أدى تدخل
الولايات المتحدة في تغيير أنظمة حكومات أجنبية إلى العديد من "المخاطر الجسيمة"، خاصة في ظل تهديد واشنطن بدعم الإطاحة بالنظام
الإيراني، وهو الأمر الذي تكرر تارخيا في أكثر من حالة وتسبب بنتائج غير متوقعة أو كارثية.
وجاء في مقال نشرته صحيفة "
الغارديان" للكاتب كريستوفر إس. تشيفيز، أن الولايات المتحدة قد تضاعف من ضرباتها في نهاية الأسبوع وتسعى إلى الإطاحة بالنظام الإيراني إذا لم يصمد وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل"، وقد هدد دونالد ترامب بذلك في تعليقات وتغريدات في وقت سابق، وقال مسؤولون كبار إنهم لن يمانعوا ذلك إذا حدث، لكن هذه لن تكون المرة الأولى التي تسلك فيها الولايات المتحدة هذا الطريق.
وأكد المقال أنه "في السنوات الثمانين الماضية، أطاحت واشنطن بالعديد من الأنظمة، وهذا ليس بالأمر الصعب بالنسبة لقوة عظمى، لكن الحصول على النتيجة التي تريدها من ذلك هو الأمر الصعب، وهذا ما يجعل تغيير الأنظمة خطيرًا بقدر ما هو مغرٍ، كما تظهر المحاولات الأمريكية السابقة بوضوح".
وأضاف أن "إطاحة الولايات المتحدة بالحكومتين اليابانية والألمانية في الحرب العالمية الثانية جعلت جيلًا كاملًا من القادة الأمريكيين متفائلين بشأن تغيير الأنظمة، ولكنه كان أمرًا مضللًا".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "الولايات المتحدة ساعدت في الإطاحة بالزعيم الإيراني محمد مصدق سنة 1953، لكن ذلك زرع بذور الاستياء التي ساعدت في ولادة الحكومة المتطرفة اليوم، وفي 1954، جندت المخابرات المركزية الأمريكية مجموعة من المنفيين الغواتيماليين للإطاحة بالزعيم جاكوبو أربنز ذي الميول السوفيتية، وفي 1961 هبط المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة في خليج الخنازير، في محاولة فاشلة للإطاحة بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وخاضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حروبًا سرية وعلنية للإطاحة بالأنظمة منذ الستينيات وحتى الثمانينيات".
وأشار إلى أن "تغيير الأنظمة اتخذ هدفًا جديدًا بعد الحرب الباردة مع تخيل القادة الأمريكيين لعالم أفضل، خالٍ من الكراهية العرقية العنيفة وفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي المليء بالديمقراطيات المزدهرة المتحالفة مع الولايات المتحدة".
وقال إن "الهدف الأول كان هو المستبد الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش، وقد تمت الإطاحة به على مراحل، بدءًا من الضربات الجوية القسرية على حلفائه في 1995، وامتدت إلى صربيا نفسها في 1999، وانتهت بإسقاط نظامه في انتخابات عام 2000".
وذكر أن "دور الولايات المتحدة كان في تغيير أنظمة الحكم في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان خلال السنوات القليلة التالية غير مباشر ومحدود أكثر مما صوره خصوم مثل روسيا، ولكن بعد عقدين من الزمن لم يعد أي من هذه البلدان مستقرًا أو ديمقراطيًا؛ فصربيا يحكمها قومي يميل إلى الكرملين، وقيرغيزستان غير مستقرة، وجورجيا أصبحت دولة عميلة لروسيا، وأوكرانيا للأسف تحت حصار رئيس روسي انتقامي".
واستنتج المقال أنه "بالتالي فالنتائج طويلة الأجل لتشجيع الانتفاضات ضد الأنظمة غير المرغوب فيها لم تكن واعدة".
وأضاف المقال أن "هجمات 11 أيلول/ سبتمبر أطلقت العنان لموجة من الانتقام الأمريكي، مما أتاح القيام بعمل عسكري على نطاق أوسع بكثير، وجعل دور الولايات المتحدة في الإطاحة بنظامي طالبان وصدام حسين مباشرًا وواضحًا".
ففي أفغانستان، نجحت الحملة الأمريكية الخاطفة في القضاء على طالبان بسرعة، لكن المزايا التكنولوجية الأمريكية تلاشت في مواجهة تمرد في بلدٍ كان غريبًا على معظم الأمريكيين، وكانت المصلحة الوطنية الأمريكية فيه تقتصر على العثور على أسامة بن لادن، وبعد عقدين من السعي لبناء ديمقراطية أفغانية، انسحب جو بايدن بحكمة معترفًا بالهزيمة وبحدود قدرة أمريكا على تغيير الأنظمة.
وقال تقرير الصحيفة إنه "في 2003؛ سحق الجيش الأمريكي النظام العراقي، ورغم أن النظام الذي حل محل صدام في العراق أكثر ديمقراطية، لكنه كان أيضًا هدية إستراتيجية لإيران، التي وسعت نفوذها في الفراغ الذي أحدثه تغيير النظام".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن التدخل العسكري في ليبيا سنة 2011 أطاح بمعمر القذافي، مطبقًا بنبل مبدأ الأمم المتحدة "مسؤولية الحماية"، ولكنه خلّف وراءه جرحًا في خاصرة شمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله، وشجع على انهيار مالي وسهّل أزمة الهجرة في أوروبا".
تابع المقال أن روسيا تواجه الآن تحديات مماثلة في محاولة تغيير النظام في أوكرانيا، في تذكير صارخ بحقيقة أن هذه العمليات تبدو أشبه بإمبريالية وحشية بالنسبة للجميع، باستثناء من يريد تغيير النظام.
وأكد أن "التاريخ غير المُرضي لتغيير الأنظمة يُخفي جاذبية هذه الممارسة. وفي نفس الوقت، غالبًا ما يكون المسار الدبلوماسي شاقًا ويؤدي إلى نهايات مسدودة، وعادةً ما تكون النتائج الدبلوماسية هشة، وقد تكون قصيرة الأجل، كما يتضح من قصر عمر الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التفاوض عليه بصعوبة في عهد باراك أوباما، ثم مزقه دونالد ترامب بعد ثلاث سنوات".
وأوضح أن "عقودًا من محاولات تغيير الأنظمة التي لم تؤدِ إلى نتائج تُذكر يجب أن تجعل الولايات المتحدة تتردد قبل العودة إلى هذا الطريق"، مشيرا إلى أن البعض يأمل في تغيير النظام داخليًا، لكن الانتفاضات لم تُسفر عن استقرار في معظم الأحوال، وليس هناك ما يضمن أنها ستُنتج نظامًا أكثر ملاءمة للأمن الأمريكي والإسرائيلي في إيران، كما أن الفوضى هي الاحتمال الأكثر ترجيحًا في حال ثورة الشعب.
وقال "قد ينوي قادة وخبراء آخرون دفع إدارة ترامب إلى الاقتراب أكثر فأكثر من إستراتيجيات تغيير النظام التي اتبعها جورج دبليو بوش؛ حيث قد يُنهي غزو شامل برامج الأسلحة النووية الإيرانية، لكنه سيكون غير مسبوق في النطاق والعواقب منذ الحرب العالمية الثانية، وأي أمل في النجاح سيتطلب من الولايات المتحدة الاستعداد لدفع ثمن باهظ من الدماء والمال".
وفي ختام المقال جرى الإشارة إلى أن "صانعي القرار يجب ألا يركزوا فقط على برنامج إيران النووي، بل يجب أن يطرحوا أسئلة أعمق حول مصالح أمريكا الحقيقية في هذا الأمر، مدى تأثير طابع النظام الإيراني على حياة المواطنين الأمريكيين العاديين، وكيفية تأثير التغيير القسري للنظام على طابع الديمقراطية الأمريكية نفسها وعلى نظرة شعوب المنطقة للولايات المتحدة".