سياسة دولية

ترامب يعيد الحديث عن أزمة مياه النيل.. لديه حل أم يسعى لجائزة نوبل؟

ترامب بدا مؤيدا المخاوف المصرية من أزمة المياه- جيتي
ترامب بدا مؤيدا المخاوف المصرية من أزمة المياه- جيتي
كعادته في إثارة الجدل، عاود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحديث عن أزمة مياه النيل الممتدة بين مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، لنحو 15 عاما، دون حل نهائي للقضية الوجودية التي تمسّ حياة أكثر من 150 ألف مصري وسوداني.

ترامب، بدا مؤيدا المخاوف المصرية من أزمة المياه، حيث قال الاثنين الماضي، إنّ بلاده تحاول التوصل لحل أزمة سد النهضة ونهر النيل بين مصر وإثيوبيا، مؤكدا أنّ: "حياة المصريين تعتمد على المياه في النيل"، ومشددا على أن "سلبها منها أمر لا يصدق"، دون أن يشير إلى تأثر السودان أحد دولتي المصب.

وكان ترامب، وفي معرض حديثه عن رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، جرّاء ما يصفها بإنجازاته في ملفات دولية بينها أزمة مياه النيل، قد صرّح في 21 حزيران/ يونيو الماضي، بأنّ إدارة الرئيس السابق جو بايدن، ارتكبت خطأ بتمويل السد الاثيوبي، واصفا ذلك بالغباء.

أول رد فعل رسمي مصري جاء الثلاثاء، حيثّ ثمن رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، تصريحات ترامب، مؤكدا أنّ: "مصر تقدّر حرص الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبي، وتأكيده ما يمثله النيل لمصر مصدرا للحياة".



ورغم مرور عدة أيام على تصريح ترامب، إلاّ أنّ الجانب الإثيوبي الذي أعلن في 3 تموز/ يوليو الجاري، عن اكتمال أعمال بناء السد، ودعا مصر والسودان إلى حفل افتتاح أيلول/ سبتمبر المقبل، لم يبد رد فعل على حديث ترامب، الأخير.

وكان وزير المياه لإثيوبي، هبتامو إتيفا، قد ردّ على حديث ترامب الأول، قائلا: "السد مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، وليس بمساعدات أجنبية".

كما أنه ومع مرور عدة أيام على لقاء رئيس وزراء مصر، مصطفى مدبولي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، 10 تموز/ يوليو الجاري، على هامش قمة "بريكس" بالبرازيل، لم تبد في الأفق أية خطوات نحو عودة المفاوضات المتوقفة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023.

لكن حديث ترامب، والذي جاء خلال لقاء أمين عام حلف شمال الأطلسي، مارك روته، لم تكن له مناسبة مباشرة، دفع مصريون للتساؤل حول هدفه والمقابل منه، متوقعين أنه ليس لديه حل فعلي، وأنه حديث يأتي في سياق الترويج لنفسه للحصول على جائزة "نوبل للسلام".

 
وأشاروا إلى أنّ: "ترامب، يبحث عن مصالحه فقط"، ملمّحين إلى إعلانه في ذات اللقاء، فرض رسوم جمركية 100 بالمئة على الدول المستوردة من روسيا، في قرار قد يطال مصر التي يصل حجم تبادلها التجاري مع روسيا نحو 6.6 مليارات دولار.

اظهار أخبار متعلقة


"15 عاما بلا نتيجة"
يعتمد أكثر من 107 ملايين مصري يعيشون في الداخل، على مياه النيل بنسبة 97 بالمئة مع ندرة الأمطار، وبينما تبلغ حصة مصر السنوية (55.5 مليار م3) وفقا لإتفاقية 1959 مع السودان –حصتها 18.5 مليار م3- تؤكد القاهرة أنّ: "احتياجاتها المائية السنوية تتجاوز 90 مليار م3، بحسب تصريح الخارجية المصرية 30 حزيران/ يونيو الماضي".

وتستند مصر إلى اتفاقيات تاريخية مع إثيوبيا منها اتفاقية (1902)، التي تحظر على إثيوبيا إقامة أي منشآت على النيل الأزرق وروافده دون موافقة مصر والسودان، إلى جانب اتفاقية (1929)، التي تمنح مصر حق النقض على أي مشاريع على النيل تؤثر على حصتها المائية.

وترصد "عربي21"، أهم محطات أزمة السد الإثيوبي، حيث أنّه في 24 آذار/ مارس 2011، أعلنت إثيوبيا عن بناء سد على مجرى النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل والذي يساهم بنحو 85 بالمئة من المياه الواصلة لمصر.

وسط اعتراضات مصرية سودانية وضعت أديس أبابا حجر الأساس 2 نيسان/ أبريل 2011، لسد قرب حدود السودان بقدرة تخزينية 74 مليار م3، وقدرة لإنتاج للكهرباء بنحو 5250 ميجاوات، وبتكلفة مبدأية 4.8 مليار دولار.

بين أعوام (2011-2013)، بدأت جولات مفاوضات فنية بين الدول الثلاث، ليصدر في أيار/ مايو 2013، تقرير لجنة الخبراء الدولية مؤكدا افتقار تصميم السد للدراسات الكافية حول التأثيرات البيئية والاجتماعية على دولتي المصب، لتتوقف على إثره عمليات التمويل الدولي للسد.

لكنه وبعد عامين، وفي إطار رغبة السيسي، رفع الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية مصر وإلغاء الإجراء الذي تم إثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، وقّع في الخرطوم مع السودان وإثيوبيا 23 آذار/ مارس 2015، "إعلان المبادئ"، ما منح السد الإثيوبي قبلة الحياة ودفع مؤسسات دولية لتمويله.

تفسيرات الأطراف الثلاثة لمبادئ "الضرر ذي الشأن" و"الاستخدام العادل" في اتفاق المبادئ أدت إلى استمرار الخلاف بجولات مفاوضات السد الفنية بين أعوام (2015-2020)، التي شهدتها القاهرة، والخرطوم، وأديس أبابا، وحتى واشنطن التي فشلت في التوصل لاتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد.

بين عامي (2019-2020)، تدخلت أمريكا كوسيط بناء على طلب مصري، لتتوصل إدارة ترامب في شباط/ فبراير 2020، والبنك الدولي لاتفاق حول ملء وتشغيل السد، لكن إثيوبيا رفضت التوقيع عليه، وقررت منفردة بد ملء خزان السد في تموز/ يوليو 2020، و2021، و2022، و2023، و2024.

وفي وضع متجمد، تواصل إثيوبيا بناء السد وتركيب توربيناته بعد انتهاء التخزين الخامس أيلول/ سبتمبر 2024، بنحو 60 مليار م3، مع احتمال زيادته لـ74 مليار م3، فيما وصف وزير الري المصري هاني سويلم، السد الإثيوبي في 11 تموز/ يوليو الجاري، بأنه "غير شرعي"، و"بُني خارج الأطر القانونية المتعارف عليها دوليا".

وفي قراءتهم لدلالات حديث ترامب عن أزمة سد النهضة دون مناسبة، وعلاقة الأمر بالترويج لنفسه كونه راعي للسلام لكسب نقاط نحو "جائزة نوبل"، وحول ما إذا كان هناك بالفعل جهد أمريكي لحل أزمة مياه النيل، تحدث محللان مصري وسوداني.

"نحو حلم نوبل"
قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري، محمد السطوحي، لـ"عربي21": "حديث ترامب عن سد النهضة الإثيوبي جاء بمبادرة منه للتأكيد على جهوده لتحقيق السلام في أنحاء العالم، ربما لأنه لا يزال يحلم بجائزة نوبل للسلام".

وأكد الإعلامي المصري المقيم في أمريكا، أنه "عندما يتحدث ترامب الآن عن إمكانية تسوية الأزمة سريعا فهو شيء جيد؛ لكنه لا يعكس الواقع بالضرورة، فهو نفسه من تحدث كثيرا عن قدرته على إنهاء الحرب فى أوكرانيا خلال 24 ساعة".

ولا يرى السطوحي، "خطورة حقيقية لاندلاع المواجهة العسكرية الآن بين إثيوبيا ومصر، وبالتالى ليست هناك أزمة تهدد بالاشتعال وتحتاج تدخلا منه لنزع فتيلها".

"ضمن ترتيبات إقليمية"
يعتقد السطوحي، أن "حرص ترامب الواضح على إقحام الحديث عن قضية السد لا يمكن فصله عن الترتيبات الإقليمية فى المنطقة، والاستجابة للمطالب المصرية باتفاق قانوني ملزم يضمن حصتها الثابتة من المياه سيتم ربطه -من وجهة النظر الأمريكية- بالوضع في غزة، وترتيبات ما بعد انتهاء الحرب، بل وقضية التطبيع عموما، وإمكانية استفادة إسرائيل من مياه النيل مستقبلا".

وخلص للقول: "ترامب يرى الآن الارتباط الواضح بين أمن مصر المائي جنوبا وأمنها الشرقي على الحدود مع إسرائيل وغزة، لكن علينا الحذر من تعامله مع الأزمتين في إطار الصفقات، حتى لا يكون تحقيق حلمه بالفوز بجائزة نوبل للسلام على حساب الأمن القومي لمصر من الجانبين".

اظهار أخبار متعلقة


"دور إيجابي.. ولكن"
في حديثه لـ"عربي21"، قال الصحفي والأكاديمي السوداني، عبد المطلب مكي: "يقوم الرئيس الأمريكي ترامب، بأدوار أعتبرها إيجابية في كثير من الملفات، ولا يمكن إنكار دوره في نذر الحرب الهندية الباكستانية، وحالة تهدئة الساحة الأوكرانية الروسية".

"بالإضافة إلى معالجته لكثير من الملفات الحساسة والخطيرة مثل النووي الإيراني بالاستعانة بالدبلوماسية القطرية، والقيام بذات الدور في حرب غزة مع الشركاء الإقليميين"، وفق قول مكي.

وتابع: "هو يدرك حجم الأزمة، وليس مثل بقية القادة خاصة من يتبنون سردية أن سد النهضة له فوائد، وأن إثيوبيا لها الحق في السيطرة على المياه في الهضبة الإثيوبية، وبناء السد وتوليد الكهرباء، وما إلى ذلك من مواقف تبناها بعض الساسة".

"لماذا لم يذكر السودان؟"
بخصوص عدم ذكره السودان كضلع ثالث في الأزمة، قال مكي: "ترامب يقول: إثيوبيا جارة لمصر، ولم يذكر السودان، ولا أعتقد أن ذلك جهلا بالجغرافيا بطبيعة الحال، لأن جارة إثيوبيا هي السودان وليست مصر"، مردفا: "لكن هذا التجاهل مرده أنه يريد حل المشكلة بين مصر وإثيوبيا".

ولفت الأكاديمي السوداني، إلى أنه: "سبق للرئيس الأمريكي وأن صرح بأنه يسعى إلى تحقيق السلام مع السودان، وتلك هي القضية الأولى في نظره"، مؤكّدا أنّ: "ترامب ضمنيا انتقد الموقف الإثيوبي، وهو ما يشير إلى إمكانية تحقيق اختراق في هذا الملف، وإنهاء حالة الأمر الواقع التي يريد تمريرها الجانب الإثيوبي".

وخلص الكاتب السوداني إلى أنّ: "مشروع سد النهضة الذي أُطلق عام 2011، بميزانية بلغت 4 مليارات دولار، ليس فقط أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، بل هو مورد ضخم لري المشاريع الزراعية الضخمة".

اظهار أخبار متعلقة


"تساؤلات ومخاوف"
في الوقت الذي تساءل فيه الأكاديمي المصري، عبد التواب بركات: "هل يمكن للنظام في مصر أن يستغل دعم الرئيس الأميركي ويصحح أخطاءه، ويفتح الخيارات لحماية حق مصر في مياه النيل؟"، تخوّف العميد محمد بدر، من تبعات تلك التصريحات، وتساءل: "هل هناك مقايضة تلوح في أفق تصريحات ترامب، سيناء لأهل غزة مقابل حل مشكلة السد؟".



وفي سياق مخاوف المصريين، حذّر الخبير الاقتصادي، تامر النحاس، من الفواتير المستحقة لقاء تدخل ترامب، فيما طالب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، بدراسة تصريحات ترامب، ومعرفة أسبابها وأهدافها.




التعليقات (0)