نشرت صحيفة "ازفيستيا" الروسية، تقريرًا، تحدّثت فيه عن التقلبات التي تطرأ على
سوق النفط والتي تتطلب إستراتيجيات أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع تحولات سريعة، قد تعيد تشكيل موازين الطاقة والاقتصاد العالمي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه: "في ظل الاضطرابات السياسية المتزايدة في مناطق حيوية مثل الشرق الأوسط، والتقلبات المستمرة في السياسات الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، بات سوق النفط العالمي ساحة مفتوحة للتقلبات الحادة والضغوط المتباينة".
ونقلت الصحيفة، عن الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط، هيثم الغيص، أن المنظمة تظل منفتحة على قبول أعضاء جدد شريطة استيفائهم جميع المعايير والأهداف المطلوبة، موضحًا أنّ: "المفاوضات مستمرة حالياً مع عدة دول، خاصة في المنطقة الإفريقية"، مشيراً إلى: "الاهتمام المتزايد بتوسيع عضوية المنظمة".
ويرى المدير الإداري لخدمة التصنيف في الوكالة الوطنية للتصنيف، سيرغي غريشونين، أنّ: "الدول ذات الإمكانات الأكبر للانضمام إلى منظمة الدول المصدرة للنفط هي دول الجنوب العالمي، خاصة منتجي النفط في أفريقيا". مشيرا إلى أنّ: "احتمال انضمام هذه الدول لا يزال منخفضًا في الوقت الحالي، بسبب التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها والتي تصعب عليها الالتزام بضوابط المنظمة".
وأوضح غريشونين أنّ: "هناك نقطتين أساسيتين يجب التركيز عليهما: أولاً، أن الحديث عن احتمال انضمام هذه الدول يعكس التطور السريع لدول الجنوب العالمي، حيث ما كان يُعد سابقًا أمراً مستحيلاً أصبح الآن ممكناً. وثانياً، إذا بدأ إنتاج النفط في
الولايات المتحدة بالانخفاض فعليًا بحلول سنة 2030، فإن أوبك ستتمكن من زيادة حصتها السوقية إلى أكثر من 50 بالمئة وستسعى لتوسيعها بسرعة لتقترب من 60 بالمئة".
ونسبت الصحيفة إلى الخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية وخبير الصندوق الوطني لأمن الطاقة، إيغور يوشكوف، أنّ: "صيغة أوبك بلس من المرجح أن تتوسع خلال السنوات المقبلة، بينما من غير المتوقع أن تزيد
منظمة أوبك نفسها عدد أعضائها بسبب المعايير الصارمة للانضمام".
وأشار يوشكوف إلى أنّ: "الدول الأفريقية التي تتمتع بموارد نفطية كبيرة وتهتم بالتكامل الأوسع في العمليات الطاقية العالمية هي الأكثر احتمالاً للانضمام إلى أوبك بلس"، فيما ذكر في مقدمتها: أوغندا وناميبيا والسنغال وموزمبيق، حيث تم خلال السنوات الأخيرة اكتشاف حقول نفطية كبيرة وبدأت مشاريع مهمة لبناء مرافق معالجة وتصدير النفط والغاز.
ويرتبط توسع تحالف "أوبك بلس" بالتغيرات الهيكلية التي يشهدها سوق الطاقة العالمي، إضافة إلى إستراتيجية المنظمة الهادفة إلى تعزيز دورها كآلية لتثبيت الاستقرار في ظل تقلبات الأسعار.
ونشأ تحالف "أوبك بلس" كأداة مؤقتة للتنسيق بين دول أوبك وعدد من كبار المنتجين المستقلين للنفط، بهدف ضبط مستويات الإنتاج بطريقة منسقة تساهم في استقرار الأسواق وتجنب الانهيارات الحادة في الأسعار. ومع مرور الوقت، أثبت التحالف فعاليته خاصة خلال الأزمات الكبرى مثل جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية المفاجئة.
وأظهرت التجربة أن زيادة عدد الدول المشاركة في آلية التنسيق والالتزام بالقرارات الجماعية يسهم في تعزيز فعالية ضبط توازن العرض والطلب عالمياً. وفي هذا السياق، يبدو منطقياً أن تسعى المنظمة إلى ضم دول جديدة إلى إطار "أوبك بلس"، لا سيما تلك التي تمتلك قدرات إنتاجية متنامية قادرة على التأثير في تدفقات النفط العالمية.
اظهار أخبار متعلقة
اللاعبين الرئيسيين
ذكرت الصحيفة أنّ: "
روسيا والولايات المتحدة لا تنتميان إلى منظمة أوبك، إلاّ أنهما تظلان من أكبر اللاعبين في سوق النفط العالمي، وغالباً ما تتشاوران مع المنظمة خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي".
وفي هذا السياق، استبعد الأستاذ المشارك في قسم السياسة الاقتصادية والقياسات الاقتصادية في جامعة الدولة، مكسيم تشيركوف، انضمام موسكو أو واشنطن إلى المنظمة في المستقبل القريب.
إلى ذلك، تأسّست منظمة أوبك كتجمع يضم الدول المنتجة للنفط، بهدف تنسيق مستويات الإنتاج لضمان استقرار أو تحقيق أسعار مجزية للنفط في الأسواق العالمية. ويستند عمل المنظمة إلى نظام الحصص الإنتاجية الذي يتيح للدول الأعضاء إدارة حجم المعروض من النفط عالمياً، لكن بالنسبة لدول مثل روسيا والولايات المتحدة، فإن نظام الحصص الصارم وآلية تنظيم الإنتاج الجماعي لا يتوافقان مع مصالح صناعتها النفطية الداخلية.
وفيما يتعلق بروسيا، تلعب الدولة دوراً محورياً في قطاع النفط من خلال سيطرتها على الشركات الكبرى وقدرتها على التأثير في مستويات الإنتاج. ومع ذلك، تفضل موسكو الحفاظ على مرونة إستراتيجية وعدم التقيد بعضوية دائمة في منظمات تفرض التزامات طويلة الأجل مثل نظام الحصص الثابتة.
واختارت روسيا التعاون مع أوبك في إطار تحالف "أوبك بلس"، الذي يتيح لها المشاركة في تنسيق الإنتاج بطريقة مؤقتة وطوعية، من دون أن تكون عضواً كاملاً في المنظمة. ويمنح هذا النهج موسكو مساحة للمناورة، مع الحفاظ على القدرة على التوفيق بين مصالحها الداخلية وتغيرات المشهد الجيوسياسي العالمي.
وفي الولايات المتحدة، يظل قطاع النفط بيد القطاع الخاص، حيث لا تفرض الحكومة قيوداً مركزية على حجم الإنتاج. وهذا الواقع يجعل من الصعب، بل مستحيلاً من الناحية المؤسسية، انضمام واشنطن إلى منظمة أوبك، ويرجع ذلك إلى أن الحكومة الأمريكية لا تمتلك آلية فعالة لتنسيق الإنتاج بين آلاف الشركات الخاصة التي تعمل في استخراج النفط عبر البلاد.
إضافة إلى ذلك، تخضع الولايات المتحدة لتشريعات صارمة، أبرزها قوانين مكافحة الاحتكار، التي تتعارض مع أي التزامات تفرض تنسيقاً مشتركاً لتقييد الإنتاج. وهذا ما يضع عوائق قانونية واضحة أمام أي احتمال لانضمام الولايات المتحدة إلى تجمع نفطي مثل أوبك.
تغير الأسعار في السوق
يُرجع الخبير سيرغي غريشونين التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط حالياً إلى عوامل جيوسياسية بالدرجة الأولى، وفي مقدمتها: القرارات المتقلبة التي يتخذها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر فرض رسوم جمركية جديدة بشكل عشوائي. وأشار إلى أنّ: "هذه السياسات تعزز توقعات المتعاملين في الأسواق بزيادة الطلب، مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع".
ولفت غريشونين إلى أنّ: "التوقعات السائدة بخصوص ضعف الدولار الأمريكي واحتمالات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تدعم أيضاً موجة الصعود في أسعار النفط".
وأضاف غريشونين أنه: "من الصعب التنبؤ بالمسار المستقبلي للأسعار، خاصة وأن الاتجاهات السابقة قد تم كسرها، في ظل تصاعد حالة عدم اليقين". وأكد أنّ: "مسار الأسعار سيظل مرهوناً بتوازن العرض والطلب من جهة، وتأثير العوامل الجيوسياسية من جهة أخرى، مشدداً على أن الجيوسياسية ستواصل لعب دور رئيسي في تحديد ملامح السوق خلال الفترة المقبلة".
وحذر غريشونين من أنه: "في حال اتجاه العالم نحو المزيد من الانقسام إلى تكتلات متنافسة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الأسعار مجدداً في سيناريو سلبي ينعكس سلباً على استقرار السوق العالمي".
في ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط واستمرار السياسات غير المتوقعة لترامب، يواجه سوق النفط العالمي موجات متباينة من الضغوط. فمن جهة، يؤدي تصاعد المخاطر السياسية والتهديدات التي تطال الإمدادات الفعلية إلى دفع الأسعار نحو الارتفاع.
اظهار أخبار متعلقة
ومن جهة أخرى، يُحتمل أن يؤدي التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي وتراجع النشاط الصناعي نتيجة الضغوط الجمركية إلى تراجع الطلب على النفط، وهو ما قد يحد من مكاسب الأسعار.
وفي ختام التقرير، نوّهت الصحيفة بأنّ: "السوق مقبل على مرحلة من التقلبات الحادة، الأمر الذي يفرض على الدول المصدرة والمستثمرين والمتعاملين مستوى عالٍ من التكيف والمرونة في إستراتيجياتهم، خاصّة فيما يتعلق بإدارة المخاطر وتنويع مصادر الإمدادات لضمان استقرار العائدات".