على وقع الأمواج المتلاطمة في شرق المتوسط، يُبحر "أسطول الصمود العالمي" باتّجاه
غزة، محمّلا بمساعدات إنسانية، ومطالب قانونية لا تخطئها البوصلة. ورغم تهديدات
الاحتلال الإسرائيلي باعتقال المشاركين أو اعتراض السفن، يصرّ أكثر من 500 ناشط من نحو 40 دولة على استكمال مهمتهم، ليس فقط لإيصال الغذاء والدواء، بل لكسر الحصار، وفضح الصمت الدولي الذي طال أمده.
في هذا السياق، أجرت "عربي21" حوارا خاصّا مع المحامي الفلسطيني وأستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، عبد القادر العزة، للحديث عن الإطار القانوني لأسطول الصمود، والموقف الدولي من جرائم الحرب، ومسؤوليات الدول تجاه غزة، وسط استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على كامل القطاع المحاصر.
تاليا نص الحوار:
كيف ينظر القانون الدولي إلى منع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع، كما يحدث الآن على حدود قطاع غزة؟
من ناحية قانونية يعتبر منع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع المسلح من أخطر الانتهاكات في القانون الدولي الإنساني. حيث أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 في المادتين 23 70، ونص المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 كرّست مايقضي بوجوب السماح بمرور المساعدات الإنسانية بشكل سريع ودون عوائق.
دون إغفال أن أي عرقلة متعمّدة لهذه القوافل قد تُرقى إلى مستوى استخدام التّجويع كوسيلة حرب، وهو فعل مجرم صراحةً، في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وتتخذ خطورة الوضع على حدود قطاع غزة، بُعدًا إضافيًا، إذ أنّ الحصار المفروض ومنع تدفق المساعدات يحدثان في ظل واقع تؤكد فيه تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان على أن سكان قطاع غزة يواجهون ظروفًا كارثية، ترقى إلى مستوى المجاعة والإبادة الجماعية.
من هنا، يصبح المنع الممنهج للمساعدات ليس مجرد خرقا لإلتزامات "إسرائيل" القائمة بالحصار، بل جريمة، ذات طبيعة دولية، يمكن أن تُعرض المسؤولين عنها للمساءلة الفردية، أمام القضاء الجنائي الدولي.
- في بيان أسطول الصمود، يُشار إلى أن بعض الحكومات تمتلك الوسائل لكنها تفتقر للإرادة السياسية. فهل يمكن محاسبتها قانونيًا على هذا التقاعس؟ هل من حماية قانونية دولية لأسطول الصمود بموجب القانون الدولي الإنساني؟
من منطلق الالتزام الدولي، بيان أسطول الصمود أشار إلى إشكالية بالغة الأهمية، باستدعاء مزدوج للضمير الدولي والقانوني: حيث أنه من منظور القانون الدولي، هذا التقاعس ليس مجرد قصور أخلاقي، بل يشكّل إخلالا بالالتزامات القانونية التي تفرضها المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف، والتي تلتزم الدول باحترام وضمان احترام أحكام الاتفاقيات في جميع الظروف.
وواقعياً، يمكن اعتبار الامتناع عن التحرك رغم القدرة على التدخل، صورة من صور المسؤولية السلبية؛ أي المشاركة في استمرار المعاناة من خلال الصمت القانوني والسياسي، وهو ما يمكن المجتمع الدولي من مساءلة هذه الدول، ولو كان ذلك على مستوى الضغط السياسي أكثر من الملاحقة الجنائية المباشرة.
والجدير بالذكر هنا أن أسطول الصمود هو أكثر من مجرّد قافلة مساعدات، فهو تجربة حية في اختبار القانون الدولي البحري. فاستناداً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، تتمتع السفن المدنية بحرية العبورفي المياه الدولية، والحق في المرور عبر المياه الإقليمية للدول الساحلية، شريطة عدم تهديد الأمن أو السيادة.
وعليه، فإن أي اعتراض مسلّح للسفن التي تحمل الغذاء والدواء والمدنيين، ليس مجرد انتهاك للقانون البحري، بل يمثّل خرقًا مزدوجًا للقانون الدولي الإنساني والبحري.
اظهار أخبار متعلقة
- إذا قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتراض هذه القوافل أو اعتقال الناشطين، فهل تُعد هذه الأفعال شكلًا من أشكال القرصنة أو جرائم الحرب؟
اعتراض قوافل أسطول الصمود أو اعتقال الناشطين يندرج ضمن نطاق حسّاس من القانون الدولي، يجمع بين حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وضوابط حرية الملاحة البحرية.
أي أنّ هذه الأفعال يمكن أن تصنف خرقًا مزدوجا للقانون الدولي البحري والقانون الدولي الإنساني، فالسّفن الإنسانية، بحملها المساعدات للمدنيين، تُعد كيانات محايدة يفترض احترامها، وأي استخدام للقوة ضدها يشكل انتهاكا لمبادئ التناسب والضرورة.
وقد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب إذا هدف إلى حرمان المدنيين من الإغاثة أو ممارسة عقاب جماعي. وفي سياق متمّم لا يمكن أن ينطبق مصطلح "القرصنة" بالمعنى التقليدي، الذي يشترط أن تكون الأفعال لأغراض ومصلحة خاصة غير مرتبطة بالنزاع.
- برأيك، ما الرسالة القانونية والسياسية الأهم التي يجب أن تصل من "أسطول الصمود" إلى المجتمع الدولي؟
في الواقع أسطول الصمود ليس مجرد قافلة مساعدات، بل رمز حي للحق الفلسطيني في الحياة والكرامة أمام قوة الحصار. هذا الأسطول كرّس أن كل سفينة تتحرك في البحر ليست مجرد وسيلة نقل، بل رسالة قانونية وسياسية مزدوجة: تؤكد على أن الالتزام بالقانون الدولي الإنساني والقانون البحري واجب لا يمكن تجاوزه، وأن أي محاولة لمنع وصول المساعدات أواحتجاز الناشطين تعرض "إسرائيل" للمساءلة الدولية.
كما أن في جوهره، الأسطول يذكر العالم أن الحقوق الأساسية للمدنيين لا تقهر بالقوة، وأن المقاومة المدنية السلمية المنظمة، حين تتماشى مع القانون، تصبح أداة ضغط حقيقية على المجتمع الدولي، تفرض إحقاق العدالة.
اظهار أخبار متعلقة
- بوصفك محاميا وأكاديميا فلسطينيًا، ما الذي يشكّل لك "أسطول الصمود"؟ وماذا تقول للناشطين الذين يخاطرون بحياتهم من أجلكم؟
يشكل هذا الأسطول رمز حي للإرادة والمقاومة والصمود أمام الحصار. كل سفينة تتحرك في اتجاه قطاع غزة هي رسالة واضحة إلى العالم بأن الحياة والكرامة الإنسانية لا يمكن حجبها بالقوة أو القيود، وأنّ التضامن الإنساني يمكن أن يتحرك عبر الحدود ويصل إلى كل من حرم من الحقوق الأساسية.
أما الناشطون الذين يخاطرون بحياتهم، فأقول إنكم تحملون الأمل والعدالة والإنسانية إلى قطاع غزة، مع كل موجة تشقّونها، وكل لحظة تبحرون فيها، وأن ما تقومون به يكتب صفحة من تاريخ الحرية يستلهمها كل من يؤمن بالعدل والإنسانية.