اقتصاد دولي

وزير بعهد مبارك يدعو حكومة السيسي إلى فك الارتباط مع صندوق النقد الدولي

ظروف اقتصادية ضاغطة على المصريين بفعل سياسات نظام السيسي- عربي21
ظروف اقتصادية ضاغطة على المصريين بفعل سياسات نظام السيسي- عربي21
فجر وزير الاستثمار المصري الأسبق في عهد حسني مبارك، والمسؤول السابق بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية الدكتور محمود محيي الدين، الجدل في مصر، بدعوته حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، باتخاذ مسار بعيد عن صندوق النقد الدولي وفك الارتباط مع المؤسسة الدولية المقرضة للقاهرة.

وقال في تصريحات صحفية "حان الوقت لاتخاذ مصر مسارا اقتصاديا مختلفا عن صندوق النقد الدولي"، مطالبا القاهرة بأن تتخلى عن برنامج الصندوق الحالي، مؤكدا أن اقتصاد البلاد في هذا الإطار لا يحقق أي نمو حقيقي منذ العام 2015، وذلك في تصريح يمثل تحولا في آراء الخبير الاقتصادي الدولي الذي طالما دافع عن روشتة صندوق النقد الدولي في مصر.

اظهار أخبار متعلقة



وفي انتقاد غير مباشر لسياسات حكومات السيسي، طيلة السنوات الماضية، أكد أن "الاقتصاد المصري كان يدور خلال الـ10 سنوات الماضية في إطار اقتصاد إدارة أزمات"، ملمحا إلى أنه "وفقا لمؤشرات الناتج المحلي الثابت لم يتحرك منذ عام 2015"، منتقدا برنامج الصندوق، ومؤكدا أنه "لا يتعامل مع أولويات الاستثمار أو الادخار أو التصدير ولكنه معني بالتعامل مع الاختلالات المالية والنقدية".

ورغم قوله إن "مصر استطاعت تجاوز أزمة السوق السوداء للعملة الأجنبية"، لكنه أكد أن "هناك أزمات اقتصادية أخرى"، مشيرا لضعف مساهمة مصر بالاقتصاد العالمي رغم ما لديها من قوة عمل.

وأوضح أنها "تساهم بنسبة 0.3 بالمئة من الاقتصاد العالمي رغم عدد سكان يمثل 1.3 بالمئة من التعداد العالمي"، مبينا أن اقتصادها يحتاج أن ينمو 4 أمثال ذلك، وموضحا أنه يمكنها تحقيق ذلك بـ"دفع الادخار والتصدير وزيادة الإيرادات العامة ودور أكبر للقطاع الخاص".


يأتي حديث محيي الدين، بعد نحو شهر من قول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في 27 تموز/ يوليو الماضي، إن "الأزمة الاقتصادية التي واجهتها الدولة على مدار الفترة الماضية، تم تجاوزها، مؤكدا أن "مؤشرات أداء الاقتصاد كلها جيدة".

ديون مصر في عهد السيسي

منذ 2016، لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي 5 مرات للحصول على قروض، أولها وأكثرها قيمة في تشرين الثاني/ نوفمبر من ذات العام بقيمة 12 مليار دولار، والذي تبعه تحرير سعر صرف الجنيه (التعويم)، وخفض دعم الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.

في أيار/ مايو 2020، أقر الصندوق قرضا بقيمة 2.77 مليار دولار في ظل جائحة كورونا، ليتكرر الأمر في حزيران/ يونيو 2020، بقيمة بلغت 5.2 مليار دولار، ثم قرض بـ 3 مليارات دولار في كانون الأول/ ديسمبر 2022، جرى توسيعه في آذار/ مارس 2024، ليصل إلى 8 مليارات دولار، ما صاحبها جميعا شروط مجحفة بينها خفض الدعم وتخارج الدولة من الاقتصاد وبيع الأصول للقطاع الخاص.

وتنفيذا لاشتراطات صندوق النقد الدولي، طرحت الحكومة المصرية أهم الأصول والشركات العامة أما مستثمرين استراتيجيين، فيما يُقدر حجم الأصول التي تم بيعها منذ بدء برنامج الطروحات عام 2022 وحتى منتصف عام 2024 بحوالي 5.1 مليار دولار.

وقبل أيام اعترف وزير المالية الحالي بـ"تضاعف العجز الكلي لموازنة مصر إلى 1.26 تريليون جنيه بالعام (2024-2025)، بضغط فوائد الديون"، كاشفا عن أن "فوائد الديون تلتهم 73.1 بالمئة من إيرادات مصر العام المالي الماضي حيث بلغت 1.9 تريليون جنيه".

منتصف تموز/ يوليو الماضي، أعلن تقرير لصندوق النقد الدولي عن تسجيل خدمة الدين الخارجي 46.6 مليار دولار بالعام المالي الحالي، و45 مليار دولار في العام المالي المقبل، كاشفا عن تعهد حكومة القاهرة بتخصيص كل الإيرادات الدولارية للدولة لسداد أقساط وفوائد الديون حتى عام 2047.

في المقابل تواصل الحكومة ضغوطها على 108 ملايين مصري بالداخل، يعاني أغلبهم مع الفقر والفقر المدقع والوقوع تحت خط الفقر العالمي، حيث تقوم بخفض الدعم عن الخبز، والوقود (البنزين والسولار والغاز)، والكهرباء، والمياه، والاتصالات، والنقل والمواصلات، وجميع الخدمات.


وتتوسع الحكومة في فرض الضرائب على المصريين، حيث تُمثل الضرائب 85 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة (2025/2026)، فيما تستهدف زيادة نسبة مساهمة الضرائب في الناتج المحلي الإجمالي إلى 16 بالمئة، بينما كانت في السنة المالية السابقة 6.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.


ويرى خبراء أن معدلات خفض الدين المصري لا تتناسب مع ما يصل البلاد من دخل دولاري، مشيرين إلى قول وزير المالية أحمد كجوك الأحد، إن بلاده خفضت الدين الخارجي بقيمة 4 مليارات دولار خلال العامين الماضيين، بينما وصل دخل مصر 150 مليار دولار في ذات الفترة.


جرس إنذار خطير

وفي تعليقه على حديث محمود محيي الدين، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم، لـ"عربي21": "هذا ما نقوله كخبراء اقتصاد منذ 2015، وطالما تحدثنا عن فقه الأولويات، وعن أهمية ودور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والاقتصاد المتوازن بين البنية الأساسية وبين دعم القطاعات الهيكلية الإنتاجية، وطالبنا بعدم وضع الديون في مرافق طويلة الأجل بغزارة".

وأكد أن "صدور هذا الكلام الآن كنتيجة لسياسات الحكومة بالسنوات الماضية على لسان محيي الدين وهو خبير الاستثمار في شمال أفريقيا، ينفي قول رئيس الوزراء الشهر الماضي عن تحسن الاقتصاد، لأن كلامه من داخل المنظومة وليس من شخص معارض لسياساتها".

اظهار أخبار متعلقة



ولفت إلى أنه "يعني أن الأمر أصبح جد خطير"، مضيفا: "لأنه لا يمكن رهن أصول وأراضي مصر مقابل سداد فوائد الديون -ليس أصل القروض- التي تستهلك 65 بالمئة وفقا لأرقام وزارة المالية"، ملمحا إلى أنه "لم ينتبه أحد بعد إلى كارثة الدين الداخلي وهي أرقام رهيبة أدت إلى إضعاف مستوى الجنيه".

وقال خزيم: "هذا الكلام يجب أخذه كجرس إنذار خطير، من رجل لديه بيانات مراجعات الصندوق لاقتصاد مصر، وبهذه التفاصيل الفنية والمبنية على أرقام، ومن رجل ليس ضد النظام المصري بل كان مرشحا لمنصب رئيس الوزراء والخلاف كان على مطالبته بصلاحيات أوسع".

هل يمكن لمصر فك ارتباطها بصندوق النقد الدولي؟

ويرى الخبير المصري، أنه "عمليا يمكن، وقلت هذا الكلام منذ سنوات، وبداية نذهب إلى الصندوق في نادي باريس للمطالبة بإعادة جدولة بأقساط تكون وفقا لمداخيلي، مع وقف عمليات الاقتراض إلا لمشروعات مدروسة وتستطيع أن تسدد من عوائدها ويتم مراجعتها باللجنة الاقتصادية بمجلس النواب".

وأضاف: "يجب البداية بالصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم مبادرات تمنح عوائد مماثلة لأرقام القروض، مثل مبادرة مخفضة للسياحة، بإعفاء أنشطتها لمدة عام بما فيها مصر للطيران، وكمثال السائح الصيني لو حصلت على 10 بالمئة من 160 مليون سائح صيني سأجلب 16 مليونا سنويا بألف دولار سأحصل على 16 مليار دولار".

وبين أنه "يمكن تكرار هذا النموذج بمبادرة السيارات للمصريين بالخارج، ومبادرة (بنك الأرض) بالصحراء الشرقية وعمل مدن كالغردقة على البحر الأحمر، ومناطق محاجر، واستصلاح زراعي، وزيادة الإنتاج بقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات ولدينا 54 دولة بأفريقيا، ودول منظمة (الكوميسا)، يجب فتح الصادرات لها، وفتح الباب للبنك الأهلي وشركات التأمين والمقاولات للعمل بها، وكل ذلك يسير بالتوازي مع سداد الدين الداخلي، وعندها يمكنك الاستغناء عن الصندوق".
التعليقات (0)