رفض وجهاء عشيرة الجعبري في محافظة
الخليل الفلسطينية، المخطط المزعوم الذي تحدث عنه أحد أبناء العائلة، وقام بتسليمه إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، على أن يوصله الأخير إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
عشيرة الجعبري، ووجهاء محافظة الخليل، أكدا في بيانات متتالية صدرت عقب
تقرير نشرته "وول ستريت جورنال" حول المخطط المزعوم، أن أي مشروع انفصالي في
الضفة الغربية مرفوض جملة وتفصيلا، لا سيما إن كان ينسق بشكل مباشر مع الاحتلال.
وأعلنت عشيرة الجعبري براءتها التامة من "وديع الجعبري" الذي التقى الوزير الإسرائيلي نير بركات، قائلة إنه يقيم خارج المحافظة، حيث زعم وديع المعروف بلقب "أبو سند"، أن مخططه تم قبوله من قبل مجموعة من أبناء عائلة الجعبري.
وأكدت عشيرة الجعبري تمسكها بالثوابت الوطنية الفلسطينية، ورفضها أي مشاريع انقسامية تمس وحدة الأرض والشعب، مشيرة إلى أن "هذه التحركات لا تنسجم مع إرث الخليل المقاوم، ولا تعبّر عن نبض سكانها الذين دفعوا ثمنًا باهظًا على مدى سنوات في مواجهة الاحتلال".
"إمارة الخليل"
في تفاصيل المخطط، نشرت "وول ستريت جورنال" تقريرا قالت فيه إن وديع الجعبري وأربعة شيوخ آخرين من الخليل (لم تسمّهم)، التقوا نير بركات، وسلّموه مسودة لمشروعهم الذي يتضمن بشكل واضح الاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية.
وتتضمن المبادرة عدة بنود رئيسية، هي:
اعتراف متبادل: تقترح "إمارة الخليل" الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مقابل اعتراف إسرائيل بالإمارة كممثل للعرب في الخليل.
إلغاء اتفاق أوسلو: تدعو إلى إنهاء اتفاق أوسلو واستبداله بترتيب جديد "عادل ومحترم" يعكس الوقائع على الأرض.
رفض السلطة الفلسطينية: تقدم الخطة نقدًا شديدًا لأداء السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وتتهمهما بالفساد وسرقة الموارد، وبمحاولة تقويض النظام العشائري التقليدي.
مشروع اقتصادي: تقترح الخطة إقامة منطقة صناعية مشتركة بين الخليل والاحتلال الإسرائيلي تتجاوز مساحتها 1000 دونم، والسماح بدخول 1000 عامل من الخليل إلى سوق العمل الإسرائيلي مبدئيًا، مع رفع العدد تدريجيًا إلى 50 ألف عامل.
"مكافحة الإرهاب":
تؤكد الخطة التزامًا واضحًا بما وصفه الشيوخ بـ"صفر تسامح مع الإرهاب"، وتنتقد السلطة الفلسطينية لدفعها رواتب للأسرى والمعتقلين.
مرجعية عشائرية: يرى وديع الجعبري أن الانتماء العشائري في الضفة الغربية أقوى من "الهوية الوطنية المفروضة"، ويدعو إلى نموذج جديد مستوحى من "الإمارات القبلية" في الخليج.
مشروع فاشل وخطتان في مهب الريح
يعيد مشروع "إمارة الخليل" إلى الأذهان مشروعا إسرائيليا فاشلا يعرف باسم "روابط القرى" في سبعيانت القرن الماضي، كما يذكّر بخطتين فاشلتين، قدّمهما المؤرخ اليميني مردخاي كيدار، ووزير المالية المتطرف بتسئيل سموتريتش..
"روابط القرى"
تعتبر مبادرة "إمارة الخليل" استنساخًا لمحاولات إسرائيلية سابقة لفرض قيادات فلسطينية بديلة تخدم مصالح الاحتلال.
وتعد أبرز هذه المحاولات ما تعرف بـ"روابط القرى" التي أنشأتها تل أبيب في عام 1978 في الضفة الغربية بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام مع مصر.
وبدأت فكرة روابط القرى بالتبلور في عام 1976 في الخليل، وتم الإعلان رسميًا عن رابطة قرى محافظة الخليل برئاسة مصطفى دودين في صيف 1978، حيث ادّعى الاحتلال أن هذه الروابط تهدف إلى التنمية وتقديم الخدمات والارتقاء بحياة المواطنين الفلسطينيين.
وسبق ذلك تنسيق مباشر بين يغئال كرمون، الحاكم العسكري لمدينة الخليل، ومستشاره للشؤون العربية مناحم ميلسون من جهة، وبين ورئيس بلدية الخليل السابق محمد علي الجعبري من جهة أخرى.
واجهت روابط القرى رفضًا شعبيًا فلسطينيًا واسعًا، واعتبرتها منظمة التحرير، والقوى الفلسطينية حينها أن هدفها الحقيقي "خلق قيادة محلية موالية للاحتلال".
وناضلت شخصيات وطنية بارزة ضد الروابط التي بدأت حينها في الظهور بقرى الخليل ونابلس، حيث أدت الجهود السياسية والشعبية إلى إفشال المشروع، وانهياره في غضون شهور قليلة.
واللافت أن الاحتلال حاول إعادة إحياء "روابط القرى" خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، حيث روّج للتنسيق مع وجهاء عشائريين، ويتهم حاليا بتقديمه الدعم لمجموعة "ياسر أبو شباب" التي تنشط في جنوب القطاع.
اقرأ أيضا:
ماذا نعرف عن روابط القرى التي يبحث الاحتلال عن نموذج يشببها في غزة؟
خطة سموتريتش
بحسب ما رصدت "عربي21"، تتقاطع المسودة التي أعلن عنها وديع الجعبري، مع خطة وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسئيل سموتريتش، والمعروفة بـ"خطة الحسم".
ففي عام 2017، وإبان شغله عضوية الكنيست عن حزب "الاتحاد القومي"، طرح سموتريتش خطة مطولة زعم أنها الحل الأمثل لإنهاء الصراع في الضفة الغربية مع الفلسطينيين، والذي ينتهي وفقا لرؤية الوزير المتطرف بفرض السيادة الإسرائيلية على عموم الضفة.
وقال سموتريتش إن خطته تسعى بشكل علني إلى ضم الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المصنفة (C)، والتي تشكل غالبية مساحة الضفة.
كما تسعى خطته التي نشرها حينها إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، وذلك عبر إضعاف أدوارها وصلاحياتها، وإنهاء وجودها ككيان سياسي يمثل الفلسطينيين.
والأبرز في خطة سموتريتش والذي يتقاطع مع دعوة وديع الجعبري، هو إعلانه نية التعامل مع القيادات المحلية الفلسطينية.
وفصّل سموتريتش في خطته حينها، حيث دعا إلى إيجاد قيادات محلية (عشائرية أو بلدية) تتعاون مع الاحتلال بشكل مباشر، متجاوزة السلطة الفلسطينية.
وقال إن على الحكومة أن تعمل على نسج علاقات مع وجهاء العشائر في الضفة الغربية، بهدف خلق واقع جديد يخدم مصالحها ويقسم المجتمع الفلسطيني.
اقرأ أيضا: أخطر من مجرد تصريحات.. كيف يمضي سموتريتش نحو تحقيق خطة أعلنها في 2017؟
"الإمارات الفلسطينية"
في العام 2012، قدّم مردخاي كيدار خطة تحت عنوان "الإمارات الفلسطينية"، أو "حل الدول الثماني"، زعم خلالها أن الحل لإنهاء الروابط الفلسطينية هو عبر القبيلة.
وقال كيدار إن الدول التي تسكنها أجناس وأعراق، وطوائف، وقبائل مختلفة مثل العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، تواجه فشلا كبيرا، فيما تكون الدول القائمة على القبائل المتجانسة ناجحة مثل الإمارات العربية المتحدة.
وقال مردخاي كيدار إن الحل في فلسطين هو إقامة ثماني مدن بصلاحيات "إمارة تتمتع بالحكم الذاتي"، قائلا إن المدن ستكون: قطاع غزة، وجنين، ونابلس، ورام الله، وأريحا، وطولكرم، وقلقيلية، والخليل.
وزعم كيدار أن من شأن تطبيق مثل هذا المخطط، تفتيت بقية الأجزاء الخارجة عن "الإمارات الثماني"، وبالتالي سهولة ضمها إلى إسرائيل.
هدف اقتصادي وأبعاد خفيةالصحفي المختص في الشأن الفلسطيني كمال الجعبري، قال إن المخطط يرمي إلى تجاوز الأطر السياسية القائمة، وربما محاولة فرض وقائع جديدة على الأرض.
وأضاف لـ"عربي21" أن الشخص الذي شارك في هذه الاتصالات ينتمي إلى العائلة في الخليل، لكنه يقيم في الداخل الفلسطيني المحتل، ويعمل في مجال المقاولات.
وعلق بالقول "تبدو دوافعه براغماتية واقتصادية، حيث يسعى إلى تسهيل عبور العمال الفلسطينيين من الخليل إلى الداخل المحتل، وهو ما قد يوحي بأن هذه المبادرة كانت تحت غطاء تسهيل المعيشة"، لكنه يشير أيضا إلى حملها أبعادًا سياسية خفية.
وقال الجعبري إن التعامل مع بعض الشخصيات الفلسطينية، خصوصًا المقاولين أو رجال الأعمال في الضفة الغربية، يتم بوسائل ناعمة أحيانًا لكنها تحمل أهدافًا أمنية، متابعا أن الاحتلال يراهن على الضغوط الاقتصادية الحالية، ومنع دخول العمال، كوسيلة لخلق بيئة قابلة للتطويع، تبرر هذه اللقاءات أو التنسيق الاقتصادي، ولو خارج الأطر الرسمية.
التوقيت مدروس
لفت الجعبري إلى أن نشر التقرير عبر "وول ستريت جورنال" الأمريكية، المعروفة في صلتها بالمؤسسات الأمنية والمالية الغربية، ثم مسارعة القناة 12 وموقع "واللا" العبريين إلى نشره، يحمل دلالة على أن التوقيت "ليس بريئا"، لا سيما أن وسائل الإعلام التي تعاطت مع التقرير محسوبة على الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال، بحسب الجعبري.
وقال الجعبري إنه عند التعاطي مع هذا التطور ضمن سياق أوسع وأعمق، ثمة مخاوف من أن خطة وديع الجعبري تسعى إلى تحقيق "مشروع تقسيم الضفة الغربية".
وأشار إلى أن التقسيم لا يقتصر على الجغرافيا فحسب، بل يمتد ليشمل تقسيمًا اجتماعيًا بين فئات المجتمع الفلسطيني، وتقسيمًا في المواقف والولاءات، وفصلا اقتصاديا وإداريا عن السلطة الفلسطينية.
ونوّه الجعبري إلى أن الاحتلال فشل في مشاريع مشابهة سابقا، حيث حاول استخدام البدو شمال الضفة الغربية كوسيلة لخلق انقسامات داخلية، حيث أن "الوعي المجتمعي والوحدة الوطنية ساهمتا في إحباط تلك المحاولات"
اظهار أخبار متعلقة
مخاوف إسرائيلية
نقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر إسرائيلية قولها إن ما طرحه وديع الجعبري لا يلقى ترحيبا كاملا لدى القادة الإسرائيليين، إذ أن هناك مخاوف حقيقية من العمل على تطبيق خطة "إمارة الخليل".
وتعد المعضلة الأبرز بحسب الإسرائيليين هي الصراع على أراضي "C"، والتي تمثل المساحة الأكبر من الخليل والضفة الغربية.
وقالت الصحيفة إن جهاز الشاباك (الشين بيت) يعارض المشروع، ويرى في السلطة الفلسطينية شريكاً ضرورياً لـ"مكافحة الإرهاب".
ونقلت عن اللواء المتقاعد غادي شمني قوله إن "العشائر غير مؤهلة للحكم أو ضبط الأمن بسبب التشتت والتسليح العشوائي".
شامني الذي قاد القيادة المركزية لجيش الاحتلال بين عامي 2007-2009، تساءل "كيف تتعامل مع عشرات العائلات المختلفة، كل منها مسلحة، وكل
منها تحت سيطرتها؟".
وأضاف "الجيش الإسرائيلي سيجد نفسه في مرمى النيران و
"ستكون فوضى عارمة، كارثة".