ما اقترفته
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في السنوات القليلة الماضية، قبَر الدبلوماسية العالمية نهائيًّا، وسيعود بالبشرية إلى عالم الغاب، طال الزمنُ أم قصُر، تصبح فيه بعض جلسات
مجلس الأمن ليست مسموحة لكل الناس، وسيقال فيها ما يقال في أفلام الوسترن القديمة ومنها الفيلم الشهير.The Good, the Bad and the Ugly
وجدت
فنزويلا نفسها متهمة في جلسة طارئة للمحاكمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، بتهم ثقيلة جدا، منها استخدام النفط لتمويل الإرهاب المرتبط بالمخدِّرات والاتجار بالبشر وعمليات القتل والخطف.
والغريب، أن الشاكي والشاهد الوحيد على هذه التهم الملفَّقة لفنزويلا هو الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، الذي توعّد بأن يفعل كل ما يستطيع لحماية الشعب الأمريكي من “الإرهاب الفنزويلي”، كما قال ترامب.
في جلسة المحاكمة، فقدَ المندوبان الروسي والصيني، دبلوماسيتهما وقالا ما كان يجب أن يُقال منذ عقود في وجه الأمريكيين، فوصف السفيرُ الروسي ما قامت به أميركا بـ”أسلوب رعاة البقر”، واختصر السفير الصيني فعلتها بـ”التنمّر الذي يهدّد سلام أمريكا اللاتينية”.
المازوشية التي صار يتّصفُ بها الكثير من الزعماء، كلما ولّى الرئيس الأمريكي وجهه نحوهم، هي التي زرعت في القادة الأمريكيين تلك السادية وحب السيطرة والتصرُّف في الجغرافيا والتاريخ كما شاؤوا. ولعل ما صار يسمعه الأمريكان من الروس والصين، قد يكون القول الذي سيتبعه الفعل، فعادة في البدء كانت الكلمة.
لم يعرف العالم الاستقرار قطّ منذ أن تسيّدت الولايات المتحدة القول والفعل السياسي العالمي، وتفرّدت وحدها من دون منافس في الشأن الدولي، فكلَّما أقحمت أنفها في قضية أو بلاد، زرعت الفوضى، وأنهت الحياة من تلك البلاد، وما حدث سابقا في أفغانستان والعراق، وما يحدث حاليا في غزة، وما تريده أن يحدث مستقبلا في فنزويلا وكولومبيا وإيران ولبنان… هو ضمن مشروع زرع الفوضى، وشغل الشعوب بتفكيك الفتن والمنازعات في ما بينها.
من أشهر أقوال أول رئيس حكم أمريكا جورج واشنطن: “من الأفضل عدم تقديم أيِّ عذر، على تقديم عذر واهٍ”، ولكن ورثة البيت الأبيض، ما عاد يهمُّهم العذر ولا الموجَّه إليه، وطبعا لا يهمهم ضحيته، فقد تعاونت عائلة بوش من الأب إلى ابنه على تقديم عذر واهٍ من نسج الخيال عن امتلاك الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسلحة نووية، فأدخلوا عراق الحضارة في الدمار وأخرجوا عراق التاريخ من التاريخ، وسمّوا رجال المقاومة بـ”الإرهابيين” وساهموا في إبادة شعب بأكمله، وهم الآن يلصقون رؤساء أمريكا اللاتينية بالمتاجرة بالمخدرات، وقد يُذيقونها من كؤوس الدم، التي ذاقت منها العديد من بلاد العالم التي منّ عليها الله بالثروات ولم تأخذ من ريعها الولاياتُ المتحدة الأمريكية.
جلسة المصارحة التي جرت في مجلس الأمن بخصوص فنزويلا، واستعمال كلمات جديدة، لا سياسة ولا دبلوماسية فيها، مثل “التنمّر” و”الكاوبوي”، قد يكون القول الذي سيتبعه الفعل.. ولو بعد حين.
الشروق الجزائرية