أثارت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي
الإيراني ،علي
لاريجاني، إلى
العراق، الاثنين، العديد من التساؤلات خصوصا أنها تأتي في ظل ضغطات تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومة العراقية من أجل حل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة القريبة من إيران.
اتفاقية أمنية
زيارة المسؤول الإيراني البارز التي استمرت لثلاثة أيام، وقعّ خلالها مع نظيره العراقي، قاسم الأعرجي، على اتفاقية أمنية تركزت على التنسيق الأمني للحدود المشتركة بين البلدين، إضافة إلى عقده اجتماعات بشكل منفصل مع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان في البلاد.
أكد لاريجاني، الاثنين، أن توقيع مذكرة تفاهم أمنية مع العراق هدفها عدم ترك مجال للآخرين للإخلال بأمن البلدين، فيما أشار إلى أن الشعب العراقي شجاع وليس بحاجة إلى فرض إملاءات عليه.
وفي إشارة إلى الضغوط الأمريكية لحل الحشد الشعبي، قال لاريجاني في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة بغداد، إن "الشعب العراقي شجاع وليس بحاجة إلى فرض إملاءات"، مضيفا، أنه "أجرى لقاءات متعددة في بغداد اليوم، وتم التطرق خلالها إلى موضوعات إقليمية".
وأضاف لاريجاني، أنه "تم توقيع مذكرة تفاهم أمنية مع العراق، هدفها عدم ترك مجال للآخرين للإخلال بأمن البلدين"، مؤكدًا في الوقت نفسه، أن "بلاده تفكر بأمن المنطقة كافة".
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن "الظروف حساسة وتستدعي تكثيف المشاورات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول المنطقة، بهدف واضح هو صون السلام والاستقرار والأمن في منطقة غرب آسيا".
يأتي ذلك، بعد ثلاثة أيام من تصريحات علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية، رفض بلاده المخطط الأميركي لحل الحشد الشعبي ونزع سلاحه، وذلك في اتصال مع زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي.
وبحسب وكالة "شفق نيوز" العراقية، فإن "زيارة لاريجاني جاءت من أجل لملمة ما يعرف بمحور المقاومة في المنطقة، وإعادة ترتيب أوراقه مجددا، إلى جانب الدور السياسي للعراق في تهدئة الاوضاع بالمنطقة خلال المرحلة المقبلة".
وأضافت الوكالة أن "مهمة لاريجاني الجديدة تتطلب إعادة ترتيب الاوراق، لا سيما بعدما تضعضعت قيادة المحور في المنطقة، إلى جانب توظيف الأدوات وإعادة خطة توزيع المهام بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق ضمن جدول انسحابها المتفق عليها في أيلول المقبل".
وأشار إلى أن "لاريجاني ناقش مع المسؤولين العراقيين، الملف السياسي وتشكيل الحكومة سريعا بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، بشكل يحقق الاستقرار الداخلي والمنطقة، إلى جانب اهمية تحقيق التوازن في العملية السياسية لأن الظرف الدولي يتطلب ذلك".
"قلب الصراع"
وعلى الصعيد ذاته، رأى أستاذ العلوم السياسية في العراق، عصام الفيلي، أن "إيران لأول مرة منذ رحيل الجنرال قاسم سليماني، تحضر بقوة وثقل في العراق من ناحية الشخصيات، لأن لاريجاني عراقي المولد- إيراني النشأة، هو أكثر شخصية إيرانية تحتفظ بعلاقات إستراتيجية مع كل القوى العراقية".
وأضاف الفيلي لـ"عربي21" أن "فشل البرلمان العراقي في إقرار قانون الحشد الشعبي لأكثر من مرة، استدعى حضور لاريجاني إلى العراق، خاصة أن إيران تريد ترميم ما تبقى من محور المقاومة بعد خسارة سوريا ولبنان".
وتابع: "تريد إيران أن تظهر في العراق من خلال تمرير قانون الحشد الشعبي، لأنها أدركت تماما أن تكرار ما حصل في لبنان، فإنها ستخسر الشيء الكثير أمام احتمالية مواجهة قادمة بينها وبين إسرائيل، والذي قد يستدعي تدخل الولايات المتحدة على خط الأزمة".
من الناحية العملية، يضيف الفيلي، أن "إقرار العراق قانون الحشد الشعبي في ظل التهديدات الأمريكية سيكون تداعيات سلبية، لأن الأخيرة ستفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على البلد".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار الفيلي إلى أن "إيران تمتاز باستراتيجية النفس الطويل، وعدم الإعلان عن هزيمتها رغم كل الضربات التي تلقتها، بالتالي هي تدرك أن قلب الصراع بينها وبين الولايات المتحدة هو العراق".
ولفت إلى أن "الإصرار والعناد الإيراني هو جزء من بنية الفكر السياسي في إيران، وأن الأخيرة تدرك أن عدم تمرير قانون الحشد الشعبي بضغط أمريكي سيحقق نصرا جديدا لأمريكا، وبالتالي سيكون هناك عدم وجود لأذرع إيرانية تهدد المصالح الأمريكية في العراق".
وبرأي الفيلي، فإن "زيارة لاريجاني ربما تزيد كمية الضغط الأمريكي على بغداد، في وقت تريد فيه إيران إرسال رسائل إلى الداخل والخارج عبر زيارة لاريجاني أنها لاتزال مؤثرة في العراق".
وتابع: "رغم أن العراق الرسمي لا يريد أن يكون محسوبا على أي محور في المنطقة، خصوصا أنه يعاني من تحديات اقتصادية وأمنية، إضافة إلى الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الجديد".
"الدفاع الإيجابي"
من جهته، قال المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية، معن الجبوري، إن "إيران فقدت أدواتها الإقليمية التي كانت تؤثر فيها بالمنطقة والمجتمع الدولي، خصوصا أنها لم تجد من يملأ فراغ سليماني، لأن الجنرال إسماعيل قاآني لم يستطع تحقيق جزءا من المسؤولية المناطة بسلفه".
وأضاف الجبوري لـ"عربي21" أن "إيران اليوم في موقف صعب، لأنها لم تعد بالتأثير السابق، بل أصبحت في موضع الدفاع الإيجابي، لذلك هي تحاول إعطاء رسالة إلى الداخل والإقليم والولايات المتحدة بأنها لاتزال فاعلة وبإمكانها أن تؤثر".
وأردف: "لكن في الواقع، أن إيران لم يبق لها من الأوراق الأساسية سوى العراق، على اعتبار أن الفصائل المسلحة الموالية لها هناك لم تدخل حتى اليوم حربا فعلية مع الولايات المتحدة ولا إسرائيل".
اظهار أخبار متعلقة
وأرى الخبير الأمني أن "إيران تريد قدر الإمكان أن تبقي العراق حاضرا في اللعبة الإقليمية، خصوصا أن الوقت الحالي مهم جدا لأنه ثمة ضغط أمريكي كبير على الحكومة العراقية، وتحديدا حل المليشيات وحصر السلاح، وأن السقف محدد قبل إجراء الانتخابات في 11 تشرين الثاني المقبل".
ولفت إلى أن "محاولة إيران مقروءة، بالتالي حتى البيان الذي صدر عن زيارة لاريجاني إلى العراق كان بروتوكوليا، وتحدث عن اتفاقية حدودية رغم أن إيران تسيطر عليها، إضافة إلى أن المنافذ غير الرسمية هي تحت سيطرة الفصائل الموالية لها".
وشدد على أن "تأثير الضغط الأمريكي والدول الإقليمية إضافة القوى السياسية العراقية بخصوص ملف حل الفصائل المسلحة أكثر تأثيرا من زيارة لاريجاني، لأنه لا فرصة لمليشيات في عام 2026".
واستدل على ذلك بالقول، إن "حزب العمال الكردستاني حل نفسه، وأن قوات قسد السورية في طريقها للمعالجة، بالتالي لن تبق مليشيات بالمنطقة تعمل في العام 3036، وهذه بداية ما يعرف بخارطة الشرق الأوسط الجديد التي تسعى الدول الفاعلة إلى رسمه".
وخلص الجبوري إلى أن "إيران تسعى من خلال زيارة لاريجاني إلى تحقيق صدى إعلامي لها، وبالتالي محاولة خلق صورة لدى الآخرين، أن وحدة الساحات لما يعرف بمحور المقاومة لاتزال فاعلة، وأن إيران قادرة على التأثير حتى اليوم".