مقالات مختارة

كولومبيا… كم نحبك

عبد الناصر بن عيسى
جيتي
جيتي
في زمن الجفاء إلى درجة النُكران، وفي زمن القسوة إلى درجة اللامبالاة، وفي زمن الصمت إلى درجة الموت، صرنا نقتات فُتات “النخوة” في بقاع الأرض، بين جبال إيرلندا وأخاديد بوليفيا وخلجان جنوب إفريقيا وجزر كولومبيا، بحثا عن كلمة صادقة، ولو كانت من دون صدى.

ما قاله رئيس دولة كولومبيا، التي بعضنا لا يعرف لها موقعا دقيقا في خارطة الكرة الأرضية، لقناة الجزيرة، عن ضرورة تشكيل قوة عالمية لتحرير فلسطين ومواجهة الجرائم الإسرائيلية وعدم الاكتفاء بالتنديد والشجب، يثير فينا بعضا من الروح التي ظننا أنها أزهقت بعد أن نكّلت بأرواحنا المواقف البائسة، لأمة تتسول اعترافا بالدولة الفلسطينية من مغتصبيها ومبيدي شعبها مع الإصرار والترصد والفخر بجرائمهم.

الرئيس الكولومبي “غوستافو بيترو” – مفروض علينا حفظ اسمه – حتى نذكره بخير في كل مقاومة وفي كل مجزرة، كما نذكر أقرب الناس إلينا في أفراحهم وأقراحهم، وهو جار لأمريكا، انتقد ما يسمى بحق الفيتو وقال حرفيا: “يجب إبراز القوة في وجه الإسرائيليين، ولا يمكن لدولة واحدة أن تفرض على العالم بأسره رأيها بالفيتو”. وكان الرجل متفائلا جدا، كما هم أهلنا في المقاومة عندما قال: “أنا على يقين بأن حلم ياسر عرفات سيتحقق في دولة فلسطينية آمنة كما يرتضيها الفلسطينيون وأحرار العالم”.
لا أحد يعرف أمريكا مثل دول أمريكا الجنوبية والوسطى

لا أحد يعرف أمريكا مثل دول أمريكا الجنوبية والوسطى، فكلها من نيكاراغوا إلى كوبا، شربت من كؤوس العلقم الأمريكي، وما تتجرعه حاليا المكسيك وفنزويلا وباناما من استفزاز، يدل على أن ترامب وجماعته لا يريدون للعالم وللقارة الأمريكية من نفس، غير المنبعث من حوبائهم.

حتى بابلو أسكوبار وهو يقود منظمته الإجرامية في تهريب الكوكايين بين كولومبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كان يجد المساعدة من الأمريكيين ومنهم “باري سيل” أكبر مافيا المخدرات على وجه الأرض.

صحيح أن لأمريكا يدا في القضاء عل أسكوبار كما لها يدا في القضاء على أسامة بن لادن، لكن لا يوجد أمريكي واحد، ينفي بأن لها يدا في “تسمين” و”تضخيم” بابلو وأسامة وغيرهما من الذين استعملتهم أمريكا، ثم قتلتهم.

صيحة الرئيس الكولومبي بتشكيل قوة عالمية لتحرير فلسطين جاءت من بلد بعيد، هناك في القارة الأمريكية، محاط بفنزويلا والإكوادور والبرازيل، لا يزيد عدد المسلمين فيه عن 10 آلاف، وجميعهم من أصول شامية لا يتحدثون سوى اللغة الإسبانية، وهم لا يتعدون نسبة 0.02 بالمائة من تعداد السكان، الذي يفوق الأربعين مليون نسمة، وفيهم الوثنيون والكاثوليك والبروتيستانت ومن لا دين له، ومع ذلك خفق قلب كولومبيا لفلسطين، وذهل لصمت الأقربين، وانتقل إلى اقتراح القوة لوقف ما يتعرض له أبناء غزة.

بربكم ألا تستحق كولومبيا الاحترام والحب… عفوا كل الحب؟
ألا تستحق أن تكون نموذجا ننهل منه؟

ألا تستحق، تلك الحقيبة المتخمة بالمال التي حملها ذات ربيع “مكفهّر”، دونالد ترامب وطار من الخليج إلى أمريكا، أين وزعها، حيث تعلمون جميعا؟

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل