قضايا وآراء

لماذا يؤجّل نتنياهو إنهاء الحرب على غزة؟

محمد عماد صابر
"يواجه نتنياهو قضايا فساد خطيرة، وتجميد الحرب يعيد فتح ملفات محاكمته التي أُجّلت منذ بدء العدوان"- جيتي
"يواجه نتنياهو قضايا فساد خطيرة، وتجميد الحرب يعيد فتح ملفات محاكمته التي أُجّلت منذ بدء العدوان"- جيتي
تجاوزت الحرب الإسرائيلية على غزة الشهور التسعة بعد العام، مخلفة كارثة إنسانية غير مسبوقة، ومجزرة مستمرة بحق شعب أعزل، وسط صمت دولي وتواطؤ أمريكي. وبينما يتساءل العالم: متى تنتهي هذه الحرب؟ تبدو الإجابة متعلقة بشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لا يريد للحرب أن تنتهي؛ ليس فقط لأن الحرب هدفٌ بحد ذاته، بل لأن نهايتها تعني نهايته السياسية وربما الشخصية.

الأسباب والتداعيات ومآلات وقف إطلاق النار

أولا: لماذا يماطل نتنياهو؟ الأسباب الحقيقية

1- الخوف من السقوط السياسي وربما السجن.

- أي وقف للحرب دون "انتصار حاسم" سيعني انهيار حكومته المتطرفة.

ما يفعله نتنياهو ليس مجرد مماطلة سياسية، بل هو تعبير عن استراتيجية صهيونية متطرفة ترى في الحرب وسيلة وجودية لا يمكن التراجع عنها دون فرض واقع استئصالي في غزة

- يواجه نتنياهو قضايا فساد خطيرة، وتجميد الحرب يعيد فتح ملفات محاكمته التي أُجّلت منذ بدء العدوان.

- يدرك أن الخروج من غزة دون سحق حماس يُعدّ "هزيمة كبرى" ستُسقِط أسطورته الأمنية، وتُسرّع عزله ومحاكمته.

2- محاولة الاستثمار السياسي في "الحرب"

- يسعى نتنياهو إلى ربط الحرب بالانتخابات المقبلة (المتوقعة في مطلع 2026 أو قبلها)، ويأمل أن تؤمّن له انتصارا انتخابيا تحت شعارات "مواصلة القتال" و"منع تهديدات حماس".

- يتجنّب سيناريو انتخابات مبكرة تأتي خلال تهدئة تكشف فشل الأهداف العسكرية وتفتح النار عليه من المعارضة والجيش والمجتمع.

3- ابتزاز العالم واستغلال التناقضات الدولية

- يراوغ الوساطات (القطرية، المصرية، الأمريكية)، ويُشعل جولات تفاوض عبثية، ثم يتهم حماس بالرفض.

- يستخدم الحرب كورقة ضغط على أمريكا: "إما دعمي أو أفجّر المنطقة"، خاصة مع صعود توجهات متطرفة في الكونغرس تعارض أي وقف لإسرائيل.

4- أجندة أيديولوجية واستراتيجية صهيونية

- التيار الصهيوني الديني المسيطر في الحكومة يؤمن بأن "الحرب على غزة هي حرب مقدسة".

- يسعى لتفريغ غزة، وفرض واقع جديد يُنهي حلم الدولة الفلسطينية.

ثانيا: تداعيات مماطلة نتنياهو على المشهد العام

إنسانيا:

- استمرار المجاعة، وارتفاع أعداد الشهداء إلى ما يزيد على 60 ألفا، نصفهم أطفال ونساء.

- انهيار كامل للمنظومة الصحية والبيئية، وانتشار الأوبئة وسط غياب الماء والغذاء والدواء.

عسكريا:

- تعثُّر الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف، وتعاظم الخسائر الميدانية.

- بقاء "حماس" كقوة قائمة ومناورة ينسف سردية "الانتصار"، ما يزيد الضغط على الجيش والحكومة.

سياسيا داخليا:

- تصاعد التظاهرات والاحتجاجات ضد نتنياهو في الداخل.

- تصدّع الثقة داخل حكومة الطوارئ وانشقاقات في صفوف اليمين ذاته.

دوليا:

- تآكل صورة إسرائيل عالميا وتحولها إلى "دولة إبادة".

- ضغط شعبي متزايد في أوروبا وأمريكا ضد الدعم غير المشروط لإسرائيل.

ثالثا: سيناريوهات وقف إطلاق النار ومآلاتها

السيناريو الأول: اتفاق مرحلي تدريجي (الأكثر ترجيحا حاليا).

- وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل تبادل أسرى وإدخال مساعدات.

- استمرار التفاوض على "المرحلة التالية".

- يسمح لنتنياهو بتسويق "نجاح جزئي" دون أن يُنهي الحرب رسميا.

السيناريو الثاني: تصعيد إقليمي يفرض وقفا دوليا

- توسع الحرب لتشمل لبنان أو إيران، يدفع أمريكا والغرب لفرض وقف فوري للحرب.

- يهدد وجود نتنياهو ويخلط الأوراق داخليا وخارجيا.

السيناريو الثالث: انهيار داخلي إسرائيلي

- بسبب الضغط الشعبي أو تفكك الحكومة، تنتهي الحرب بفوضى سياسية داخل إسرائيل.

- يمكن أن يُستبدل نتنياهو بحكومة جديدة تنهي الحرب دون تحقيق أهدافه.

رابعا: لماذا قد يؤجل نتنياهو النهاية إلى أكتوبر؟
صمود المقاومة، وتماسك الشعب الفلسطيني، والانكشاف الأخلاقي لإسرائيل عالميا.. كلّها عوامل تُبشّر بأن الوقت لم يعد في صالح نتنياهو، وأن نهايته السياسية قد تسبق نهاية الحرب نفسها

- ذكرى "يوم الغفران" (حرب أكتوبر 1973) تمثل رمزا نفسيا لصهيونية "البقاء والتفوق".

- نتنياهو قد يسعى إلى "نصر رمزي" في هذه الذكرى، كإسقاط خان يونس أو اجتياح رفح بالكامل.

- يراهن على أن تمتد الحرب إلى هذا التاريخ ثم يُعلن إنهاءها في مشهد استعراضي انتخابي.

ختاما: إلى أين يتجه المشهد؟

ما يفعله نتنياهو ليس مجرد مماطلة سياسية، بل هو تعبير عن استراتيجية صهيونية متطرفة ترى في الحرب وسيلة وجودية لا يمكن التراجع عنها دون فرض واقع استئصالي في غزة.

ولكن في المقابل، صمود المقاومة، وتماسك الشعب الفلسطيني، والانكشاف الأخلاقي لإسرائيل عالميا.. كلّها عوامل تُبشّر بأن الوقت لم يعد في صالح نتنياهو، وأن نهايته السياسية قد تسبق نهاية الحرب نفسها.

المراجع والاستشهادات

- تقارير مراكز الأبحاث الإسرائيلية مثل "INSS" و"معهد أبحاث الأمن القومي".

- بيانات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية عن الوضع الإنساني في غزة.

- مقالات تحليلية في "هآرتس" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز".

- إحصاءات رسمية من وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمات الإغاثة الدولية.
التعليقات (0)

خبر عاجل