مقالات مختارة

وخسروا الراوية

إسماعيل الشريف
الأناضول
الأناضول
اليهود أسياد الكون، وعليهم استخدام نفوذهم في وادي السيليكون للسيطرة على المعلومات الإلكترونية من أجل كسب حرب رقمية-
نورمان كولمان، سيناتور أمريكي سابق.

أصدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي) تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، مؤكدة أن ما ترتكبه الدولة المجرمة في غزة يشكّل إبادة جماعية صريحة ومباشرة.

وجاء في التقرير أن الصهاينة لم يكتفوا بقتل الفلسطينيين، بل محوا عائلات بأكملها من السجل المدني، وسوّوا أحياءً كاملة بالأرض، ودمروا المستشفيات والمدارس بلا رحمة. ويؤكد التقرير أن عام 2024 سيُسجَّل في ذاكرة العالم بوصفه عامًا ازداد فيه الاحتلال جرأة على القتل، بعدما استخدمت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإفشال أي محاولة لوقف المجزرة. وإلى جانب إدانتها للاحتلال، وجّهت آمنستي الاتهام أيضًا للنظام العالمي الذي وصفته بالمنهار، مطالبةً بفرض عقوبات على إسرائيل.

لقد فقد الصهاينة السيطرة على الرواية، واعترفوا بذلك، وهم اليوم يسعون جاهدين لاستعادتها، فعقدوا مؤتمرًا خاصًا بهذا الشأن في الولايات المتحدة نظمته نقابة الأخبار اليهودية. وكان من أبرز المتحدثين إدي كولمان، السيناتور الأمريكي السابق، الذي حذّر من التحوّل الملحوظ لدى جيل «زد» (مواليد 1997–2012)، وهم في غالبيتهم ما زالوا على مقاعد الدراسة أو في بدايات حياتهم المهنية.

وأشار إلى أن هذه الفئة تستقي معلوماتها أساسًا من وسائل التواصل الاجتماعي، التي – حتى الآن – لا يملك الصهاينة سيطرة كاملة عليها. وادّعى كولمان أن رموز الإعلام الرقمي الحديث من الصهاينة أنفسهم، مثل مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك، وسيرغي برين مؤسس جوجل، وجان كوم مؤسس واتسآب، واصفًا إياهم بأنهم «نحن».

ثم تابع قائلًا: «علينا أن نجد وسيلة لحسم المعركة الرقمية، وعندما ننجح في ذلك سيكون مستقبل (إسرائيل) أقوى، لأن غالبية الأمريكيين سيدعمونها، وسنحقق ذلك لأنه يجب أن نحققه.»

وفي اللقاء نفسه، اعتلت المنصة جوردانا كاتلر، رئيسة الشتات اليهودي، لتؤكد أن منصات فيسبوك وإنستغرام – بتعليمات مباشرة منها – حظرت عبارات من قبيل «اليهود يسيطرون على وسائل الإعلام». ثم مازحت صديقها كولمان موجهةً حديثها إليه بقولها: «كان بإمكانكم ألّا تنشروا تصريحاتكم عن تحكّمنا بوسائل الإعلام على فيسبوك وإنستغرام.»

تخيّل أن تُعقد مثل هذه المؤتمرات الصهيونية على الأراضي الأمريكية، وتُتداول فيها عبارات صريحة مثل «التحكم بالإعلام»، أو يخطب رجال يفاخرون بصهيونيتهم ودعمهم للكيان ويسعون للهيمنة على الرأي الإعلامي الأمريكي لتمرير أجنداتهم، دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض.

ثم تخيّل لو أن مؤتمرًا عربيًا مشابهًا عُقد على الأرض نفسها؛ أي قمع كان سيواجه؟ وأي مصير كان سيؤول إليه المشاركون الذين سينتهون جميعًا في غوانتانامو بتهمة الإرهاب؟

يعيش الصهاينة هاجس فقدانهم للرواية، حتى إنّ سيناتورا أمريكيًا صرّح من قلب تل أبيب، خلال إحدى الفعاليات، قائلًا: «لقد هزمت إسرائيل جميع العرب على الأرض، لكنها خسرتهم على شاشات التلفاز.»

وفي محاضرة ألقاها العام الماضي في معهد ماكين، لم يتردد السيناتور مِت رومني في توجيه حديثه لوزير الخارجية آنذاك، الباهت بلينكن. وقال رومني إنه وزملاءه في الكونغرس يدعمون حظر تطبيق «تيك توك» لأنه ينشر معلومات تطعن في الرواية الصهيونية لصالح الرواية الفلسطينية، مضيفًا أن لهذه المعلومات أثرًا بالغ الخطورة على الخطاب السياسي الأمريكي.
السردية ثم السردية هي روح الاستعمار

كما طالب بإغلاق أي منصة تتيح رواية مغايرة للرواية الصهيونية. فعلق بلينكن قائلاً إن الناس في الماضي كانوا يستقون معلوماتهم من الصحف ووسائل الإعلام التقليدية الخاضعة للسيطرة، أما اليوم فقد باتوا يتلقونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تهيمن المشاعر والصورة على الخطاب والمضمون.

إن السردية، ثم السردية، هي روح الاستعمار. فلا يهم ما يجري داخليًا، ولا الحروب المدمّرة التي يُزجّ فيها بالأبناء ليموتوا بلا جدوى سوى لخدمة مكاسب النخب. فكل شيء يمكن تبريره وتمريره، طالما ظلّ المستعمر ممسكًا بزمام تفكير الناس.

وهذا بالذات ما يقلق الصهاينة ومن يقف وراءهم؛ فقد خسروا سرديتهم، ولم تعد روايتهم تقنع أحدًا. فصورة طفل ممزّق الأوصال، أو آخر أنهكه الجوع والمرض، أبلغ من ألف كلمة، والتعليق المشحون بالمشاعر يفوق أرقى الأشعار وقعًا وتأثيرًا.

لذلك، يا أبناء جيل إكس وجيل زد وجيل ألفا، واصلوا نشر الصور والكتابات والمواد عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولا تترددوا أبدًا في إظهار آرائكم وفضح الصهاينة ومن يساندهم. ناقشوهم، اكشفوا أكاذيبهم، فالواضح أن هذا يؤلمهم بشدة، وسيترك آثارًا مدمّرة على كيانهم.

الدستور الأردنية
التعليقات (0)

خبر عاجل