السفير البريطاني في
تونس، رودي ريموند،
دبلوماسي مخضرم أمضى أكثر من أربعة عقود في العالم العربي والإسلامي، واكتسب
خلالها خبرة واسعة في القضايا الدولية، وهو يتقن إلى جانب الإنجليزية كلا من
العربية والفرنسية.
في هذا
الحوار مع الإعلامي كمال بن يونس
لـ
"عربي21"، يتحدث ريموند عن التحولات المتسارعة أوروبيا ودوليا باتجاه
الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية وقيام دولة مستقلة، كما يعلّق على
"مبادرة ترامب" لوقف الحرب في غزة، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي
ومخاوف من اتساع رقعة المواجهة نحو إيران والمنطقة بأسرها.
وفيما يلي نص الحوار :
س ـ اعترفت
بريطانيا وفرنسا وعدة دول غربية مؤخرا بـ "الدولة الفلسطينية".. وبذلك
ناهز عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية نحو 150 دولة، هذا التطور التاريخي تزامن مع تحركات
مكثفة قام بها الرئيس الأمريكي ترامب وقادة العالم والمنطقة على هامش الجلسة
العامة السنوية الأمم المتحدة. هل تتوقع نجاح "مبادرة ترامب" وشركائه؟ وهل يمكن أن تقوم
الدولة الفلسطينية فعلا أم يجب إحداث "آليات" تضمن تفعيل "التوصيات"
بوقف الحرب وإحلال السلام؟
ـ الاعتراف
بالدولة الفلسطينية تطور مهم جدا ... لكن لا بد من "آليات"
واضحة لتكريس التوصيات والشعارات والقرارات التي أصدرتها غالبية دول العالم حول
السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة و"حل الدولتين"..
إن القرارات التاريخية التي أعلن عنها قبل أيام
رئيس حكومة بريطانيا ستارمر وعدد من قادة العالم الغربي مهمة جدا.. وخطوة عملية
وملموسة للدفع في اتجاه سلام عادل وشامل ودائم ووقف حرب الإبادة الجماعية في قطاع
غزة والاعتداءات على حقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية، وبينها اعتداءات
وحشية يقوم بها مستوطنون ومسلحون إسرائيليون على المدنيين العزل في عدد من القرى
والأرياف والمدن في الضفة .
لكن حكومات يريطانيا و العديد من الدول الغربية والأطلسية انتقدت بوضوح جرائم
الحرب والانتهاكات التي تورطت فيها حكومة نتنياهو في الضفة الغربية وبحجم أكبر في
قطاع غزة...
ونعتقد أنه لا بد من إيقاف الحرب فورا
والمضي في مسار سياسي ومسار سلام شامل وإعداد "آليات" واضحة تضمن تفعيل
القرارات التاريخية الجديدة وبينها الاعتراف العالمي الكبير بـ "حل الدولتين"
و "بدولة فلسطينية مستقلة"..
هذه التطورات مهمة جدا وتحتاج تنسيقا أكبر
بين كل الدول الفاعلة وبينها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية
والإسلامية..
نحن نؤمن بالشراكة بين الأمم المتحدة وأوروبا
والإدارة الأمريكية وكل الأطراف الفاعلة.. ولا أعتقد أن أي مبادرة يمكن أن تنجح إذا
لم يدعمها الجميع ،
حتى يكون "مسار السلام" الجديد ناجحا وتتوقف الحروب والنزاعات المسلحة وتتوقف
المذبحة الحالية في غزة وحتى لا تتوسع رقعة الحروب مجددا ..
وإحمالا فإن مبادرة ترامب وشركائه مهمة، لكن
إنجاح مسار السلام يتطلب "آليات" و "مسارا" شاملا...
لا يمكن لولشنطن ولا لأي طرف آخر أن ينجح
لوحده في إحلال السلام ..
الشراكة مع تركيا وسوريا والدول الإسلامية
س ـ لاحظ المراقبون
أن الرئيس الأمريكي ترامب نوه مرارا
بالدور الإقليمي والدولي لتركيا والرئيس التركي رجب الطيب أردغان وكذلك بالرئيس
السوري الجديد أحمد الشىرع وقادة عدد من الدول العربية والإسلامية .. هل يعني ذلك دعما لما يسمى بـ "النظام
الإقليمي والدولي الجديدين" ودعم الأنظمة التي تكون أكثر تقاربا مع واشنطن وتل
أبيب؟
ـ جلسات
العمل التي نظمت في نيويورك وواشنطن وفي عدة عواصم مهمة لأنها تدعم فرص وقف حرب الإبادة
الجماعية في غزة والضفة الغربية وكل النزاعات المسلحة.. والسلام ضروري ومفيد، لكن
لا يمكن الذهاب بعيدا أو مسايرة الذين يتحدثون عن "نظام إقليمي ودولي جديدين"
يتحكم فيه نتنياهو أو ترامب أو غيرهما.. الأمور أكثر تعقيدا .. بريطانيا وأوروبا والولايات
المتحدة وبقية الدول الصديقة يمكن أن تساهم معا في حهود وقف الحروب وقيام سلام
شامل على أسس صلبة ..
أما عن التنويه يدور تركيا وسوريا الجديدة
وزعمائهما فاعتقد أن لديه علاقة بمصالح الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا
والمناطق الحدودية السورية التركية والسورية الإسرائيلية والسورية الأردنية ...
انفصال "الأقليات" وتغيير خارطة
المنطقة
س ـ لكن قوات الاحتلال
الإسرائيلي كثفت منذ مدة انتهاكاتها للأرضي السورية ولمجالها الجوي وحرمة مواقعها
السيادية وعاصمتها دمشق مع دعم "الأقليات" وبعض "الانفصاليين"
في وقت يلوح فيه زعماء "دروز" بالعودة إلى سيناريو 1923 وتأسيس دولة في
"السويداء" تشمل أراض سورية وأردنية ،ما هو رايكم؟
ـ نحن
ضد تغيير خارطة المنطقة.. وضد المساس بحدود سوريا والأردن والعراق وغيرها، وضد
النيل من الوحدة الترابية والوطنية لأي منها مهما كانت المبررات ..صحيح أن
بريطانيا كانت طرفا في اتفاق "سايس بيكو" البريطاني الفرنسي في 1916... (الذي
أسفر عن الحدود الحالية لسوريا ولبنان والأردن والعراق وفلسطين قبل احتلالها)...
لكننا ندعم اليوم الاستقرار في المنطقة... ونعتقد أننا يمكن أن ننجز ذلك بالشراكة
مع الولايات المتحدة الأمريكية وشركائنا في أوروبا ودول الحلف الأطلسي والعالم
العربي الإسلامي.
دور تركيا والسعودية في ليبيا وسوريا
س ـ هناك من توقف عند "إطناب " الرئيس ترامب في التنويه
بالرئيس التركي رجب الطيب أردغان ودوره الاقليمي والدولي ونجاحه "التاريخي"
في تغيير النظام السوري أواخر العام الماضي، فهل يعني ذلك دعما أمريكيا لدور تركي
جديد في العالم العربي والإسلامي وبصفة أخص في سوريا والعراق وفلسطين وليبيا على حساب أدوار مصر وإيران وبعض
دول الخليج وبينها السعودية والإمارات؟!!
ـ لا
أتوقع ذلك ..
طبعا تركيا تريد حماية أمنها ومصالحها في سوريا والعراق والمنطقة.. والولايات
المتحدة الأمريكية لديها مصالح كثيرة ... وهما ساندا إضعاف الدور الإيراني في سوريا ومحيطها، والكل اعتقد أن
تركيا أو مصر أو السعودية أو الإمارات وقطر ما تزال لديها اليوم أجندة في ليبيا أو
سوريا أو لبنان أو العراق أو فلسطين ...
الأوضاع تغيرت عن مرحلة العشرية الماضية ولم
تعد لتركيا أو مصر أو دول الخليج أجندة أمنية وعسكرية وسياسية ضخمة في ليبيا
وغيرها ... والنزاعات المسلحة
والخلافات السياسية والاقتصادية في ليبيا وسوريا وغيرهما يمكن أن تحسم عبر
التوافقات الداخلية والحوارات الوطنية التي يمكن أن تدعمها الأمم المتحدة والدول
الصديقة ...
حرب جديدة ضد إيران
س ـ لا بستبعد كثير من المراقبين أن تفتعل حكومة نتنياهو
وقيادات "اللوبي الأكثر تطرفا"
في تل أبيب وأمريكا أزمة جديدة مع إيران ثم ضربات عسكرية ضدها ...ما هو رأيك؟
ـ نحن
ضد تفجير أي حرب جديدة مع إيران وضد توسيع رقعة الحروب، ونعتقد أنها
سوف تتسبب في أضرار كبيرة لكل الأطراف بما في ذلك دول الخليج العربية النفطية، لكن
هذا السيناريو وارد، خاصة إذا فشلت محاولات وقف الحرب في قطاع غزة وفي لبنان .. وقد يكون شن
الحرب ضد إيران محاولة جديدة من حكومة ناتنياهو "للهروب إلى الأمام" بعد
تزايد الضغوطات الشعبية والرسمية عالميا من أجل وقف حرب الإبادة في فلسطين..