كتاب عربي 21

من القدس إلى الضفة وغزة واليمن: بين وضوح المشروع الإسرائيلي وغياب المشروع العربي

قاسم قصير
"فرض أجندة تهويد الأقصى"- الأناضول
"فرض أجندة تهويد الأقصى"- الأناضول
يشهد الصراع العربي- الإسرائيلي هذه المرحلة أعلى درجات المخاطر طيلة 74 عاما، منذ نشوء الكيان الصهيوني إلى اليوم، فيتجلى هذا المشروع بوضوح كبير من خلال إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن مشروع إسرائيل الكبرى الذي يضم فلسطين ولبنان والأردن وأجزاء من سوريا والعراق ومصر وقد يصل إلى السعودية ودول أخرى وفي ظل الحديث عن الإعلان عن ضم الضفة الغربية وبقاء الاحتلال في الجولان ومناطق لبنانية محتلة.

ووصلت الطائرات الإسرائيلية إلى إيران واليمن وهي تواجه تركيا في سوريا، فيما يكشف المبعوث الأمريكي إلى المنطقة توم باراك أن المسؤولين الصهاينة لا يؤمنون بتقسيمات سايكس بيكو، وهم يسعون لتغيير خرائط دول المنطقة وإقامة شرق أوسط جديد كما أعلن مرارا رئيس الحكومة الإسرائيلية.

ومع كل الضجيج والحراك العسكري في المنطقة، فان ما يجري في القدس الشريف والمسجد الأقصى يشكّل أعلى درجات المخاطر على المدينة المقدسة وهذا الرمز الديني الكبير. ففي التقرير السنوي التاسع عشر الذي تصدره مؤسسة القدس الدولية كل عام تحت عنوان: "عين على الأقصى"، رصد التقرير أبرز الاعتداءات على المسجد الأقصى من 1 كانون الثاني/ يناير 2025 إلى 31 تموز/ يوليو 2025. والتقرير الذي أعلن عنه في مؤتمر صحفي في بيروت في الأسبوع الأخير من شهر آب/ أغسطس الماضي؛ مكون من ثلاثة فصول تتناول تطور فكرة الوجود اليهودي في المسجد، والمشاريع التهويدية في المسجد ومحيطه، وتحقيق الوجود اليهودي فيه، كما يستشرف المآلات المستقبلية ومخططات التهويد التي يعدها الاحتلال للأقصى ويختم بتوصيات للجهات الفاعلة حول دورها لحماية الأقصى وصد مخططات التقسيم.

مع كل الضجيج والحراك العسكري في المنطقة، فان ما يجري في القدس الشريف والمسجد الأقصى يشكّل أعلى درجات المخاطر على المدينة المقدسة وهذا الرمز الديني الكبير

وكشف التقرير عن تطورات خطيرة تتعلق بمخططات الاحتلال تجاه الأقصى، حيث شكلت حكومة اليمين المتطرف، والصهيونية الدينية، والمتشدِّدين بقيادة نتنياهو، غطاء لشتَّى أصناف الاعتداءات التي شنَّتها أذرع الاحتلال على المسجد الأقصى، فيما تصدَّر وزير الأمن القوميِّ المتطرِّف إيتمار بن غفير قائمة المسؤولين والوزراء الذين لم يكتفوا بتقديم أوسع التَّسهيلات للمستوطنين و"منظمات المعبد" ليكثِّفوا عدوانهم على الأقصى، بل شاركوا مباشرة في هذا العدوان.

إضافة إلى ذلك، رصد التقرير أعلى رقم لمقتحمي المسجد الأقصى مقارنة بمثيلاتها في السنوات السابقة، وشهدت بعض الأعياد والمناسبات اليهودية أعداد مقتحمين غير مسبوقة، وخاصة في "عيد الفصح" العبري، وذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس، وقد وصل مجموع المقتحمين إلى 38,875 شخصا، بزيادة 36 في المئة عن العام الماضي.

ووفقا لهذا التقرير الخطير، فقد أدى التيار الديني الصهيوني دورا محوريا في فرض أجندة تهويد الأقصى عبر تحالف "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية"، ومنح بن غفير الدعم والتسهيلات لجماعات "المعبد" لأداء الطقوس اليهودية والاحتفالات العلنية داخل الأقصى.

وأشار التقرير إلى تصاعد الخطاب السياسي الإسرائيلي حدّة مع توقيع 17 وزيرا وبرلمانيا وشخصيات سياسية أخرى رسالة للكونغرس الأمريكي تطالب بالاعتراف بما سموه "الحق الأبدي لليهود" في الأقصى، فيما ألقى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خطابا أمام جمع من حاخامات تيار "الصهيونية الدينية" وقادته، تضمن وعدا وتحريضا للحضور ليقتحموا المسجد الأقصى.

 وبقيت أسطورة "البقرة الحمراء" حاضرة في المشهد، إذ جرى في تموز/ يوليو 2025 تدريب عملي على طقوسها باستخدام بقرة حقيقية (غير حمراء).

ووفقا لهذا التقرير صعّدت "جماعات المعبد" تحريضها الدعائي والإعلامي لإدخال القرابين الحيوانية إلى الأقصى، ونشرت "جماعات المعبد" مقاطع تظهر تفجير الأقصى وإحراقه، وتدعو إلى تنفيذ طقوس القربان داخل الأقصى، وتطالب بالسماح باقتحام الأقصى بلا قيود، كما نشرت هذه الجماعات إعلانات عن جداول الاقتحامات، وجولات استباحة الأقصى وبثِّ الروايات اليهودية المكذوبة.

وحذر التقرير من أن الاحتلال الإسرائيلي عزّز خطواته في فرض التقسيم الزماني بين المسلمين والمستوطنين، حيث باتت للمسلمين أوقات محدودة للصلاة، فيما خُصّصت أوقات كاملة للمقتحمين اليهود تحت حماية شرطة الاحتلال. ولفت إلى استمرار الأطماع بالسيطرة على المنطقة الشرقية من المسجد في محيط مصلى باب الرحمة، مع تكثيف الطقوس التوراتية هناك، بما يعكس محاولات فعلية لبناء كنيس داخل الأقصى.

ووفق التقرير، لم يكتفِ الاحتلال بالاقتحامات والطقوس الرمزية، بل تجاوز ذلك إلى تنظيم حفلات ورقص وغناء ورفع الأعلام في ساحاته، فضلا عن إدخال أدوات طقوس يهودية، وصولا إلى تقديم قرابين حيوانية، فيما باتت الهوية الإسلامية للأقصى مهددة بالذوبان لصالح هوية يهودية مصطنعة، قد تفرض في المستقبل دخول المسلمين كزوار يدفعون رسوما للاحتلال.

كل هذه التطورات تكشف المخاطر الكبيرة عن هذا المشروع الإسرائيلي الكبير. وفي المقابل، يغيب المشروع العربي للمواجهة، في ظل تعثر المشروع الإيراني بعد الضربات القاسية التي تلقاها، في حين أن قوى المقاومة في المنطقة تواجه تحديات وضغوطا كبيرة داخلية وخارجية.

وتوقع التقرير الخطير الذي أعلنته مؤسسة القدس الدولية أن تبذل أذرع الاحتلال التهويدية مزيدا من المساعي لرفع أعداد المستوطنين المُقتحمين للمسجد الأقصى بالاستفادة من تصاعد موقع "المعبد" في الخطاب السياسي والشعبي لدى جمهور الاحتلال، ومحاولة "الصهيونية الدينية" خاصة واليمين المتطرف بشكلٍ عام، تحقيق مزيد من "الإنجازات" على أرض الواقع، وأن تسعى إلى الاستفادة من حالة "الانتصار" التي سوقتها "منظمات المعبد" وداعموها من السياسيين الإسرائيليين، في سياق فرض مزيد من الوقائع داخل الأقصى.

هذا التقرير الخطير ينبغي على كل العرب والمسلمين في العالم الاطلاع عليه وترجمته إلى كل اللغات، فهو يشكّل جرس إنذار خطير حول ما يجري في القدس وبشأن المسجد الأقصى، ويوازي إلى حد ما الحريق الكبير الذي تعرض له المسجد في 21 آب/ أغسطس من العام 1969، والذي كان الدافع لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي وتشكيل لجنة القدس.

هذا التقرير الخطير، إضافة لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في سوريا ولبنان، والاستهداف المباشر لحكومة أنصار الله في اليمن واستهداف إيران، واحتمال تصاعد المواجهات مع تركيا ومصر والأردن، والإعلان عن ضم الضفة الغربية ورفض قيام الدولة الفلسطينية، ويضاف لذلك هذه الإبادة المستمرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.. كل هذه التطورات تكشف المخاطر الكبيرة عن هذا المشروع الإسرائيلي الكبير. وفي المقابل، يغيب المشروع العربي للمواجهة، في ظل تعثر المشروع الإيراني بعد الضربات القاسية التي تلقاها، في حين أن قوى المقاومة في المنطقة تواجه تحديات وضغوطا كبيرة داخلية وخارجية.

كل ذلك يفتح الباب مجددا أمام النقاش حول آفاق المشروع العربي وكيفية الوقوف أمام هذا المشروع الصهيوني الخطير، فهل من يسمع أو يرى أو سنظل مشغولين في الصراعات التاريخية والحزبية وتقاسم السلطات والبحث في نزع السلاح وتحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية.

x.com/kassirkassem
التعليقات (0)

خبر عاجل