أثارت
الهجمات المتتالية على منشآت حيوية في مدن
كركوك وصلاح الدين والسليمانية وأربيل في
العراق، بطائرات مسيرة وصواريخ، العديد من التساؤلات عن أسباب شن هذه الضربات في الوقت الحالي، والجهات التي تقف وراءها.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، تعرضت مقار عسكرية تابعة لقوات البيشمركة الكردية في مدينة السليمانية إلى هجمات بطائرات مسيرة، كما جرى استهداف مطاري أربيل وكركوك لأكثر من مرة، وكذلك قصف مصفاة بيجي النفطية في محافظة صلاح الدين.
"تستّر وتهرّب"
وفي وقت اكتفت فيه السلطات العراقية بفتح تحقيق بالهجمات التي طالت هذه المنشآت الحيوية بشكل متكرر، أعربت وزارة داخلية إقليم
كردستان عن أسفها لما وصفته بوجود نوع من "التستر والتهرّب" من المسؤولية تجاه "التجاوزات الأمنية" التي تستهدف الإقليم.
وقالت الوزارة خلال بيان لها، إن هذه التجاوزات تحدث "في وقت يُعوّل فيه على الحكومة الاتحادية اتخاذ الإجراءات اللازمة عند تعرّض إقليم كردستان أو أي منطقة أخرى في العراق لأي تهديد".
ولفتت الوزارة إلى أن نتائج التحقيقات في الهجمات على الإقليم خلال السنوات الماضية لم تعلن ولم يُحاسب عنها أحد، مشيرة إلى أن "حماية أمن البلاد هي المهمة الأولى للمؤسسات الرسمية للحكومة الاتحادية"، بحسب البيان.
اظهار أخبار متعلقة
وكان إقليم كردستان العراق اتهم، الجمعة، فصائل تابعة لـ"
الحشد الشعبي" بالوقوف وراء إطلاق طائرة مسيرة سقطت في أرض فضاء بالقرب من أربيل بغية إثارة الفوضى.
وطالبت وزارة الداخلية في إقليم كردستان حكومة بغداد "بأن تضع حداً لهذه الأعمال التخريبية، وأن تتخذ الإجراءات القانونية بحق الجناة".
وفي المقابل، رفضت الحكومة العراقية الاتهامات التي وجهتها السلطات في أربيل للحشد الشعبي، مؤكدة أن "ما صدر من داخلية الإقليم أمر مرفوض ومدان وغير مسموح تحت أي ذريعة كانت، خاصة أنه صدر مع غياب الدليل الذي نطالب بتقديمه إن وجد للجهات الحكومية الرسمية".
وأضافت الحكومة العراقية خلال بيان لها، السبت، أنها "أكدت في أكثر من مناسبة، أنها لم ولن تجامل على حساب أبناء العراق الواحد وأمنهم، ولن تتردد في اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق أية جهة تحاول المساس بالاستقرار، أو الإخلال بالأمن في جميع أنحاء العراق".
وأشارت إلى أن "التحديات الراهنة تتطلب التعاون والتنسيق من خلال القنوات الرسمية، بدلاً من اللجوء إلى المنافذ الإعلامية بتقارير وتصريحات من شأنها أن تمنح المتربّصين فرصة الإساءة للمؤسسات العراقية التي تحمي وتدافع عن العراق وصيانة أمنه، كما أنها تمنح الجهات المعادية التبريرات للنيل من استقرار البلد".
اظهار أخبار متعلقة
"صراع خفي"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، عقيل عباس لـ"عربي21" إننا "نحتاج إلى إعلان صريح من الحكومة العراقية يكشف من الذي يقصف هذه المنشآت وهل جرى تعقبهم، لأنه عدم وجود إعلان رسمي واضح وتضييع الموضع بلجنة تحقيقية، يشير إلى أن الفاعل داخلي".
وشدد على أن "من يفعل هذه الأشياء، ويمتلك نفس السلاح هي الجماعات المسلحة في العراق"، لافتا إلى أن "ما جرى من استهداف لمصفاة بيجي يعبر عن صراع خفي بين طرفين من المليشيات، للسيطرة على هذه المؤسسة لما تحتوي على موارد كبيرة".
وتابع: "خصوصا أن هذه الفصائل تواجه ضغوطات تتعلق بعرقلة دفع الرواتب الحشد الشعبي، وأنهم ذاهبون أيضا إلى منافسة انتخابية في شهر تشرين الثاني المقبل، لذلك أعتقد أن هذا هو الصراع الحقيقي الذي يقف خلف الضربات".
وخلال الأيام القليلة الماضية، توقفت رواتب مقاتلي الحشد الشعبي، بعد امتناع مصرف الرافدين الحكومي وشركة الوسيط المالي "كي كارد" عن تفعيل بطاقات الدفع الإلكتروني، الأمر الذي عزاه عدد من أعضاء اللجنة المالية البرلمانية إلى ضغوط أمريكية.
وأكد عباس أن "ما تبقى من هجمات في أماكن أخرى هدفه التشويش على الصراع في مصفاة بيجي، حتى يبعدون النظر عما يجري، لكن لا يوجد تصور مكتمل من دون معرفة الحقائق، وأن من مهمة الحكومة تقديمها".
وخلص الخبير العراقي إلى أن "ما تقوم به الحكومة العراقية حاليا، هو ذاته ما تفعله الحكومات الفاشلة، فبدلا من أن تكون هي صاحبة المسؤولية في الإعلان والتعقب والاعتقال للجهات المنفذة للهجمات، تصبح هي طرفا من الأطراف الأخرى في البلد".
"تداعيات الحرب"
وفي السياق ذاته، رأى الباحث والمحلل السياسي، كاظم ياور أن "الاستهدافات المتزايدة في هذه المحافظات تأتي بعد توقف الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، وهذا يشير إلى أنه ثمة تداعيات لها في الداخل العراقي، وخصوصا إيقاف رواتب الحشد الشعبي".
وأوضح ياور لـ"عربي21" أنه "إذا قارنا هذه الهجمات وربطناها بمسائل سياسية حصلت قبيل الحرب بين إيران وإسرائيل، نجد أن ذات الاستهدافات بالصواريخ والطائرات المسيرة حدثت قبل نحو عام، وبعضها تبنتها إيران صراحة لاستهداف المعارضة الإيرانية في إقليم كردستان".
اظهار أخبار متعلقة
واستدرك الباحث أن "هذه المعارضة تخضع منذ مدة لرقابة حكومة الإقليم وبعض الجهات الأمنية العراقية، وبالتالي فإنها لا تملك أسلحة ثقيلة سواء طائرات مسيرة أو صواريخ ومدافع ثقيلة، لذلك من المستبعد أن تكون هذه الجهات وراء الهجمات".
وتابع: "إضافة إلى أن المعارضة الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان ليس لديهم مصلحة سياسية ولا أمنية تدفعهم لتوتر الأجواء في الإقليم أو القيام بضرب مصالح في الإقليم وكركوك، لأنهم قد يطردون من مناطق تواجدهم الحالية قرب محافظة السليمانية".
وأردف: "لذلك بقي الأمر يتعلق بالجماعات التي كانت تتعاون سابقا مع دول إقليمية في استهداف الإقليم كلما حدثت مشكلات بين الولايات المتحدة وإيران، بالتالي كانوا يستهدفون مطار أربيل أو قاعدة حرير العسكرية من مناطق أطراف كركوك والموصل".
وبناء على ذلك، يرى ياور أن "هذه الجماعات هي من لديها مصالح في خلق توتر في هذه المنطقة حتى تكون لهم مساحة من الحضور الأمني والسياسي للضغط على الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم".
وعزا الباحث أسباب الهجمات إلى "محاولة هذه الجماعات إبعادها عن ضغوطات أمريكية تتعرض لها بشكل متواصل سواء بفرض عقوبات اقتصادية أو سياسية، أو معاقبة البنوك التي تدعم نشاطات بعض قادة الفصائل، أو تشكيلات أخرى تشرف عليها الحكومة العراقية".
وبحسب ياور، فإن "خيوط الاستهدافات يمكن أن تشمل بعض الأطراف السياسية التي تتعاون مع جهات أمنية من أجل خلق هذه التوترات لكسب مصالح سياسية، خاصة أنها تحدث قبل الانتخابات التي بدأت مسارها بشكل قوي، وهذا قد يهدف إلى إبطاء حركة أحزاب بعينها".
ومن المقرر أن تشهد عموم المحافظات العراقية انتخابات برلمانية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهي الأولى التي تجري بعد التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما تراجع المحور الإيراني الذي يعد العراق أحد الأطراف المحسوبة عليه.