في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وتصاعد وتيرة الاستيطان والتهويد والحصار، يتكرّس واقع خطير يُهدد بتفجير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة بأسرها. وبينما تُطرح مبادرات سياسية متفرقة لإحياء «عملية السلام»، فإن أي مسار لا يستند إلى الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحقه في تقرير المصير وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194، هو مسار محكوم عليه بالفشل.
إن السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق من خلال فرض الشروط على الطرف الخاضع للاحتلال، ولا بتجاهل أسباب الصراع أو تصفية عناصره الجوهرية. فالمطالبة بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية وإنهاء الكفاح المشروع، دون إنهاء
الاحتلال ووقف الاستيطان ورفع الحصار، تمثل شروطًا سياسية مجحفة تتناقض مع أبسط مبادئ العدالة الدولية، وتُفرغ مفهوم السلام من مضمونه الحقيقي ولا تنهي الصراع المتجدد عبر الأجيال وبات يثقل كاهل الفلسطينيين كما الإسرائيليين.
فشل اتفاق أوسلو ومشاريع التسوية السابقة
لقد أثبتت السنوات الماضية أن اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والاقتصادية، وخارطة الطريق، ومبادرات الرباعية الدولية، لم تكن سوى أدوات لإدارة الصراع بدلاً من حله. وقد أُفرغت هذه الاتفاقيات من مضامينها، وتم استخدامها لتكريس واقع الاحتلال، لا لإنهائه. والنتيجة كانت تعميق الانقسام الفلسطيني، وتصاعد وتيرة الاستيطان، وتهويد القدس، وتفاقم المعاناة الإنسانية في
غزة تحت حصار خانق، بل وحرب إبادة وتجويع مستمر.
إن هذه المشاريع، بدلًا من أن تُفضي إلى تسوية عادلة، كرّست واقعًا من الإذلال السياسي والاقتصادي، وحوّلت عملية السلام إلى أداة لشرعنة الاحتلال، مما أدى إلى فقدان الثقة بأي عملية تفاوضية لا تستند إلى مرجعيات واضحة وضمانات دولية مُلزمة.
الوحدة الجغرافية والسياسية شرط لإنهاء المرحلة الانتقالية
لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية دون تحقيق الوحدة الجغرافية والسياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى مرحلة انتقالية محددة بسقف زمني، يجري خلالها:
إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، تكرّس الشراكة الوطنية وتعيد بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية.
إنهاء الانقسام السياسي واستعادة وحدة القرار الفلسطيني.
صياغة استراتيجية وطنية شاملة للمقاومة الشعبية والدبلوماسية وفق محددات القانون الدولي.
فالوحدة هي حجر الأساس لمواجهة التحديات، وهي الشرط الضروري لأي مشروع تحرري وسياسي ناجح.
المقاومة حق مشروع في ظل الاحتلال
تحاول إسرائيل وبعض الأطراف الدولية تصوير المقاومة الفلسطينية على أنها عقبة أمام السلام، بينما تؤكد القوانين الدولية والشرعية الأممية على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي. وقد نصّ البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977، والعديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على مشروعية نضال الشعوب لنيل حريتها واستقلالها.
وعليه، فإن المطالبة بإنهاء المقاومة دون إنهاء الاحتلال يمثل خرقًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي، وتواطؤًا مع القوة الغاشمة. فالمقاومة ليست خيارًا أيديولوجيًا، بل ضرورة قانونية وإنسانية في وجه الاحتلال والاستيطان والعدوان وان تحقيق أسس السلام العادل المتكافئ كفيل بإنهاء المقاومة وحقن الدماء لكلا الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.
نحو سلام حقيقي ومستدام
إن جوهر السلام الحقيقي يتمثل في الاعتراف الكامل بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها:
إقامة
الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967.
عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وفق القرار 194.
تفكيك المستوطنات ووقف التوسع الاستيطاني.
رفع الحصار عن قطاع غزة وإنهاء جميع أشكال العدوان والتمييز.
فأي عملية سياسية لا تنطلق من هذه الثوابت ستكون عبثية، وتُعيد إنتاج الأزمات بدلاً من حلها.
رسالة إلى المجتمع الدولي والجامعة العربية
من هنا، فإننا نُوجّه نداءً صريحًا إلى المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بضرورة التحرك الفوري لإنهاء الاحتلال، ومساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، ودعم المسار السياسي الذي يقوم على الحقوق لا على الصفقات المؤقتة.
كما ندعو الجامعة العربية إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية، واتخاذ مواقف أكثر جدية وفاعلية في دعم صمود الشعب الفلسطيني، ورفض مشاريع تصفية القضية تحت شعارات «السلام الإقليمي» أو التطبيع المجاني.
لقد آن الأوان للانتقال من سياسة إدارة الأزمات إلى تبنّي حلول عادلة تنهي الاحتلال وتُحقق السلام القائم على العدل والمساواة. إن السلام الحقيقي لا يُبنى بالقوة، بل يتحقق بالاعتراف بالحقوق، ولا استقرار في المنطقة دون فلسطين حرة، مستقلة، وذات سيادة.
وهذا يتطلب مد جسور من كل المحبين للسلام بإنهاء الحرب والشروع الفوري بدفع مسار مفاوضات متوازنة وتضمن كافة الحقوق المشروعة.
الدستور الأردنية