قضايا وآراء

حماس بين الضغط الإنساني والاشتراطات الدولية: قراءة في مقترح ترامب

ماهر حسن شاويش
"المجازر المتواصلة تفرض عليها أن تبحث عن صيغة توقف الحرب، دون أن تفقد شرعيتها النضالية"- جيتي
"المجازر المتواصلة تفرض عليها أن تبحث عن صيغة توقف الحرب، دون أن تفقد شرعيتها النضالية"- جيتي
مقدمة

تشكّل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول "خطة جديدة لغزة" نقطة مفصلية في النقاش الدولي حول مستقبل القطاع.

فالمقترح الذي أعلن عنه يتضمن وقفا فوريا للحرب في حال قبول حركة حماس بنزع سلاحها وتفكيك بنيتها العسكرية، مع انسحاب إسرائيلي تدريجي، ودخول قوات عربية وإسلامية لتولّي إدارة الأمن، تحت إشراف هيئة دولية جديدة يرأسها ترامب نفسه.

هذا الطرح يضع حماس في "الزاوية"، كما وصفه بعض الإعلام، ويضعها أمام خيارين متناقضين: القبول بشروط تمس جوهر وجودها السياسي والعسكري، أو الرفض بما يعني استمرار المجزرة. فكيف يمكن أن ترد حماس؟ وما السيناريوهات المحتملة لموقفها؟

العوامل المؤثرة في قرار حماس
التجارب السابقة مع إسرائيل والولايات المتحدة جعلت الحركة متشككة في أي التزام غربي، ما لم يقترن بآليات تحقق ومراقبة حقيقية

1. الوضع الإنساني في غزة

بعد أكثر من 700 يوم من الحرب والحصار، يرزح القطاع تحت كارثة إنسانية غير مسبوقة، وهذا الواقع يضغط على حماس للبحث عن أي صيغة توقف نزيف الدم، وتمنع مزيدا من التهجير والانهيار المجتمعي.

2. القاعدة الشعبية

توازن حماس حساس بين صمودها كمقاومة وبين حاجة جمهورها المنهك إلى هدنة، وأي تنازل مفرط سيُقرأ كاستسلام، وأي رفض مطلق سيُتهم بأنه تجاهل لمعاناة المدنيين.

3. الدعم الإقليمي

علاقات حماس مع قطر وتركيا وإيران ومصر تفرض عليها النظر إلى مواقف هذه الأطراف، فمدى استعداد هذه الدول لتبني صيغة "نزع السلاح مقابل وقف النار" سيكون محددا قويا.

4. مصداقية الضمانات الدولية

التجارب السابقة مع إسرائيل والولايات المتحدة جعلت الحركة متشككة في أي التزام غربي، ما لم يقترن بآليات تحقق ومراقبة حقيقية.

السيناريو الأول: الرفض المشروط

الأرجح أن حماس ستلجأ إلى رفض صريح لنزع السلاح الفوري، مع ترك الباب مفتوحا لتهدئة إنسانية أو تفاوض مشروط. فالسلاح هو جوهر وجود الحركة، وتفكيكه دون مقابل سياسي واضح يعني نهاية دورها.

وكذلك القبول بهدنة إنسانية محدودة المدة، مقابل فتح المعابر وإدخال الإغاثة، وربما إطلاق سراح أسرى. ستظهر هنا حماس بمظهر من يحاول حماية المدنيين دون التفريط في الثوابت،  لكن المخاطرة ستكون باستمرار استنزاف القطاع عسكريا واقتصاديا في حال لم يتحقق اتفاق أوسع.

السيناريو الثاني: الرفض الكامل والمواجهة

في حال رأت حماس أن المقترح لا يقدم أي ضمانة حقيقية سوى "الاستسلام المشروط"، قد ترفضه بالكامل؛ لأن نزع السلاح يعني تسليم زمام غزة لإدارة دولية، وهو ما يتناقض مع خطاب الحركة المقاوم. وستسعى لتعزيز العمليات العسكرية لرفع كلفة الحرب على إسرائيل وإجبار الوسطاء على تقديم بدائل.

الفرصة هنا تكمن بالحفاظ على سردية المقاومة ورفض الوصاية، لكن المخاطرة ستكون بالمزيد من الدماء، وتحميل الحركة المسؤولية عن معاناة المدنيين، وتعميق عزلة غزة.

السيناريو الثالث: القبول بشروط معدلة

إذا حصلت حماس على ضمانات قوية جدول زمني ملزم لانسحاب إسرائيلي، وإشراف دولي محايد بدل وصاية أمريكية مباشرة، واعتراف بدور فلسطيني وطني جامع؛ فقد تميل إلى القبول الجزئي.

فالواقعية السياسية تفرض البحث عن مكاسب آنية للشعب، دون إعلان هزيمة. وعليه، يمكن صياغة تفاهم حول "ضبط السلاح" بدل "نزعه"، أو تأجيل النقاش إلى مرحلة لاحقة.

هذا السيناريو يوفر الفرصة لوقف المجزرة مع الحفاظ على بعض أوراق القوة. وتكمن المخاطر فيه باتهامات داخلية بالتفريط، وإمكانية غدر الطرف الآخر بالاتفاق.

السيناريو الرابع: الانقسام الداخلي

التباين بين الجناحين السياسي والعسكري قد يظهر للسطح، والقيادة السياسية قد تميل إلى التهدئة تحت الضغط الإنساني، بينما يصر العسكريون على رفض نزع السلاح.

والنتيجة، ارتباك في الموقف الرسمي، وضعف القدرة على التفاوض. والمخاطر هنا ستكون كلفتها كبيرة عبر استغلال هذا الانقسام لتمرير صيغة دولية تتجاوز الحركة.

دلالات خطاب ترامب

1. تصنيع قيادة فلسطينية:
من المرجح أن يكون رد حماس على مقترح ترامب برفض نزع السلاح الفوري، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام هدنة إنسانية مؤقتة بشروط تحفظ ماء الوجه وتخفف الكارثة في غزة. لكن قبولا كاملا بالشروط يبدو بعيدا، كما أن الرفض المطلق محفوف بالمخاطر

الحديث عن "مجلس سلام" برئاسة ترامب وعضوية توني بلير يكرّس نية واضحة لإنتاج إدارة بديلة للفلسطينيين، خارج إطار منظمة التحرير أو حماس.

2. وصاية جديدة:

تحميل الدول العربية والإسلامية مسؤولية التعامل مع حماس، يعني وضع غزة تحت وصاية إقليمية-دولية طويلة الأمد.

3. الضغط الأخلاقي:

وضع الخيار أمام حماس بين قبول التفكيك أو تحمّل مسؤولية استمرار المجزرة يشكّل ضغطا أخلاقيا يصعب تجاوزه.

ما بين السياسة والإنسان

التحدي الأكبر أمام حماس أنها مطالبة اليوم بأن تكون "إنسانية" بقدر ما هي "مقاومة". فالمجازر المتواصلة تفرض عليها أن تبحث عن صيغة توقف الحرب، دون أن تفقد شرعيتها النضالية. وهذا التوازن صعب، لكنه جوهر معركة الوعي الآن.

خلاصة

من المرجح أن يكون رد حماس على مقترح ترامب برفض نزع السلاح الفوري، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام هدنة إنسانية مؤقتة بشروط تحفظ ماء الوجه وتخفف الكارثة في غزة. لكن قبولا كاملا بالشروط يبدو بعيدا، كما أن الرفض المطلق محفوف بالمخاطر.

في النهاية، يظل القرار رهين معادلة معقدة: إنقاذ المدنيين فورا من الموت والتهجير مقابل الحفاظ على الثوابت الوطنية ورفض الوصاية الدولية، وما لم يتمكن الفلسطينيون من صياغة بديل وطني جامع وشرعي، فإن الخطر الأكبر هو أن تتحول هذه اللحظة إلى بوابة نحو مرحلة "وصاية دولية جديدة" تطوي صفحة الحركة الوطنية الفلسطينية كما عرفناها.
التعليقات (0)

خبر عاجل