يكشف تحقيق "عربي21" الاستقصائي، خفايا تزييف بعض الشركات المغربية لمُلصقات تمور إسرائيلية، لتُصبح بغطاء محلي، مستغلّة ثقة المستهلك المغربي وجعله ضحية التزييف والتضليل، الذي يجرّمه القانون؛ وذلك في خضمّ تصاعد حركة المقاطعة لمنتجات الاحتلال الإسرائيلي في المغرب، خاصة التمور.
عبر عدد من الدول التي تُعرف بكونها "دول العبور" (الترانزيت) أهمها مصر والأردن وأيضا العراق خلال الأشهر القليلة الأخيرة، اعتاد سماسرة التمور (باعة الجملة) اقتناء أنواع من التمور الإسرائيلية، أبرزها "المجهول"، ومن تمّ يأتون بها للمغرب، لإعادة تعليبها، كما قال مصدر مطّلع لـ"عربي21" فضّل عدم الكشف عن هويّته.
بين من يحاول الظّفر بها لكونها بثمن أقلّ، متجاهلا مصدرها؛ وبين جاهل بالمصدر أساسا، يستمرّ باعة تمور دولة
الاحتلال الإسرائيلي بالجملة، إدخالها للمغرب، على أساس أنها تمور عربية، وبترخيص من دول العبور.
وفي
المغرب، هناك محطّات للتبريد للحفاظ على جودة التمور، وفي المُقابل تتمّ عملية إعادة التعليب وبيعها على أساس أنّها عربية (مغربية أو مصرية أو أردنية أو عراقية)"، عبر أساليب مُختلفة يوثّقها تحقيق "عربي21" الذي يكشف تواجد التمور الإسرائيلية في المغرب، ويستهلكونها على غير إدراك منهم؛ رغم تأكيد حركة المقاطعة BDS على: "خلو الموائد المغربية من تمور الاحتلال".
حيثُ يُخدع المُستهلك
تُباع تمور دولة الاحتلال الإسرائيلي، لباعة التقسيط المتواجدين في الأسوق الشعبية، فيما تُباع التمور المُعاد تعليبها للمحلاّت التجارية، أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقول فيصل (اسم مُستعار)، والذي كشف لـ"عربي21" عددا من إعلانات التّمور التي تمّ تزييفها، بغرض تضليل المُستهلك، وتجنّبا للمُقاطعة.
وفي شهر رمضان الجاري، بات منتجو التمور في دولة الاحتلال يجدون صعوبات في توزيع منتجاتهم تحت مُلصق "صنع في إسرائيل"، جرّاء تصاعد عدوانهم على قطاع غزة، وتوالي حملات المقاطعة، وفق ما أكّده موقع "ميدل إيست آي".
الأمر نفسه، جعل "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"، والمعروفة اختصارا باسم BDS تقع في "فخّ الألعوبة"، ما دفعها إلى نشر بيان، تؤكّد فيه: "نجاح حملة مقاطعة التمور الإسرئيلية في المغرب"، وبأنّ: "موائد الإفطارات خالية من منتجات إسرائيلية".
وجاء في بيان الحركة، الذي وصل "عربي21" نسخة منه: "بعد عدّة جولات في سوق بيع التمور بالدار البيضاء، لوحظ غياب العلامات الصهيونية المعهودة، التي كانت تدخل عبر التهريب، إضافةً إلى التجاهل المقصود من السلطات".
وأوضحت الحركة بأنها استطاعت التأكد من صحّة بعض العلامات الفلسطينية المتواجدة في الأسواق، مثل: (تاج الصحراء، تمور القمر)، وكذلك بعض الماركات الأردنية مثل: (مزارع الأمير، نخلة فلسطين، لينة، بالميرا، ربوع أريحا، طيبات الصحراء)؛ فيما نبّهت الحركة إلى أن بعض مستوردي التمور الصهيونية يلجؤون إلى طرق ملتوية لإدخالها إلى السوق المغربية، سواء عبر شركات فلسطينية/أردنية أو عبر شركات مغربية تقوم بالتغليف والتعليب.
ومن بين أبرز أسماء التمور الإسرائيلية، التي كانت مُتواجدة في السوق المغربي (قبل أن تضطرّ لتغيير اسمها جرّاء تصاعد حملات المُقاطعة): بوماجا، كارمل اجركسكو، تمارا، تمور الجنة، دليلة، الملك سليمان، ماسة الصحراء، حديكل، البحر الأحمر، زيف، سهول الأردن، رابونزيل، الكنز الملكي، نهر الأردن، فيما كانت عدد من المصادر المُتفرقة قد أوصت بتجنب هذه الشركات: Mehadrin، MTex، Edom، Carmel Agrexco، وArava.
في المقابل، مصادر كثيرة، أوصت بشراء تمور "المجهول" من مصادر موثوقة، تمَّ التحقق منها، من قبيل:
"الزيتون" (Zaytoun) أو
"يافا" (Yaffa)، أو من طرف مورّدين في جنوب المغرب معروفين بمصداقيتهم.
اظهار أخبار متعلقة
كيف يضرب الاحتلال الإنتاج المغربي؟
خداع الاحتلال الإسرائيلي لم يقف عند المزارعين الفلسطينيين، بل تعدّاهم إلى ضرب الإنتاج المغربي، الذي يعد تمر "المجهول" أحد أهم مكوّناته، حيث أنّه مع توالي حملات مقاطعة منتجات الاحتلال الإسرائيلي، بات المستهلك في حيرة من أمره، غير قادر على تمييز مصدر التمور.
وفي الأيام الأولى من شهر رمضان الجاري، رصدت "عربي21" عبر جولة في الأسواق بقلب مدينة الرباط، وأيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، عددا من التمور الإسرائيلية، خاصّة لدى التجّار بالتقسيط. عند استفسارهم عن المصدر، منهم من يقول إنّها من الأردن، ومنهم من يبتسم بهدوء ويقول: "لا علم لنا، نشتريها من باعة الجُملة، وجّهي السؤال لهم".
أيضا، على مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات بالجُملة، بينها من يتّضح بعد بحث بسيط كونها تسوّق لمنتجات الاحتلال الإسرائيلي، وبينها من يتبيّن أنها من مزارع بجنوب المغرب، لمُزارعين مغاربة؛ فيما هناك نوعية تجعلك في حيرة من أمرك، وتستفسر: ما مصدرها؟.
شكّت "عربي21" في مصدر التمور التي تسوّقها "آنكل عاشور" إلاّ أنه قبل ساعات قليلة من التواصل مع مدير الإنتاج بها، نشرت حركة المقاطعة BDS، بيانا، تعتذر فيه عن اتّهام الشركة، عقب إفادتها قبل أقلّ من شهر بكون شركة "ليل دو فروي" التي يروّج لها محل "أنكل عاشور"، لها علاقة بالشركة المستوردة "إيطو فود"، ووفقا للأبحاث فإنّه لا وجود لها بالسجل التجاري ولا في لوائح المكتب الوطني للسلامة الغذائية في المغرب (ONssA)".
المكلّف بالإنتاج في شركة "أنكل عاشور"، عاشور بناصر، قال في حديثه لـ"عربي21": "صراحة استنكرنا الاتّهامات التي وجّهت إلينا، هذا الأمر لن يضرّنا بل سيضرّ الإنتاج المغربي ككل، إذ سيصرف المستهلك النظر، عن
تمر المجهول بالمغرب كافّة، ما سيخلق بلبلة".
وتابع بناصر: "ليس علينا تقديم أي إثبات بكون التمور التي نبيع هي مغربية وأردنية، بل كان على حركة BDS تقديم الدلائل، إلّا أنها اعتذرت لنا عبر بيان، بعد أن قمنا بمُراسلتهم مُباشرة. وفي العام الماضي أيضا اتّهمونا، وقمنا بمراسلتهم، ولم يقدّموا أي اعتذار".
ونفى بناصر، تواجد التمر الإسرائيلي بالمغرب حاليا، على الرّغم من رصد جُملة من الصور التي تشير إلى عكس كلامه. إذ قال: "الإنتاج المغربي حاليا في تزايد، فلم سنحتاج إلى الاستيراد؟"، مردفا: "مصدر تمورنا من مزارعنا المغربية الخاصة، ومن مورّدين مغاربة، ولدينا وثائق تثبت ذلك".
وأردف: "حاليا لا توجد أي حبّة تمر مجهول إسرائيلي في المغرب، خاصة أنّ معبر سبتة ومليلية، مُغلق، وهناك كانت تتم عملية تهريبه من السوق الأوروبي"؛ غير أنّ بحثا لـ"عربي21" استخلص أنّ: "الاحتلال الإسرائيلي يمزج تمور المستوطنات، مع بعض التمور الفلسطينية الخالصة، لتمريرها لعدد من الدول، بأسماء عربية".
"هذه الاتّهامات لا تمسّنا فقط"
استطرد المكلّف بالإنتاج في شركة "أنكل عاشور" التي أشيرت لها أصابع الاتّهام، وسرعان ما خفتت من جديد: "فعلا نأتي بكمية من التمور من الأردن، نظرا لأنّ الكمّيات لدينا لا تزال بسيطة، وأحجام النخل في المغرب لا تزال صغيرة؛ سيأتي يوم في المستقبل ليكون المستهلك المغربي، أمام المنتوج الوطني فقط، وبسعر معقول".
"أنا أحترم من يناضل لأجل القضية الفلسطينية، التي تهمّنا كلّنا؛ غير أنّه ليس كل ما يروج هو حقيقة، وهذه الاتّهامات لا تمسّنا فقط، بل حتّى السلطة بكونها تسعى للتغافل عن أشكال تسويقية غير قانونية"، تابع بناصر، مبرزا: "لن أحتاج لأن أوصي المستهلك الذي يحرص أساسا على المنتوج الوطني".
وختم بالقول: "أكثر من رفع بقيمة تمر المجهول، هم الإسرائيليون، لكونهم اشتغلوا عليه، من ناحية التسويق والزراعة، وأسواقهم متواجدة عبر العالم، إلّا في العالم العربي، بحُكم حساسية القضية؛ وشكل المجهول الإسرائيلي: أكبر حجما من المغربي والأردني".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، توصّلت "عربي21" بعدّة تعليقات ورسائل، تبرز نوعية التمور المستهلكة، تشكّلت جلّها في التمور الجزائرية والتونسية وتمر المجهول، وقلّة هم الأشخاص المتأكّدون من مغربية هذا النوع؛ ليظلّ السؤال: أين هو المنتوج المغربي من التمور بداخل الأسواق المحلّية؟.
كيف وصل المجهول للاحتلال؟
المجهول، أو المِجول، أو المجدول، هي مُسمّيات لنوع واحد من التمر (أجود الأنواع وأغلاها)، الموطن الرئيسي له هو المغرب، من شجرة نخيل التمر، المعروفة باسم (Phoenix dactylifera)، فيما بات يُزرع بقلب عدد من المناطق التي توصف بكونها "دافئة" في: الولايات المتحدة، وجنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
في ثلاثينيات القرن الماضي، نجح الاحتلال الإسرائيلي في سرقة سُلالات التمور العربية من: المغرب والعراق، وعمل على نقلها للمُستوطنات الأولى التي أقامها في فلسطين، خلال سنوات الاحتلال البريطاني. هكذا بدأت زراعة التمور في دولة الاحتلال الإسرائيلي، عقب انهيار زراعة الفلفل، جرّاء المنافسة الشرسة بالأسواق الأوروبية.
بات الاحتلال الإسرائيلي، عقب ذلك، يسوّق للتمور، ليصل لإنتاج سنوي، يُناهز 110 آلاف طن، يتزعّمها "تمر المجهول" الذي سَرقه، وغيّر اسمه لـ"مجدول" بغية إخفاء أصله المغربي؛ فيما عمل على تطويره عبر تقنيات الهندسة الجينية، ليصل لإنتاج سنوي منه يبلغ 30 ألف طن يشكّل "المجهول" 75 في المئة منها، ووصل لأرباح بلغت 340 مليون دولار عام 2022. بحسب أرقام رسمية.
إلى ذلك، على الأراضي الفلسطينية المحتلة، جعلت دولة الاحتلال الإسرائيلي، مستوطنات: غور الأردن المحتل المتواجدة في الضفة الغربية ووادي عربة، مزارع ضخمة لإنتاج التمور، مستخدما فيها مصادر مياه الأراضي المحتلّة، ومدمّرا الزراعة الفلسطينية بكافة الوسائل لمنعها من المنافسة بالأسواق الخارجية؛ وأيضا لدى الاحتلال مزارع لإنتاج التمور بجنوب أفريقيا.
في المقابل، نجد مدينة أريحا الفلسطينية بقلب الأغوار المحتلة، بها مزارع للنخيل بنسبة 50 في المئة من مساحتها، غير أنّ 86 في المئة من المزارع بها، إمّا مُصادرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أو مهدّدة بالمُصادرة، أو بالقصف بغية اقتلاع أرضهم، أو تحويلها لمواقع عسكرية، ما بات واقعا مريرا يُعايشه المزارعون الفلسطينيون، قسرا.
ويحظر الاحتلال الإسرائيلي بيع أشتال النّخيل للمزارعين الفلسطينيين، فيما يُقدّم من يحاول بيعها للمحاكمة العسكرية، ويُمنع أيضا المزارعون في الأغوار من الحصول على المياه، أو حفر الآبار، كما تُصادرُ كافة آلياتهم ومعدّاتهم الزراعية، وأيضا يواصل الاحتلال التحكّم بمواعيد تلقيح الأشجار وتوريد المبيدات والأسمدة لهم.
وفي سياق إصرار الاحتلال الإسرائيلي على تدمير موارد رزق المزارعين الفلسطينيين، يسوّق تمور "المجهول" وغيرها من الأنواع، في الخارج؛ فيتحكّم إثر ذلك بالمعابر التجارية وأسعار البيع ومواعيد تصدير المنتجات، ناهيك عن لجوء شركاته لتسويق المُنتجات بأسماء عربية، وغلافات تشتمل على صور للمساجد والرموز الإسلامية، بغية خداع المُستهلكين، خاصّة في السنوات الأخيرة، عقب تصاعد عدوان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أيضا، في مقابل إنتاج الاحتلال الإسرائيلي للتمور، أقدم على طرد عائلات فلسطينية من أراضيها، وتطهير أكثر من 80 في المئة من الأراضي بالقوة العسكرية الهوجاء، في ضرب صارخ للقوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان (محكمة العدل الدولية قضت عام 2004 بأن المستوطنات الإسرائيلية التي بُنيت فوق منازل وقرى فلسطينية مدمّرة غير قانونية بموجب القانون الدولي).
في السياق نفسه، أبرزت اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل أن "إسرائيل" هدّمت أكثر من 170 ألف منزل فلسطيني بغية زرع التمور. كما أنّ جمع محصول التمور بالمستوطنات هو عمل شاق، يقوم به، قسرا، فلسطينيون يتقاضون رواتب جد قليلة، تحت ظروف عمل قاسية وغير إنسانية (أكثر من 8 ساعات دون استراحة المرحاض، وتمتدّ ظروف العمل للأطفال أيضا، رغم أن القانون الدولي، والقوانين الإسرائيلية والفلسطينية، تحدد سنّ العمل في الـ15 عاما).
اظهار أخبار متعلقة
اعتراف بالسرقة واستمرار فيها
سبق لصحيفة "ذا ماركر" العبرية، الاعتراف بـ"سرقة الاحتلال للأصناف النادرة من التمر من الدول العربية والإسلامية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. إذ بدأت الحركة الصهيونية منذ عام 1924 بزرع النخيل في مستوطنات طبريا، ونهلال، ودجانيا، وعين حرود، من أصناف مصرية، جلبها رئيس بعثة الاستيطان التابعة للهستدروت الصهيونية، يوسيف فيتس".
وكانت شركة "حديكلام" (Hadiklam) المتخصصة في إنتاج التمور، قد اعترفت أيضا، أنه منذ عام 2012 تمَّ شحن التمور تحت ملصق "إنتاج فلسطين" من وادي الأردن إلى أوروبا ودول خليجية مثل الإمارات، فيما لم تكشف عن حجم الإنتاج الذي يأتي من المزارع الفلسطينية أو المستوطنات غير القانونية.
الشركة ذاتها، باعت تمور المستوطنات في المغرب مع ملصق: "صنع في جنوب أفريقيا"، وجرّاء المقاطعة أنهت شركة "كارستين" (Karsten)، وهي المورّد والمستورد الرئيسي للتمر داخل جنوب أفريقيا، العلاقات، فيما تعهّدت بعدم الشراكة مع أي كيان متواطئ في الاحتلال، وفق عدد من التقارير الإعلامية، المُتفرّقة.
وفي عام 2019، أصدرت محكمة العدل الأوروبية، قرارا، يُطالب دول الاتحاد الأوروبي بتحديد المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية على ملصقاتها، من أجل عدم تضليل المستهلكين حول حقيقة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي: متواجدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ غير أنّ الأمر ظلّ ساريا في الأسواق العالمية، وأضحى قرار المحكمة حبرا على ورق، في جُلّ الأحيان.
وبعد ذلك، أوضحت جمعية حماية المستهلك الفلسطيني أنّ: "تبييض التمور والمنتجات الزراعية للمستوطنات (تزوير الحقيقة والتلاعب والغش وخداع المستهلك عبر انتهاك حقه في المعرفة والاختيار)
جريمة اقتصادية كبرى، ترقى إلى تهمة الخيانة العظمى، وتخضع لقانون حظر ومكافحة بضائع وخدمات المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين العرب المحتلة عام 1967".
وبحسب نص رقم 4 لعام 2010 والمتعلق بحظر ومكافحة منتجات المستوطنات، فإنّ القانون، يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنتين، ولا تزيد على خمس سنوات، مع غرامة مالية، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من: تداول منتجات المستوطنات، شارك أو أسهم في تداولها أو ورد سلعة أو خدمة للمستوطنات.
رغم ذلك، يُواصل الاحتلال الإسرائيلي كافة أنواع إجرامه المادي والمعنوي والاقتصادي؛ فيما يواصل عدد من "تجّار الأزمات" تسويق تمر الاحتلال الإسرائيلي. عبر طرق عدة (أوردنا جلّها في هذا التحقيق)، ويمكن تلخيصها كالتالي:
تمرير تمور الاحتلال الإسرائيلي وسط تمور المزارعين الفلسطينيين، بيع التمور للسّماسرة (باعة الجملة) لإعادة بيعه بالتقسيط داخل الأسواق أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إعادة تعليب التمور في دول العبور للحصول على ترخيص بإدخالها للدول العربية، ثم التسويق بأسماء عربية..
الاحتلال بقلب الأراضي المغربية
"لا يمكنني مراقبة كل ما يدخل أو يخرج من المغرب" هكذا علّق وزير الفلاحة المغربي عام 2019، عزيز أخنوش، والذي يرأس اليوم الحكومة، عند سؤاله عن بيع تمور الاحتلال الإسرائيلي في الأسواق المغربية. فيما ظل المسؤولون الحكوميون، قبل اتفاقية التطبيع، ينفون وجود هذه النوعية من التمور.
غير أنّه بخروج العلاقة المغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، للعلن، عقب تمرير اتفاقية التطبيع، لم يعد الجانب الرسمي مهتمّا بالأمر؛ ليبلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي ما يناهز 38.5 مليون دولار، في النصف الأول من عام 2023، بزيادة قدرها 96.43 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، وذلك وفقا لبيانات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء.
الأمر لم يقف هنا، حيث أن "عربي21" عرفت بوجود مزارع مغربية لتمور "المجهول"، بعدد من مناطق الجنوب، بينها "بوذنيب"، مستغلّوها إسرائيليون، وليسوا يهودا من أصل مغربي؛ إذ تنتج كميّات توصف بـ"المهمّة" وتجني أرباحا كبيرة، لا تستفيد منها المنطقة المغربية، المهمّشة، ولا حتّى مزارعوها، حيث تذهب الأرباح للإسرائيليين.
أيضا، على مجموعة مغلقة، خاصة بالمزارعين جنوب المغرب، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وثّقت "عربي21" إعلانات لبيع مزارع للتمور بكميّة نخل مهمّة، أو لاستئجارها، دون شروط، ما يسهّل عملية وصول مستثمرين إسرائيليين، آخرين، للأراضي، واستغلالها، لتمرير تمر "المجهول" للمغاربة، من أرض مغربية، لكن الأرباح كاملة، هم المستفيدون منها.
في المقابل، دعا وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قبل أسابيع، من جنيف، إلى الوقف الفوري والشامل لحرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، خلال أشغال الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان الذي يترأسه المغرب.
وقال بوريطة: "قطاع غزة يعيش أزمة غير مسبوقة وكارثة إنسانية لا يمكن للمجتمع الدولي مواصلة غض الطرف عنها، وهو ما جعل الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للجنة القدس، يدعو إلى صحوة الضمير الإنساني لوقف قتل النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل".