصري أرضا خصبة للتطبيق والإزهار
- المنافسة من الممرات البديلة
رغم
الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، إلا أنها تواجه منافسة متزايدة من ممرات نقل بديلة.
فطريق القطب الشمالي، الذي أوشك أن يصبح قابلا للملاحة بسبب التغير المناخي يوفر طريقا
أقصر بين آسيا وأوروبا. كما أن مشاريع النقل البري الطموحة مثل خط السكك الحديدية الذي
يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وروسيا، تشكل منافسة للنقل البحري عبر قناة السويس.
ولمواجهة
هذا التحدي تحتاج مصر إلى تطوير استراتيجية شاملة تتضمن تحسين كفاءة وسرعة العبور في
القناة، وتقديم حزم خدمية إضافية تزيد من جاذبية المرور عبر القناة، وتطوير سياسات
تسعيرية مرنة ومنافسة. كما أن التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد المفرط على إيرادات
القناة يصبح أمرا ضروريا لضمان الاستدامة الاقتصادية طويلة المدى.
- التحديات الجيوسياسية الإقليمية
الموقع
الاستراتيجي المتميز يحمل معه أيضا تحديات جيوسياسية معقدة. فمصر تقع في منطقة تشهد
توترات وصراعات إقليمية مستمرة، من الصراع في ليبيا غربا إلى التوترات في البحر الأحمر
جنوبا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني شرقا. هذه التوترات تؤثر على الاستقرار الاقتصادي
وتخلق مخاطر أمنية قد تؤثر على حركة التجارة والاستثمار.
كما
أن التنافس الدولي المتزايد في المنطقة بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين،
روسيا، الاتحاد الأوروبي) يضع مصر أمام تحديات دبلوماسية معقدة تتطلب توازنا دقيقا
في العلاقات الخارجية.
-
ضعف الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار
في
عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، يُعد ضعف الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار
أحد أكبر التهديدات للاستفادة المثلى من الموقع الجغرافي. فالموانئ والمطارات التقليدية
لا تكفي في عصر الموانئ الذكية والطائرات بدون طيار والسفن ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي
في إدارة سلاسل التوريد.
هذا
التحدي يتطلب استثمارا جديا في البحث والتطوير، وإقامة شراكات مع الشركات التقنية العالمية
الرائدة، وتطوير حاضنات للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا اللوجستية. كما يحتاج
إلى سياسات حكومية داعمة للابتكار والريادة، وتوفير بيئة تشريعية ومالية محفزة للاستثمار
في التقنيات الناشئة.
وفي
الختام، فإن الرؤية الإسلامية للنهضة الاقتصادية تقوم على مبادئ راسخة: العدالة في
التوزيع، والحكمة في إدارة الموارد، والاستدامة في التطوير، والتعاون في البناء، والوسطية
في النهج. وهذه المبادئ تجد في الموقع الجغرافي المصري أرضا خصبة للتطبيق والإزهار.