تطالعنا نشرات الأخبار بين الحين والآخر بتصدير بعض
الدول الأوروبية عزمها المضي قدما نحو الاتفاق على حل الدولتين والاعتراف بالدولة
الفلسطينية، والاصطفاف مع الشعب الفلسطيني في تدشين دولته الوليدة. ولقد تفكرت في
الخبر مليّا فوجدته سرابا خادعا لا يروي ظمأ ظمآن ولا حاجة مكلوم، "يحسبه
الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا"! وهو الخبر الذي يحلو لبعض الدول
استخدامه لتخدير شعوبها الرافضة للمذابح الإسرائيلية والمجازر التي يرتكبها جيش
الاحتلال
في غزة، وهي مما تشيب لأجلها الولدان، ولربما كانت
الدولة المُعلنة
الاعتراف بفلسطين
إحدى الدول التي عطلت قرار إيقاف الحرب على غزة في مجلس الأمن خلفا للولايات
المتحدة الأمريكية!
وهي اللافتة التي تستخدمها بعض الحكومات كقنبلة دخان كي
تواري بها سوءة التعاون العسكري واللوجيستي والتجاري مع دولة الاحتلال، كحال الحكومة
الفرنسية في هذه الأيام، والتي طلبت جلسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة من أجل التمهيد
للموافقة على حل الدولتين، وقد كان يكفيها أن توقف التعاون العسكري وتوقف عمليات إمداد
الاحتلال بالمعدات والذخائر استجابة للضغط الشعبي حيال المذابح التي تحدث لأطفال
غزة، بعيدا عن هذا الشو الإعلامي وهذه البروباجندا المفضوحة.
أصبح خبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسيلة دبلوماسية وإعلامية ماكرة للإيحاء بأن مشكلة الشعب الفلسطيني في طريقها للحل
إنه الخبر الذي لا يفتر إعلامنا ولا تهدأ صحافتنا العربية
من ترديده خلال جلسات الجامعة الناطقة باسم الملوك والأمراء من أجل إعادة السيد محمود
عباس إلى واجهة الأحداث وتتر النشرات، بعدما أهال الشعب الفلسطيني التراب
عليه وعلى المحيطين به، لا سيما موقفه الأخير من محنة التجويع والتعذيب الممنهج لأهل
غزة الكرام، ومشاركته في حملة التشويه التي لا يتورع عنها ضد المقاومة، بخلاف تفانيه
وإصراره على التعاون الأمني مع الاحتلال ومطاردته لرجال المقاومة في الضفة ورام
الله.
لقد أصبح خبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسيلة
دبلوماسية وإعلامية ماكرة للإيحاء بأن مشكلة الشعب الفلسطيني في طريقها للحل! وبعض
الدول اللاتينية، والحق أن مواقفها إجمالا أفضل من مواقف كثير من الدول العربية
والإسلامية مجتمعة، لربما دعت رئيس السلطة ليفتتح أحد العقارات المستأجرة المسماة
بسفارة فلسطين وليتفضل الزعيم بافتتاحها، فيظهر عباس مرتديا الكوفية الفلسطينية وممسكا
بمقص الشريط ليفتتح السفارة، ثم يلقي كلمته العصماء عن نضال الشعب وعن تضييق دولة
الاحتلال عليه في معيشته ومدخراته وعائداته الضريبية! وهو يلمح بذلك إلى حاجة
السلطة الفلسطينية إلى بعض التحويلات من أجل رواتب الموظفين العمومين وجنود السلطة..
إلخ.
وغالبا ما تُلتقط الإشارة التي يلقيها المناضل الكبير،
فتجري التحويلات من حكومة الدولة صاحبة الدعوة وما يزال عباس في إقامته بأحد
الفنادق الفخمة بعاصمة الدولة المضيفة! قبل قفوله عائدا بسلامة الله إلى رفاقه
المسنين في مقر إقامتهم بمدينة البيرة في الضفة الغربية.
للأسف الشديد العالم بين متواطئ تابع لأمريكا، ممالئ
لدولة الاحتلال الصهيونية، أو مكتفٍ ببعض بيانات الشجب والإستنكار الباردة، وللأسف
الشديدة مرة أخرى فالكوكب الأرضي مُكّبَل اليدين، دولا ومنظمات وعلى رأسها مجلس
الأمن الخادم في بلاط الصهيونية العالمية، والذي لا تسري قرارته إلا إذا كانت في
مواجهة إحدى دولنا العربية والإسلامية والتي تصطف جميعها دون أن تتخلف أي منها لتوقع
بالموافقة على ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية الصادرة ضد العرب والمسلمين!
ما هو شكل الدولة التي يخدّرون بها مشاعرنا ويزايدون بها على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته الحرة الأبية؟! ومن ستخدم
وماذا لو اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطين؟! هل
سيوقفون المذابح المرتكبة في حق النساء والأطفال في القطاع؟ وهل ستتوقف عملية
التجويع الممنهجة لأهل غزة؟ وهل سيخرج الأسرى الفلسطينيون إلى النور وفي مقدمتهم
المئات من الفتيات والنساء الفضليات القابعات في سجون الاحتلال؟! وهل ستتوقف عملية
قضم الأراضي الفسطينية في الضفة الغربية على مقربة من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية؟!
وهل سترفع إسرائيل يدها الآثمة من على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه؟! وهل
ستقام للدولة اللفسطينية موانئها ومطاراتها وجيشها الذي سيدافع عنها في ظل رفض
وتمترس أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو ضد إدخال الطعام للمُجوعين من الأطفال
والنساء؟!
وما هو شكل الدولة التي يخدّرون بها مشاعرنا ويزايدون
بها على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته الحرة الأبية؟! ومن ستخدم حينها سوى رجال
السلطة وعائلاتهم وجوازات السفر الدبلوماسية والمزايا الأسطورية والإقامات الفاخرة
التي ستعود على أشباههم؟!
كفى استهزاء بالرأي العام العربي والغربي، كفى تلاعبا
بمشاعرنا، كفى متاجرة بآألام المعذبين في فلسطين في الداخل وفي الشتات، عيبٌ على
المشاركين في مثل هذا الهراء وهذه الملهاة، اصرفوا جهدكم لإغاثة أهل غزة في محنتهم
التي تخطت حدود الصبر والتحمل، رغم كراهيتكم للمقاومة ولخلفيتها الإسلامية، لكن
ذلك لا يمنع أن تكون لديكم نخوة وكرامة وبقية من رجولة تمنعكم من التواطؤ مع
الصهاينة والأمريكان على هذه الدماء وعلى مباركة التجويع القاسية التي لم يعرف لها
التاريخ مثيلا.