سياسة عربية

خبراء: التأثير السلبي للتجويع القسري قد ينتقل للأجيال القادمة

عدد شهداء التجويع في غزة ارتفع ليصبح 455 بينهم 151 طفلاً- جيتي
عدد شهداء التجويع في غزة ارتفع ليصبح 455 بينهم 151 طفلاً- جيتي
مع اقتراب حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة من دخول عامها الثالث، يستمر منع دخول الغذاء لسكان القطاع بكميات تكفيهم لسد حاجتهم اليومية.

وأدى منع دخول الطعام والحصار المفروض على قطاع غزة إلى حدوث مجاعة، وذلك باعتراف الأمم المتحدة نفسها، ووفقا لبيان لوزارة الصحة في غزة نشرته الأربعاء، فإن عدد شهداء التجويع ارتفع ليصبح 455 بينهم 151 طفلاً.

علما أن سكان قطاع غزة ليسوا الوحيدين الذين يعانون من التجويع القسري، فسكان مدينة الفاشر السودانية يعانون أيضا من تجويع قسري ممنهج، وذلك نتيجة لحصار قوات الدعم السريع للمدينة وبالتالي منع دخول الطعام إليها.

وكانت شبكة أطباء السودان قد قالت إنه تم تسجيل 23 وفاة بسبب سوء التغذية الحاد بين الأطفال والنساء في مدينة الفاشر المحاصرة خلال أيلول/ سبتمبر، وتبقى الأرقام غير دقيقة لعدم وجود إحصائيات دقيقة بسبب الحرب.

ولمعرفة تأثير التجويع القسري على صحة الإنسان التقت "عربي21"، بعدد من الخبراء، واستعرضت معهم التأثيرات السلبية للتجويع القسري على صحة الإنسان، وسيتم نشر تحليلاتهم المستندة للحقائق العلمية على حلقتين.

اظهار أخبار متعلقة


وأكد أستاذ علم الأوبئة والتغذية في كلية "تي إتش تشان" للصحة العامة بجامعة هارفارد، والتر ويليت، أن "التجويع القسري عملٌ غير أخلاقي وإجرامي".

وتابع ويليت في حديث خاص لـ"عربي21"، "أنا مُتأسف للغاية لما يحدث، وأن هذه الأسئلة بحاجة إلى طرح، يعلم معظم العالم أن هذه جريمة ضد الإنسانية، وأن توفير الغذاء والرعاية الصحية الكافيين حقان أساسيان من حقوق الإنسان يجب استعادتهما".

وأوضح أنه "نتيجة للتجويع القسري فإن وظيفة كل عضو في الجسم ستتأثر، ومع استمرار التجويع، قد تحدث الوفاة، ويُعد جهاز المناعة من أوائل الأجهزة التي تتعطل، ولذلك يُصاب الكثير من الناس بالعدوى، مما قد يؤدي إلى الوفاة".

وحول التأثيرات السلبية الدائمة المُحتملة، قال ويليت، "يُعدّ الضرر الدائم مشكلةً خاصة لدى الأطفال، لأن أعضاءهم في طور النمو، ويمكن أن يتأثر كل عضو، وقد وُثِّقت حالاتٌ كثيرة من الضرر العصبي الدائم وضعف الوظائف الإدراكية".

وأكد أن "شرب الماء والملح لا يُعوّض نقص العناصر الغذائية الأساسية، كلٌّ من الماء والملح ضروريان، ولكن الإفراط في تناول الملح قد يُسبّب ارتفاع ضغط الدم وتلف الكلى".

وعن ضرر تناول أوراق الشجر أو العلف أو الطحين الملوث، قال ويليت، "أعتقد أن هذه الملوثات من غير المرجح أن تُسبب مشاكل صحية مستقبلية مباشرة، لكن القلق الأكبر يكمن في احتمالية نقلها لأمراض معدية، وحقيقة واضحة مفادها أنها لا تُغني عن نظام غذائي سليم".

تأثير سلبي مستقبلي على الجينات
يُعتبر الغذاء الصحي عنصر مهم لصحة الطفل والمرأة الحامل، وعدم توفره قد يعرض الأم الحامل لأعراض صحية سلبية وخطيرة جدا، وبالتأكيد لا يقتصر الضرر عليها وحدها، بل قد يصل للجنين أيضا فهو يعتمد في غذائه خلال فترة الحمل على ما تتناوله الأم من طعام.

وتُثار تساؤلات عن احتمالية تأثير التجويع القسري على الأجنة، وما احتمالية تأثيره على جينات الأم والأب وبالتالي انتقال هذا التأثير السلبي على الأجيال القادمة.

وقالت الدكتورة فاطمة عناية، اختصاصية علم الوراثة، إن "سوء التغذية (نقص الفيتامينات والاحماض الأمينية والعناصر الغذائية الأخرى) عند الأم الحامل نتيجة للتجويع، يُسبب مشكلة EPIGENETICS (ما فوق الجينات)، أو ما يمكن تسميته بترجمة الجين".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضحت عناية في حديث لـ"عربي21"، أن هذا الخلل يؤدي لحدوث مشاكل في البروتينات التي تنتجها الجينات، أي أنه يجعل جينات الجنين تعمل زيادة عن معدلها الطبيعي، وجينات أخرى تعمل أقل من معدلها الطبيعي، ما يؤدي لحدوث خلل في البروتينات الناتجة عنها".

وتابعت "هذا يؤدي لحدوث تشوهات خلقية لدى الجنين وتشوهات في عمل وحجم الدماغ، وحتى في حجم الجنين حينما يُولد ومشاكل في تكوين العظام والتنفس والمناعة لديه".

ووفقا لعناية "يؤثر نقص التغذية على مناعة الأم الحامل وبالتالي يحدث التهابات فيروسية وبكتيرية تؤدي إلى حدوث خلل في النمو في الدماغ والأعضاء الداخلية للجنين، وفي بعض الحالات يؤدي للاجهاض".

وأكدت اختصاصية علم الوراثة أن "نقص الماء الذي تشربه الأم الحامل يؤثر على عمل أعضاء الجنين حينما تتكون ونفس التأثير السلبي على (ما فوق الجينات) الذي يحدث نتيجة نقص التغذية، حيث يؤدي الجفاف لمشاكل في عمل الجينات وبالتالي عمل البروتينات والتي هي أصلا تُنتج فيها خلل، وحتى البروتينات بعد انتاجها من الجينات يحدث لها تطور من حالة غير عملية إلى حالة عملية".

وأوضحت، "بالمحصلة نقص التغذية يؤدي لخلل في نسب (الأحماض الأمينية والبروتينات والفيتامينات والدهون) ويسبب مشكلة في عمل البروتينات المتعلقة ب DNA، وأيضا هي لها علاقة أيضا في تكون الجنين".

أما فيما يخص سوء التغذية لدى الرجال وتأثيره السلبي على أبنائهم مستقبلا، قالت عناية، "يؤدي لحدوث مشاكل في الحيوانات المنوية وتكسر في الـ DNA ما يؤدي لخلل في المادة الوراثية وبالتالي يكون الأطفال لديهم خلل وراثي واعاقات، وكل هذه المشاكل تؤدي لحدوث اجهاض متكرر".

ولفتت إلى أن التجويع القسري "يؤدي لحدوث تأخر في الحمل، أيضا يؤثر على الأطفال حاليا بمعنى التأثير على نموهم وذلك عبر التأثير على المواد الأولية داخل الجسم والتي يصبح عددها أقل من الطبيعي، بالتالي يصبح مثلا عمل الدماغ أقل وحدوث مشاكل في الأنزيمات والهرمونات والنواقل العصبية، ويؤثر نقص التغذية أيضا على مناعة الأطفال".

التجويع يؤثر على أحفاد المُجوعين
من جهته نشر موقع المركز الطبي بجامعة كولومبيا الأمريكية (CUMC) تقريراً تحدث فيه عن تأثير الجوع على الأجيال اللاحقة، وقال إن "الأدلة المستمدة من المجاعات البشرية والدراسات على الحيوانات تُشير إلى أن الجوع يمكن أن يؤثر على صحة أحفاد الأفراد الذين عاصروا المجاعة".


وتابع التقرير الذي ترجمته "عربي21"، "لكن لم تتضح بعد كيفية انتقال هذه السمة المكتسبة من جيل إلى جيل، و تُظهر دراسة جديدة، شملت الديدان الأسطوانية، أن الجوع يُحدث تغييرات محددة في ما يُسمى بالأحماض النووية الريبوزية الصغيرة، وأن هذه التغييرات تُورث عبر ثلاثة أجيال متتالية على الأقل، دون أي تدخل للحمض النووي على ما يبدو".

اظهار أخبار متعلقة


وقال الدكتور أوليفر هوبرت، قائد الدراسة والباحث في المركز الطبي بجامعة كولومبيا: "إن أحداثًا مثل المجاعة الهولندية في الحرب العالمية الثانية دفعت العلماء إلى إعادة النظر في الوراثة المكتسبة".

وتابع، "كان الأطفال الذين أنجبتهم النساء الجائعات خلال المجاعة أكثر عرضة للسمنة واضطرابات التمثيل الغذائي الأخرى، وكذلك أحفادهن، وقد توصلت تجارب مُحكمة على الحيوانات إلى نتائج مماثلة، بما في ذلك دراسة أجريت على الفئران أظهرت أن اتباع الآباء لأنظمة غذائية عالية الدهون بشكل مزمن يؤدي إلى إصابة أطفالهم الإناث بالسمنة".
التعليقات (0)

خبر عاجل