ملفات وتقارير

"رسائل مباشرة".. لماذا قد يكون انتقاد عون للحشد العراقي متعمدا؟

عون قال إن لبنان لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق لاستيعاب "حزب الله" ضمن صفوف الجيش- إكس
عون قال إن لبنان لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق لاستيعاب "حزب الله" ضمن صفوف الجيش- إكس
ما زالت تصريحات الرئيس اللبناني، جوزاف عون، عن الحشد الشعبي، تأخذ حيزا واسعا في وسائل الإعلام العراقية، رغم اتصال الأخير برئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وتأكيده "متانة العلاقات وعمقها بين البلدين، بعيدا عن أي عوامل قد تؤثر فيها".

ويأتي الاتصال بين عون والسوداني بعد استدعاء الخارجية العراقية، الأربعاء، السفير اللبناني لدى بغداد علي الحباب، احتجاجا على تصريحات للأول اعتُبرت "غير موفقة" بشأن الحشد الشعبي، و"إقحام" العراق في الأزمة الداخلية اللبنانية، وفق بيان رسمي.

وكان عون قد صرّح خلال مقابلة صحفية، الثلاثاء، بأن لبنان لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق لاستيعاب "حزب الله" ضمن صفوف الجيش اللبناني، مؤكدا أن الأخير "لن يكون وحدة مستقلة" داخل الجيش.

"رسائل مباشرة"
ورأى محللون ومراقبون، أن تصريحات الرئيس اللبناني ليست عفوية، وإنما كانت مقصودة وتحمل رسائل مباشرة إلى بغداد، خصوصا أنها جاءت عبر مقابلة صحفية وليست تلفزيونية، وبالتالي كان بالإمكان تداركها وتجنب إغضاب الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم بالعراق.

وقال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي، منذر العبيدي لـ"عربي21"، إن "تصريحات الرئيس اللبناني مقصودة في التوقيت الحالي الذي تضغط فيه الولايات المتحدة لحلّ الحشد الشعبي، وتقليص نفوذ إيران في المنطقة، بالتالي فهو يعرف حساسية الموضوع".

وتوقع العبيدي أن "تتبع هذه التصريحات إجراءات لبنانية قد تقلص من الانفتاح الحالي بين لبنان والعراق والرحلات اليومية الكثيرة بينهما، رغم أن بيروت بحاجة إلى بغداد في موضوع الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، إضافة إلى التجارة النشطة بين البلدين".

وفي السياق ذاته، قال الإعلامي والمحلل السياسي القريب من الحكومة العراقية، مازن الزيدي، عبر تدوينة على منصة "أكس" إن "تصريح الرئيس اللبناني يأتي في إطار مساعي إحكام الطوق على الشيعة في لبنان".

وأضاف الزيدي أن "الهدف إحداث أزمة دبلوماسية بين العراق ولبنان تغلق آخر بوابة أمام شيعة لبنان مع محيطهم الإقليمي. الإدانة يجب أن تأتي من داخل لبنان على هذه السياسة العدائية".



وعلى الوتيرة ذاتها، قال المحلل السياسي العراقي، لقاء مكي، إنه "ليس واردا أن يكون تصريح الرئيس جوزاف عون حول الحشد الشعبي، عفويا وغير مقصود، فالرجل معروف بفطنته العالية، وقدرته على انتقاء كلماته، والحوار الذي تحدث فيه كان لصحيفة وليس لقناة تلفزيونية، بمعنى أنه ومكتبه، كان لديهم وقت وفرصة لتعديل النص إن رغبوا".

وأضاف مكي عبر تدوينة على "أكس" أن "التصريح في الواقع مقصود، وفيه رسائل مباشرة، وهو لا يهتم بإغضاب بغداد، بل ربما يريد ذلك، ليجعلها تخفّض من علاقاتها بلبنان، وربما يصل البلدان إلى وقف إجراءات الدخول بدون فيزا لمواطنيهما، أو تقليل وربما وقف الرحلات الجوية من العراق".

ورأى مكي أن هذا الأمر "بحد ذاته هدف أساسي لوقف أو تعقيد التواصل بين حزب الله والفصائل العراقية ومن خلالها مع إيران. تبدل الأحوال في المنطقة يفسر سياق تصريح عون".


"استغلال انتخابي"
وفي المقابل، قال المحلل السياسي العراقي، كاظم ياور، إن "هناك قضايا سيادية وطنية تتفق كل القوى السياسية في الدفاع عنها إذا تعرضت إلى اعتداء أو إساءة من جهات خارجية، لكن الفصائل المسلحة وحتى الحشد الشعبي من الملفات المختلف عليها داخليا، سواء سياسيا أو شعبيا".

وأضاف ياور لـ"عربي21" أن "هذه الاختلافات لا تجعل من هذه الملفات قضايا سيادية تتعلق بسيادة الدولة التي تحتم على الجميع الدفاع عنها، وإنما هناك أطراف تحاول استغلال الحدث في الوقت الحالي لأننا مقبلون على انتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل".

ورأى الخبير العراقي، أن "تصريحات عون، استغلتها جهات سياسية عراقية ضعيفة من أجل الترويج لنفسها، وهي ذاتها أججت موضوع هتافات الجمهور الأردني حين لعب منتخب العراق في عمّان الشهر الماضي، فرغم تواصل المسؤولين الأردنيين واعتذارهم، فإن الحرب الإعلامية بقيت".

وتابع: "عندما تطالب الولايات المتحدة الحكومة بحلّ الفصائل والحشد الشعبي لأنها تعتبرهم مليشيات، فإننا لا نجد هذه الأطراف العراقية تشن حربا إعلامية عليها أو تطلب استدعاء سفيرها وقطع العلاقات مع واشنطن كما يحصل مع لبنان، لذلك فإن ثمة استغلالا انتخابيا للأحداث".

وأعرب ياور عن اعتقاده بأن "تصريح الرئيس اللبناني ليس فيه غايات تهدف إلى فصل لبنان عن العراق في الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن بيروت بحاجة إلى علاقات ثابتة وراسخة، بل استراتيجية مع بغداد".

وشدد الخبير العراقي على أن "العراق لا يريد أن تكون هناك تقاطعات وخلافات في أي ملف مع لبنان في هذا التوقيت، وبالتالي فليس من مصلحة الطرفين أن تكون بينهما علاقات متوترة في ظل الظروف الحالية".

وكان وكيل وزير الخارجية العراقي، محمد بحر العلوم، أشار خلال لقائه السفير اللبناني لدى بغداد، أن حالة من عدم الارتياح سادت العراقيين، لا سيما أن العراق لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب لبنان في مختلف الظروف.

وأعرب بحر العلوم عن أمله في أن يُصحح الرئيس اللبناني هذا التصريح، بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين، ويؤكد احترام خصوصية كل دولة، وفق بيان للخارجية العراقية.

من جانبه، أكد السفير اللبناني، علي حباب، عمق العلاقات الأخوية التي تجمع بين لبنان والعراق، مشيرا إلى أن لبنان يعوّل على دور العراق في المساهمة في إعادة إعمار لبنان، إلى جانب أشقائه العرب.

وفي نهاية آذار/ مارس المنصرم، وافق رئيس الحكومة العراقية، على منح استثناء لتجهيز لبنان بالوقود لمدة
ستة أشهر، مؤكدا خلال مباحثات هاتفية مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، دعم العراق لأمن واستقرار لبنان، بجميع مكوناته، بجانب الالتزام بالمساهمة في إعماره.

ووقع لبنان مع العراق اتفاقا في تموز/ يوليو 2021 من أجل استيراد مليون طن من وقود الفيول، وذلك للتخفيف من أزمة الكهرباء في البلاد، حيث وصلت أول باخرة إلى الأراضي اللبنانية محملة بـ31 ألف طن من هذه المادة في 16 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.

التعليقات (0)